ضياء عبد الخالق.. طاقة فنية تفرض نفسها مهما ضاق الدور

مينا محب

كلما ظهر ضياء عبد الخالق على الشاشة، يزداد الفضول حول مكانته في الوسط الفني: لماذا يبقى هذا الممثل، الذي يمتلك حضورًا واضحًا في معظم أدواره، بعيدًا عن بؤرة اهتمام المخرجين وصنّاع الدراما؟ ولماذا لا نراه في المهرجانات الكبرى رغم تاريخه الطويل وإسهاماته المؤثرة؟

هذه الأسئلة لا تأتي من فراغ، خصوصًا بعدما عبّر بنفسه في أكثر من مناسبة عن عدم فهمه لأسباب هذا التجاهل، رغم أن أعماله حاضرة في ذاكرة المشاهد المصري، عند النظر إلى مسيرته نجد ممثلًا أقرب إلى فكرة "رجل الظل" في الدراما المصرية ، ذلك العنصر الخفي الذي يمنح أي عمل يشارك فيه توازنًا فنيًا وتكاملاً للعناصر الفنية.

فهو نموذج للفنان الشامل الموهوب، لا يقتصر تميّزه على امتلاكه موهبة تمثيلية استثنائية فحسب، بل يجمع بين الحضور الطاغي والطاقة المتدفقة، إضافةً إلى قدرات فنية عالية تؤهله للوقوف جنبًا إلى جنب مع كبار النجوم في العالم.

وعندما نستعرض سيرة ضياء عبد الخالق، أو نعود إلى أرشيفه الفني، يظهر مسارًا طويلًا تشكّل تدريجيًا. وُلد في 13 يونيو 1965، وتخرّج في كلية التربية قبل أن يلتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية. بدأ بأدوار صغيرة في أفلام مثل هيستيريا ورسالة إلى الوالي وهاللو أمريكا. ولكن الانطلاقة الأبرز جاءت في أوائل الألفينات، وتحديدًا مع فيلم أمير الظلام عام 2002، الذي مثّل محطة فارقة في مسيرته الفنية، إذ لم يقتصر أدائه على الحضور البصري فحسب، بل امتد ليجسّد شرًا إنسانيًا نابضًا بالحياة. ونلحظ بوضوح أن بنيته الجسمانية المتناسقة منحت الشخصية ثِقَلًا إضافيًا، مما جعل المشاهد أمام تجسيد واقعي للشر لا يخلو من العمق والتأثير.

وبما أن ملامحه تجمع بين الحدة والمرونة في الوقت نفسه فقد منحته هذه الثنائية قدرةً على التنقّل بين الانفعالات المختلفة، مما جعله قادرًا على إقناع المشاهد في أدواره المتنوعة. وقد برزت هذه الميزة بوضوح في فيلم تيتو عام 2004، حين قدّم دور القاتل باحترافية ودقة لافتة، مستخدمًا لغة جسده ونظراته الصارمة لتجسيد قسوة الشخصية دون افتعال، وهو ما أضفى على الدور صدقًا وواقعية شديدة.

أما في كباريه (2008)، في شخصية الإرهابي، تظهر طريقة ضياء في بناء الشر بهدوء..ببرود خالٍ من الصخب،متشحًا بالخبث الماكر، ليحوّل لحظة التفجير إلى مشهد خانق يرسخ في ذاكرة المشاهد كعلامة فارقة على قدرته في تجسيد الشر بأقصى درجاته.

عندما نعود إلى المسرح، تبرز مشاركته في ألف ليلة وليلة عام 2015، حيث جسّد في دور الوزير صورة صلبة للسلطة القاسية بملامح غليظة وأداء مشحون بالدهاء، فكان حضوره علامة فارقة عمّقت البنية الدرامية للمسرحية، ثم توالت النجاحات في عدة أعمال بعد ذلك.

في عام 2020 عاد ليتألق على الشاشة في مسلسل الأختيار (الجزء الأول)، حيث قدّم شخصية أبو عبد الله بحضور طاغٍ وإيقاع داخلي دقيق، فحوّلها من مجرد دور إرهابي تقليدي إلى شخصية تحمل ثِقَلًا ووقعًا مخيفًا على المتلقي. إذ جعل المشاهد يكرهه حدّ النفور، ويقتنع في الوقت نفسه بصدق تقمّصه، ليقدّم نموذجًا نادرًا في تجسيد الشر على الشاشة.

أما في جزيرة غمام (2022)، قدّم شخصية الريس غاشي، كبير مطاريد ، بحضور طاغٍ رغم قلة ظهوره. جسّد مزيجًا بارعًا بين الخشونة والهيبة، وأظهر في بعض اللحظات جانبًا إنسانيًا يضفي حنانًا خفيًا على قسوته. وكان اختباره لإيمان الشيخ عرفات لحظة مفصلية أبرزت الشخصية وكان لها أثرًا دراميًا لافتًا.

وكان ضياء مفاجأة حقيقية في مسلسل قهوة المحطة (2025)،عندما قدّم ضياء شخصية "خليفة" بملامح وأداء غير مسبوق، كان هذا الدور بمثابة عودة قوية أعادت تقديمه للجمهور بشكل مختلف، إذ أدهش الجمهور بقدرة استثنائية على تجسيد الشخصية عبر أدق التفاصيل الحركية والإيماءات، ما منحه حضورًا طاغيًا على الشاشة،وأثبت أنه كنز مدفون لم يُكتشف بعد وموهبة فذة لم تُمنح بعد التقدير الذي تستحقه.

كما استثمر ضياء وضوح مخارج ألفاظه وأداءه الصوتي المتنوع في دبلجة أعمال الأطفال، فبرع في أفلام ديزني مثل حكاية لعبة ومولان، وجسّد صوت "سلطح" في سبونج بوب، ليؤكد أنه يمتلك طاقة صوتية استثنائية التأثير، ويكرّس نفسه كأحد أكثر الأصوات تميزًا في هذا المجال.

ظل ضياء عبد الخالق بعيدًا عن الأضواء رغم خبرته الطويلة وقدراته المتنوعة، وهذا لا يقلل من قيمته الفنية، بل يبرز الحاجة لإتاحة الفرصة للفنانين الذين يمتلكون عمقًا وتميزًا في الأداء. مساحته على الشاشة والنص المناسب يمكن أن يحولاه من ممثل داعم مميز إلى نجم صف أول، مع إبراز إمكاناته في تقديم أدوار معقدة ومتنوعة. إدراك هذه الإمكانيات ليس مجرد تقدير لموهبته، بل خطوة لتعزيز جودة الدراما والسينما من خلال تقديم أداء متقن ومتعدد الأبعاد للجمهور.

نرشح لك: تعرف على قائمة الأفلام المشاركة في مسابقة "أسبوع النقاد" بمهرجان القاهرة في دورته الـ46