عادل إمام.. ما الذي يمكن أن تفعله لقطة واحدة لـ"الزعيم"؟

أسماء مندور


في زحام الصور اليومية التي تمر بلا أثر، ظهرت صورة واحدة استطاعت أن تُوقف الزمن لوهلة، وتُخرس الضجيج، وتُعيد ترتيب المشاعر في قلوب الملايين.

لم تكن صورة مشهد سينمائي، ولا لقطة من فيلم، بل كانت لحظة إنسانية صافية، يظهر فيها عادل إمام ـ ببساطة الجد في فرح حفيده ـ لكنها بدت وكأنها صفحة جديدة من رواية عظيمة، تُكتب بلا كلمات.

صورة واحدة فقط، لكنها حملت ما يعجز عنه أرشيف كامل من المشاهد؛ ستة عقود من الفن، والضحك، والصوت الذي رافق الجمهور في البيوت والشوارع والذاكرة.

لقطة تقول كل ما لم يُقال، وتُعيد سؤالًا قديمًا بصيغة جديدة: ما الذي يمكن أن تفعله لقطة واحدة لشخصية بحجم عادل إمام؟

ملامح الزمن في وجه رجل

عادل إمام لم يكن مجرّد فنان، بل كان، لعقود، الواجهة التي عكست تحوّلات المجتمع المصري والعربي، حيث تقاطعت ملامحه مع مراحل متتالية من وعي الجمهور؛ من الفتى المشاغب إلى الشاب الثائر، ومن الرجل الذي يضحكنا بخفة، إلى الفنان الذي يواجه السلطة، تارة بالسخرية وتارة بالتأمل.

واليوم، بعد مسيرة فنية ناهزت ستة عقود، لا حاجة لأي إنجاز جديد كي يثبت شيئًا، لأن ما فعله طوال تلك السنوات لا يمكن تجاوزه أو تكراره، واللقطة التي التُقطت له في لحظة عائلية سعيدة، بدت وكأنها تقول أكثر مما قالته عشرات الحوارات الصحفية أو اللقاءات الإعلامية.

لقد ظهرت التجاعيد بهدوء، وأضاء الشعر الأبيض جانبي رأسه بلا مواربة، بدا جسده أكثر وهنًا، لكن شيئًا من القوة ظلّ ساكنًا في عينيه؛ قوة التراكم، قوة الحضور، وقوة مَن عبر في الحياة أكثر من ثمانين عامًا ولم يهزمه الزمن بتقلباته.

حين يخرج البطل

في السينما، اعتاد الجمهور على عادل إمام في مشاهد النهاية، دائمًا على المسرح، دائمًا في وسط الضوء، لكن هذه المرة، كانت اللقطة واقعية بالكامل، لم تُلتقط داخل "كادر"، بل في مساحة عائلية خاصة. ومع ذلك، تلقاها الجمهور كأنه يشاهد مشهدًا جديدًا من فيلم لم يُعلن عن نهايته بعد.

ربما لأن الجمهور يرفض الاعتراف بأن زمن الزعيم قد أصبح "جزءًا من الماضي"، بل يحب أن يراه حاضرًا، حتى لو في صورة فقط، وربما لأن صورته الأخيرة هذه بدت وكأنها ترد على سؤال: هل انتهت الرحلة؟ وكان الجواب: الرحلة مستمرة، طالما أن هناك من يتذكر.

فالصورة التي تحوّلت إلى خبر على كل منصة وموقع، لم تكن عن الفرح بحد ذاته، بل عن رمزية من كان حاضرًا فيه، وكأن الجمهور، دون أن يدري، كان يبحث عن هذا الظهور ليطمئن أن رمزًا من الرموز لا يزال بخير، وأن الجيل الذي تربّى على صوته وضحكته، لم يغب تمامًا.

عندما تجسد الصورة التاريخ

الصور العائلية في المعتاد لا تغادر الألبومات أو هواتف أفراد الأسرة، لكنها حين تخصّ شخصًا بحجم عادل إمام، تتحول إلى ذاكرة وطنية، لأن حضوره الشخصي ليس شخصيًا بالكامل، بل هو مِلك لجمهور واسع رأى فيه أكثر من فنان.

ذلك ما يجعل الصورة ـ رغم بساطتها الظاهرة ـ غنية بالمعاني، لم يكن فيها ديكور سينمائي، ولا إضاءة محسوبة، ولا عدسة سينمائية باهظة، ولا مونتاج، لكنها مع ذلك حملت كثافة وثِقلًا لا يُضاهى.

من خلالها، رأى البعض وجه فنانهم المفضل بعد غياب، ورأى آخرون وجه والدهم أو جدهم الذي غيّبته الأيام، كان المشهد مشتركًا بشكل مذهل، لأن عادل إمام لم يكن فقط عادل إمام، بل كان جيلًا وتاريخًا بأكمله اختُصر في ملامحه.

ما الذي يمكن أن تفعله لقطة واحدة؟

في حالة عادل إمام فقط، يمكن للقطة واحدة أن تحكي ما لا يحكيه كتاب، يمكنها أن تستعيد حضور فنان لم يظهر منذ سنوات، وتجدد الحديث عنه دون حاجة لأي جملة من فمه.

يمكنها أن تُعيدنا بلحظة إلى منازلنا القديمة، إلى ضحكات كانت تدوي أمام التلفاز، وإلى حكايات سمعناها عن ومن "الزعيم" كأنه أحد أفراد العائلة.


لقطة واحدة لعادل إمام فعلت كل ذلك، لأنها لم تكن مجرد صورة في زفاف، بل كانت لقطة لحياة كاملة، لقطة لزمن فني بدأ منذ الستينات، ولا يزال مستمرًا في الوجدان، حتى وإن غاب جسده عن الشاشة.