محمد عبد الرحمن
الخميس 4 ديسمبر 2025 تنطلق الدورة الخامسة لمهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي بمدينة جدة السعودية. خلال خمس سنوات نجح المهرجان في تثبيت أقدامه كأحد أهم المهرجانات الصاعدة في منطقة الشرق الأوسط. عن جديد الدورة وأهم التحديات التي واجهت الفريق المنظم منذ دورة الانطلاق 2021 وحتى الآن، التقى "إعلام دوت كوم" مع الناقد والمبرمج البارز أنطوان خليفة، مدير البرنامج العربي والكلاسيكي بالمهرجان.
ونحن نستقبل الدورة الخامسة لمهرجان "البحر الأحمر".. إلى أي حد اختلفت التحديات التي تواجه فريق اختيار الأفلام من الدورة الأولى حتى الآن؟
المهمة الأولى كانت: كيف نبني مهرجانًا يجذب الجمهور المحلي؟ ففي المملكة العربية السعودية عندما أسسنا مهرجان "البحر الأحمر" كانت الفكرة: كيف نقول إن هذا المهرجان هو أيضًا للجمهور، وليس فقط لصناع الأفلام أو لصناع السينما؟ وهو ما مثّل تحديًا كبيرًا واجهناه بتراكم الخبرات، حيث حرصنا على تنويع الأفلام ما بين تجارب مناسبة لكل فئات الجمهور وتجارب مغايرة ومبتكرة. ونجحنا بعد التواصل مع الجامعات والمدارس في جذب فئات عدة من الجمهور الذي أقبل بكثافة دورة تلو الأخرى، وبات من المعتاد نفاد تذاكر غالبية الأفلام أيًا كان نوعها؛ فهناك جمهور محب لكل الأنواع. حتى أنه في الدورة الماضية امتلأت الصالات بصناع السينما وامتلأت أيضًا بالجمهور والأمهات والأطفال وطلاب المدارس. وسيظل التحدي قائمًا وهو الحفاظ على هذا الجمهور وتعظيم حضوره.
كيف يتعامل فريق البرمجة بـ"البحر الأحمر" مع وجود أربعة مهرجانات عربية كبرى قبل انطلاقه وفي فترة زمنية محدودة، وهي: الجونة، القاهرة، مراكش، والدوحة السينمائي؟
عادة ما نبدأ البرمجة مبكرًا، في شهر فبراير من كل عام، أي بعد أسابيع محدودة من انتهاء الدورة. نجتمع مع لجنة المشاهدة والاختيار ونبدأ في التواصل مع المخرجين والبحث عن التجارب المميزة والاتفاق معهم. لدي علاقات كثيرة بمخرجين مميزين، وأيضًا بأصحاب الحقوق من منتجين وموزعين، بالتالي لا نترك الوقت يتحكم فينا، بل نحدد مبكرًا الأفلام المناسبة لنا.
لكن في الوقت نفسه هناك شرط أساسي يحكم هذه العملية، وهو أن يكون الطرف الآخر شغوفًا هو أيضًا بعرض فيلمه في مهرجان بحجم البحر الأحمر. فمثلًا: أنا أحب أن أعرض فيلم "أبو بكر شوقي" في مهرجاني، وأحب أيضًا أن يكون "أبو بكر" مقتنعًا بأن فيلمه يجب أن يكون في مهرجان "البحر الأحمر" كعرض عربي أول، وإذا رأيت أن المخرج والمنتج يفضلان مهرجانًا آخر أحترم قرارهما، خاصة أن لكل مهرجان علاقاته، ولكل مدير مهرجان علاقاته. وما يهمني في النهاية أن يخرج البرنامج متكاملًا، وأن نكون نحن وصناع الأفلام على نفس الخط، ونترك الحكم في النهاية لجمهور البحر الأحمر الذي يتزايد عامًا تلو الآخر.
رغم تمويل "البحر الأحمر" لعدة أفلام مهمة، فإنه لا يشترط عرضها أولًا في جدة. ما الهدف من وراء هذه المرونة في التعاطي مع هكذا مشروعات؟
الأفلام التي تم دعمها مثلًا من صندوق البحر الأحمر لا يشترط أن تُعرض كلها خلال المهرجان، وممكن أن تُعرض في مهرجانات أخرى، لا توجد لدينا أدنى مشكلة، لأن المهم هو مصلحة الفيلم نفسه، يضاف إلى ذلك أن البرمجة مستقلة عن صندوق البحر الأحمر، أي أن لجنة المبرمجين تصدر قراراتها بناءً على معاييرها الفنية، ولا يُشترط عليها عرض الأفلام المدعومة من الصندوق.
وعلى خط موازٍ نقيم فعاليات على مدار العام تُعرض فيها كل هذه الأفلام الحاصلة على الدعم، لأن البحر الأحمر مؤسسة وليس مجرد مهرجان يقام لعدة أيام.
