محمد عبد الرحمن
قرابة 10 شهور مرت على التغيير الذي رحب به كثيرون في رئاسة الهيئة الوطنية للإعلام، أو "ماسبيرو" كما يطلق عليه ملايين المصريين والعرب.
تغيير انتظر الغالبية بعده استفاقة المبنى العريق من حالة "الموت السريري" التي يعلم الجميع أسبابها فيما الحلول تحتاج إلى "معجزة حرفيا" لأن القصة لم تعد في سداد الديون والتخلص من العمالة الزائدة ودمج القنوات التلفزيونية والمحطات الإذاعية التي فقدت مبرر وجودها، بل المعجزة الحقة في اقناع الأجيال الجديدة من المصريين بالعودة لشاشات ماسبيرو مجددا، في وقت انصرفت فيه الأجيال الأقدم التي تربت على شاشاته عن المتابعة لأسباب لا تخفى على أحد، اللهم إلا ساعات محددة ربما في القناة الأولى أو عبر راديو مصر التي نجت بمساعدات خارجية من القبوع في بئر النسيان.
(1)
التغيير نوعان، في الشكل وفي المضمون، والجمع بينهما أساسي لا بديل عنه، يمكن أن تغير المضمون لكن الشكل يمنع الناس من المتابعة، وإذا اكتفيت بالأسهل وهو تغيير الشكل سينكص الجمهور إذا أدرك أنك تخدعه ولم تغير شيئا من جوهر الموضوع.. ولأن عشرة شهور فترة كافية للحكم على تجربة إعلامية جديدة نطرح السؤال الذي يتكلم عنه كثيرون في الوسط الإعلامي، ما الذي تغير بالفعل في ماسبيرو، الشكل أم المضمون أم كلاهما؟ أو بمعنى آخر ما الذي يحدث –بالضبط- في المبنى الكبير؟
(2)
قولا واحدا، لم يتغير شئ ولا حتى القشور !!
زيارة واحدة للمبنى العريق يمكن من خلال "دخول الحمامات" و"ركوب المصاعد" تدرك أن الأمر للأسف لم يتعدى سوى مجموعة من الصور الدعائية، صحيح أننا استبشرنا خيرا بنشاطات عدة جرت في الأسابيع الأولى أهمها تكريم أسرة مسلسل "أم كلثوم"، لكنه كان "شعورا بالحنين" في المقام الأول، توالت بعد ذلك "خيبات الأمل" ...
أخبار عن تأسيس أكاديمية للتدريب باسم ماسبيرو، رغم وجود أكاديمية بالفعل، تأسيس مركز للدراسات وكأن مصر تحتاجه فورا، مجلس استشاري معظم أعضاءه لا يعرفهم الناس، فيما المفارقة غياب أي دور معلن لمجلس إدارة الهيئة الوطنية للإعلام ومن بينهم قامات إعلامية مرموقة يمكن معرفة أسمائهم عبر جوجل..
تلا ذلك الإعلان عن تغيير أسماء ستديوهات المبنى، وهذا أمر لا علاقة له حتى بالشكل، لأن الأسماء كلها من خارج المبنى بل من خارج الميديا، وتوالي الأسئلة، ما علاقة كل ذلك بماسبيرو، ومتي يقدم المبنى العريق برنامجا يوميا يتماس مع هموم الناس بعد وقف توك شو "التاسعة"، ولماذا يشعر المتابعون وكأنه تمت الاستعانة بقائمة برامج 2009 ، حيث نفس الأسماء – مع خالص الإحترام لهم جميعا- فيما المحتوى أم مسجل أو بالتعاون مع قنوات أخرى، حصرية ماسبيرو لم تعد تُهم؟
(3)
قنوات ومحطات ماسبيرو كانت كثيرة قبل عصر الانترنت لتمنح تعددا وتنوعا للجمهور، بالتالي لا يمكن الاعتراض على قرارات الاغلاق والدمج لتوفير النفقات رغم تضرر العاملين بها، غير أن حتى هذه القرارات افتقدت لتوفير البديل، وحتى القناة الإخبارية المهمة والتي شرفت بالعمل بها يوما ما، النيل للأخبار لم نلحظ دعما لها سوى توفير موجة إذاعية بجانب شاشة التلفزيون وهو أمر أصلا يحتاج لمراجعة مهنية لضمان وصول الرسالة بدقة للمستمعين، فليس كل ما يعرض على الشاشة صالح للراديو، ورغم ذلك، أي رغم كل المبذول من أجل توفير النفقات لم نر لهذا التوفير أثر حقيقي على الشاشة أو في الشارع !.
