حنان فكري
بعد انتهاء عرض الفيلم فاجأت الجمهور بأنها اقترحت على "عمر علولو" أنها ترغب في مقطوعة موسيقية ليس بها بداية أو نهاية. رغم اندهاش الحاضرين من تلك العبارة إلا أن المخرجة سارة عبيدي أكدت أن التعامل المستمر بينهما عبر عدة أعمال سابقة، جعله يدرك ويستوعب بدقة هدفها من الموسيقى التصويرية التي تلزم فيلمها.

شهدت قاعة المسرح الصغير بدار الأوبرا المصرية العرض العالمي الأول للفيلم التونسي "كأن لم تكن Looking for Aida" ضمن مسابقة آفاق السينما العربية، الذي يصور حالة الملل التي تعيشها عايدة التي تعمل "كول سنتر" للرحلات، يوم تتكرر تفاصيله؛ صباحًا في المكتب تتعالى الأصوات في حديث بالفرنسية- وهذا أحد شروط المكان وهو عدم التحدث بالعربية على الإطلاق- تتداخل المكالمات الهاتفية سعيًا من كل موظف لإقناع عميل ما بقضاء وقت ثمين بتخفيض في المالديف أو باريس مثلًا، تنتهي من يومها ليلًا لتركب القطار الذي يوصلها لمنزلها، تمر على "صباح" التي تمتلك مطعمًا صغيرًا بجوار بيتها، التي حاولت في كل مشاهدها أن تكون منفذًا للبهجة والفرح في حياة عايدة، التي أصبحت لا تبالي بأي شيء حولها، لتستقر في نهاية اليوم داخل جدران بيتها المنظم والمرتب بأسلوب –ربما- يكسب ساكنيه جرعة إضافية من السأم، لم يقطعه سوى مكالمات هاتفية متقطعة لوالدتها للاطمئنان على صحتها.

فقدان الشغف لديها امتد حتى في اختياراتها لملابسها؛ في أول يوم تقلدت فيه منصبًا جديدًا، ظلت أمام مرآتها تحاول تغيير نمط ثيابها، أو ارتداء قرطٍ يُضيف لوجهها لمسة مشرقة، لكنها تراجعت في اللحظات الأخيرة وارتدت ملابسها المعتادة بلا أي تغيير.
في عملها الروائي الثاني (كأن لم تكن) لم تستخدم المخرجة سارة عبيدي الكاميرا في حركات دائرية أو "كرين"، ولم تستخدم قطعات في المشهد الواحد، تظل عدسة الكاميرا مثبتة في نفس مكانها، لنتابع مع عايدة لحظات استيقاظها بعد أن تطفئ الجرس الذي أيقظها، أو معها في المكتب وهي ترتب تفاصيله وتُلقي ما لا يلزمها، وضعية الكاميرا تظل ثابتة في غالبية المشاهد، الإضاءة لا تبدو قوية حتى في أوقات الصباح.

يُحسب للمخرجة أن هذه هي التجربة الأولى لكل الممثلين؛ زينب المالكي ونور الهاجري ومحمد يحيى الجزيري ويسر قلعي وفاطمة الفالحي وسندس بلحسن.
فيلم ممتع ومختلف استطاع أن يُجسد لحظات الملل والروتين التي يعيشها أبطاله في كل كادراته.