في تصريحات إعلامية صباح الخميس أشار فيصل بالطيور، رئيس المهرجان، إلى العدد الكبير من الأفلام السعودية في الدورة الخامسة. من وجهة نظرك، كيف يمكن وصف الدور الذي لعبه "البحر الأحمر" في دعم الإنتاج السينمائي السعودي في تلك الفترة الوجيزة؟
هذا إنجاز أفتخر به، لأنه عندما بدأنا المهرجان كان التوجه هو جذب أكبر عدد ممكن من الجمهور السعودي. لكن ما اكتشفناه هو أن هناك شبابًا كُثرًا شغوفين بصناعة السينما نفسها في الجامعات والمدارس، ومعظمهم نفذ بالفعل أفلامًا قصيرة حتى وهم ليسوا من دارسي السينما.
وبدأنا مستوى مختلفًا من التواصل مع الجامعات، وبهذا تمكنا من جذب عدد كبير من الطلاب ونفذنا لهم نشاطات وفعاليات على مدار العام مثل فعالية "تحدي 48 ساعة"، ولدينا أيضًا "معامل البحر الأحمر" لتطوير الأفلام التي استفاد منها عشرات المخرجين. بالتالي تزايد الإنتاج سواء الطويل أو القصير، ما مهد لإطلاق قسم للسينما السعودية الجديدة، والذي يضم هذا العام أكثر من 22 فيلمًا.
كما نقدم في هذه الدورة العديد من الأفلام الوثائقية الطويلة، منها فيلم "7 قمم" عن شخص من جدة يتسلق الجبال بـ"إفرست" للمخرج أمير الشناوي، وفيلم يحكي عن الفن المعاصر في المملكة العربية السعودية، ووثائقي آخر عن لاعب كرة القدم "محمد نور"، ما زاد من ثراء المشاركة السعودية في الدورة الخامسة.
يضاف إلى ما سبق قسم جديد للمخرجين الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و16 سنة. وصلنا عدد كبير من الأفلام، اخترنا منها 12 فيلمًا، ونحن سعداء جدًا بهم، وهذه النقطة إضافة للمهرجان بالنسبة لنا.
من بين أفلام المسابقة الطويلة هذا العام فيلم "صومالي".. نريد إيضاحًا حول هذا الوجود الاستثنائي، وكيف يتوصل فريق البرمجة لهذا النوع من الأفلام؟
فيلم "بارني" للمخرج محمد شيخ، ويعرض لأول مرة عالميًا في المهرجان. فيلم رائع أنصح جمهور البحر الأحمر بمشاهدته، وهو اكتشاف خاص لنا لم نحصل عليه من أي مهرجان آخر.
فريق البرمجة حريص على متابعة حركة الإنتاج العالمية والبحث والتنقيب عن الأفلام المميزة، ولا يشترط انتظار عرضها أولًا في المهرجانات الأوروبية الكبرى.
ما هي المعايير التي يتم على أساسها اختيار الأفلام المرممة في كل دورة؟
إجمالًا، كل سنة نحاول أن يكون لدينا اختيار مميز ومغاير. مثلًا: عندما اخترنا ترميم فيلم "قليل من الحب.. كثير من العنف" لـ رأفت الميهي، كانت هناك فكرة لإجراء حوار مع ليلى علوي حول تجربة هذا الفيلم. أما "خلي بالك من زوزو" فكان ترميمه تزامنًا مع مرور 50 سنة على إنتاجه.
وفي الدورة السابقة عندما كرمنا منى زكي، اختارت ترميم فيلمها "اضحك الصورة تطلع حلوة"، لكنها طلبت أيضًا ترميم "شفيقة ومتولي" تقديرًا لسعاد حسني. وعندما كان لدينا توجه نحو السينما الموسيقية، اخترنا "غرام في الكرنك" و"العيش والملح"، وفي هذا العام، وبمناسبة خمسين سنة على وفاة أم كلثوم، سنعرض لها فيلمين مرممين.
ومهم الإشارة إلى أننا نعطي نسخة من الفيلم المرمم لصاحب الحقوق كي يستفيد منها، لأن الهدف ليس العرض في المهرجان فقط، وإنما أن تصل النسخة المرممة لأجيال جديدة من المتفرجين.
في الدورة المنتظرة هناك العديد من الأفلام التي عُرضت مسبقًا في مهرجانات أخرى، مثل "صوت هند رجب"، "كولونيا" و"المستعمرة". ما هي رؤية المهرجان في هذا الصدد؟
لنتحدث عن الأفلام المصرية على سبيل المثال. هي أفلام اختار مخرجوها عرضها أولًا في بلدهم الأم. هذا أمر لا يمكن الاعتراض عليه. ويهمني أن تُعرض أيضًا في البحر الأحمر لما تتمتع به من جودة فنية، ولأن جمهور المهرجان لدينا مختلف ويسعى لمعرفة الجديد من كل التيارات، لا توجد حساسية على الإطلاق تجاه هذا الأمر.