(4)
العكس هو الصحيح، تم الاستغناء عن العديد من الكوادر المميزة بالقناة الأولى تحديدا، ولولا أن المجال لا يسمح، لخصصت مساحة أكبر لتناول أسلوب معاملة لا يليق بالمجموعة المتبقية داخل قناة مصر الأولى، مجموعة من أفضل الكوادر الإعلامية ساهموا في اعادة القناة الأولى للجمهور مجددا خلال خمس سنوات متتالية، وبمجرد انتهاء التعاقد مع الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، لم يفكر أحد في توفير الدعم المالي اللازم لاستمرار البث بنفس المستوى، وكأن ماسبيرو "قبيلة" لا تقبل إلا أبناءها، فيما الأبناء أنفسهم لا يشعرون بأن المستقبل الأفضل مقبل بل كل ما يفكرون فيه هل سيحصلوا على مكأفاة نهاية الخدمة عند سن الستين أم لا؟
لنتخيل إذن حالة الاحباط التي يعيشها كل هؤلاء، الخارجون من القناة الأولى، والباقون من أبناء ماسبيرو، ونتصور كيف يمكنهم في هذه الظروف وهم كل شهر ينتظرون خصومات جديدة من رواتبهم المخصوم منها بالفعل منذ انتهاء مشروع التطوير، كيف يمكنهم متابعة الاستحقاقات البرلمانية، والقضايا الكبرى التي تمر بها البلاد، ودعم الدولة لصد الهجمات المعادية التي لا تخفى على أحد ؟
(5)
كل ما سبق كوم، وما جرى في الأيام الأخيرة كوم آخر، أن يتهم ماسبيرو بأنه يستعين بعناصر مناهضة للدولة، أن تنتشر الشكوك في حصافة ورجاحة قرارات القائمين على المبنى العريق وقدرتهم على استقطاب إعلاميين ومقدمي برامج ومحتوى درامي يناسب الجمهور المصري وفي نفس الوقت لا يثير الجدل والاعتراضات ويقسم الناس بين داعم ومتشكك ويائس من التغيير.
واللافت أن ذلك يحدث رغم أن الإعلامي الكبير أحمد المسلماني هو من تصدى لنقل توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي بخصوص وضع خارطة طريق للإعلام المصري، وهو دور لا نعرف هل قام بها تطوعا أم بتكليف رسمي، لكن ما يثير الدهشة أن كثيرا من التحركات والقرارات ربما تتناقض مع توجيهات الرئيس، بل أن هناك أصوات علت تشكو التهميش والظلم منذ سنوات ومع ذلك لم يلتف لها أحد ولم نراها لاحقا يجلسون على مقعد الاستقبال الوثير في غرفة القيادة بالهيئة الوطنية للإعلام.
(6)
كثيرون قالوا لي بعد مقالي السابق أن لا شئ سيتغير، وقليلون تفاءلوا خيرا بأن الرسالة ستصل، لم استوحش طريق الكتابة مجددا رغم قلة سالكيه، وأؤكد في النهاية أن الهدف هو لفت الانتباه لأن السيارة التي تحاول التحرك بعد جمود طويل ، سارت فعلا لكن في طريق مغاير للمتوقع ومثير للاحباط، ودعت للركوب من احترقوا جماهيريا بسبب مواقف سابقة كان على قائد السيارة أن يراجعها جيدا قبل فتح الباب.
ماسبيرو ليس متحفا لتكريم أم كلثوم ونجيب محفوظ وأحمد زويل، ماسبيرو يحتاج للنهوض سريعا وتقديم ما يريده "جيل زد" الحقيقي وليس الجيل الموجود في تصورات قيادات المبنى العريق.