معتز عبد الرحمن
في رأيي، تعد الخلفية البحثية والأكاديمية للكاتب تحديا فنيا عند إزماعه كتابة رواية لا سيما إن كان موضوع الرواية يحتمل أو ربما يتطلب سرد الكثير من المعلومات المتعلقة بجغرافيا الأحداث وتاريخها، إذ أن تحقيق التوازن بين السرد الروائي وبين السرد المعرفي يتطلب مهارة حقيقية لوضع كل شيء في موضعه الصحيح، والمتابع لأعمال الدكتور عمرو كامل والتي استهلها بكتابين بحثيين من الدرجة الأولى (حصان طروادة) و(الأشرار، لماذا نحب أشرار السينما) من الطبيعي أن يحدوه الفضول عند قراءة رواياته ليرى إلى أي مدى استطاع تحقيق ذلك التوازن.
والحقيقة أنني من خلال متابعتي لأعمال عمرو كامل الروائية (1986)، و(سينماتوغراف) وأخيرا (سفر وادي النسناس)، يمكن أن أجزم أنه لم يحقق ذلك التوازن فحسب بل استطاع توظيف مهاراته البحثية لخدمة العمل الروائي إلى حد كبير، وذلك من خلال قدرته على نقل القارئ إلى جغرافيا وتاريخ الرواية والتي كثيرا ما تكون بعيدة عن جغرافيا وتاريخ القارئ المصري المعاصر، بل وكذلك أغلب القراء العرب، وكذلك في تقديمه جرعة معرفية جيدة من خلال أحداث الرواية نفسها بدون خطابية أو توجيه مباشر، وهذا يفيد جدًّا القارئ سواء في المعرفة العامة، أو في جعل الرواية مفيدة وليست مجرد قصة ممتعة.
في سِفر وادي النسناس، يأخذنا الدكتور عمرو إلى جغرافيا ليست مجرد فقط محببة إلى قلوبنا، ولكنه أيضًا انتقى أكثر جزء غائب فيها عنَّا كعرب ومسلمين، إذ أن معرفة أغلبنا بفلسطين مرتبطة بالأحداث الساخنة؛ حيث تجدنا نعرف أكثر عن مواطن وتواريخ الاشتباكات والأحداث الكبيرة، في حين أن من المساحات الغائبة عنَّا هي حياة عرب الداخل الذين يعيشون ويتعاملون مع الاحتلال بشكل يومي وروتيني، وكيف وإلى أي مدى قد استطاعوا أن يتكيَّفوا أو لم يتكيَّفوا مع الوضع الراهن.
في رواية سِفر وادي النسناس، رغم أني توقعت مع بداية قراءتها أنها ستكون مركزة جدًّا عن أحداث 7 أكتوبر، وأنها ستوجِّه جرعة مكثفة من الخطاب الحماسي، لكن على العكس من ذلك؛ اتسمت الرواية بالواقعية وعدم الاستسهال في تقسيم الشخصيات إلى ملائكة وشياطين، بل اهتمت بإبراز شخصيات متباينة في الواقع الفلسطيني الصهيوني المعقد، وأيضا جوانب متباينة للشخصية الواحدة، ورغم طبيعة مكان وزمان الأحداث، فالرواية لم تنس القارئ من جرعة كبيرة من الإمتاع والغموض، بل ولم تخل من الجانب الماورائي الشيق في بعض أحداثها.
نرشح لك: محمد عبد الرحمن يكتب: بعد توجيهات الرئيس بوضع خارطة طريق.. الإعلام المصري "أين؟" و"إلى أين؟"
لا أقول كان "يجب" أن تطول الرواية أكثر، لأن قصرها لم يخل بالأحداث، ولكن يمكن القول إن الرواية كانت "تستحق" أن تطول أكثر من ذلك، حيث تكون هناك مساحة أوسع من الأحداث يذوب فيها محتواها المعرفي، ومع ذلك، فأرى أنه في الإمكان أن تكون نواة لسلسلة، ليس بالضروري أن تكون سلسلة مبنية على نفس الشخصيات، ولكن سلسلة تهتم بهذه الجغرافيا وبهذا التاريخ الذي لا نعرف عنه الكثير.
لكي أكون أمينًا، فمن سيقرأ الرواية بناء على مراجعتي لها، فلابد أن ينتبه إلى أن الرواية لم تخل من مشهد أو مشهدين يمكن وصفهما بالمشاهد الجريئة أو +18 ، لا أنكر أن الكاتب قام بتوظيفهما بشكل ممتاز يخدم الرواية، لكني كنت أفضل لو كانت اللغة المستخدمة في هذه المشاهد أخف من ذلك، مع إقراري بأنها خفيفة بالأساس.