إسراء سيف
عقب انتهاء الدورة الحادية عشر من مهرجان "الإسكندرية للفيلم القصير" وبعد مشاهدة العديد من أفلام المهرجان عن كثب، تعلق في ذهني الكثير منها لفترة طويلة، لكن هناك 4 أفلام تحديدًا أحب الحديث عنهم، لما وجدت بهم من عناصر مختلفة وجذابة.
وفيما يلي أستعرض مقومات 4 أفلام جذبت انتباهي في الدورة الـ11 من مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير:
1-أرض الخلود
هو فيلم مصري لفت نظر الجمهور خلال هذه الدورة، خاصة لأنه من أفلام الطلبة بالمهرجان.
واعتمد المخرج في القصة على تيمة دورة الحياة من الحياة للموت ثم ولادة طفل آخر، في حدوتة من 19 دقيقة يحكيها الأب لابنه عن مرض أمه "جدة الابن"، في تماس بين قصة مرض الاثنين، ذلك بين الحكاية من سرير مرض الأم إلى سرير مرض الابن في زمن آخر.
وكان يميل المخرج لأن يصبح الفيلم مثل أفلام "الواقعية السحرية" في ذكر مثلا "الخرافة" لعلاج الأم كالزئبق الأحمر، واستخدامه لرمزية الشجرة كي تخدم فكرة الرمز للآخرة وذنب نبي الله آدم وأكله من الشجرة، وتخدم الفروع الكثيرة الرمز للتكاثر والحياة من بعد المرض والموت.
كما استغل المخرج المساحات الطبيعية كي يصنع صورًا ومبادرات خاطفة لنظر المشاهد، خاصة بالمشاهد النهارية التي صورت في قصة الأم والابن بالماضي.
واستخدم المخرج أيضًا أسلوب الـ"فوتومونتاج" بأخر الفيلم بشكل جيد جعل المشاهد مع الموسيقى صاحبة الإيقاع السريع في حالة من التوتر في انتظار خروج الروح، وكأن الأمر كله من العالم الآخر، ولكن أساء استخدام الموسيقى بشكل متواصل طوال الفيلم وبصوت أعلى من صوت الأبطال.
وعلى صعيد آخر، الربط بين الحياة والموت والمرض وكادرات خروج الروح التي أُخذت من أعلى مع الأداء الجيد لأبطال العمل، خقق عنصرًا هاما بالعمل، وهو عنصر التشويق، وانتهاء الفيلم بولادة مولود جديد إشارة لاستمرارية الحياة رغم المرض، ورغم أنها رمزية متكررة كاستخدام الشجرة، إلا أنها كانت بمحلها.
وكذلك استخدام اللوحات التي تمثل الأرض ورمزية الأرض للتمسك بالحياة كانت جيدة جدا: "أنا من هؤلاء الذين يفضلون إدخال الفن التشكيلي بأشكاله في الرمزيات".
فيمت لم يغفل المخرج عن استخدام الضوء والألوان يشكل ممتاز، مثل لحظات صعود الروح واستخدام الضوء الأبيض كرمزية على رحلة الروح للصعود لعالم مختلف، ولكن كنت أتمنى فقط لو كان الفيلم أقصر من 20 دقيقة تقريبًا، وهو ما كان بخدم الفيلم بشكل مختلف.
في الختام، فيلم "أرض الخلود" رغم ملاحظاتي عليه، إلا أنه يعد من أفضل أفللم الطلبة التي شاهدتها بالسنوات الأخيرة، ويستحق المشاهدة.
2- سينما الأمل
هذا الفيلم من إنتاج هند أبو شيخدم" المنتجة الفلسطينية، ومن إخراج أختها رنا أبو شيخدم، ومدته نحو 11 دقيقة.
عادة ما أُطلق على أفلام الأمل والحديث عن التفاؤل أو الأفلام الرومانسية "الأفلام الناعمة"، خاصة عندما يولد الأمل من رحم المعاناة والحرب، وهنا أخذتنا رنا أبو شيخدم في رحلة مدتها 11 دقيقة مع تاريخ "سينما الأمل" بـ بيت لحم، في الحبيبة فلسطين.
وقد استخدمت المخرجة "أبو شيخدم" وسائل هامة في صناعة الفيلم التسجيلي مثل؛ الوثائق، الصور، وشرائط الصوت لأصوات حقيقية، كما دار الفيلم مع موظف سينما الأمل المهجورة مفيد الحلو.
استخدمت رنا أيضًا مشاهد من أفلام مصرية كلاسيكية وأفلام هندية كي تدخل المشاهد في عالم سنيما الأمل قديمًا، كـ ماكينة السينما القديمة وكراسي السنيما المهجورة وملحقات السينما، كلها أشياء عبرت عن "النوستالجيا" والحنين لسينما الأمل التي يأمل صناع فيلمها أن تتجدد يومًا ما.
كما يوجد تماس بين قصة "سينما الأمل" وحكي مفيد الحلو عن سينمات "بيت لحم" التي هُدمت، وكل السينمات التي هدمت بمدينة الإسكندرية التي عرض فيها الفيلم، فقد تحولت سينمات بفلسطين والاسكندرية كما قال مفيد الحلو إلى كافتيريات، أو مبانٍ، أو مكاتب.
فيما عبرت المخرجة الفلسطينية رنا أبو شيخدم الموهوبة عن السينما المهجورة بتصوير مفيد الحلو وسط الفراغ بقاعة السينما في كادر مميز، كما نهت الفيلم و"الحلو" يقف ويبيع تذاكر لموقف السيارات، بدلأ من بيعه لتذاكر أفلام مهنته الأساسية التي يحبها.
وفي الختام، أوجه تحية واجبة لهند ورنا أبو شيخدم وكل الفلسطنيين الذين شاركوا بالمهرجان وأيضًا صناع هذا العمل الرائع.
3- ميرا
هو أحد الأفلام المميزة بمهرجان الإسكندرية للفيلم القصير، من حيث قصة الفيلم المختلفة وأيضًا الإخراج والتمثيل.
فنحن أمام قصة "ميرا" طبيبة التحاليل التي سافرت للعمل بألمانيا إثر أزمة فيرس "كورونا" لتصطدم بالعنصرية هناك تجاه الغرب والمحجبات تحديدًا.
ونتعرف على "ميرا" في الدقائق الأولى ومخاوفها من المعاملة العنصرية حتى نرى وجها مختلفا من الضغوط التي يمكن أن تقابلها، عندما تنصحها زميلتها المصرية بخلع الحجاب حتى تستطيع الاندماج بالمجتمع الألماني، فنتفاجأ بأن الضغط للتنازل عن مبادئها ومعتقدها الديني في الحجاب يأتي أيضًا من زميلة مصرية ولو على سبيل النصيحة والمساعدة.
وما يميز الفيلم هو اندماج "ميرا" مع ألمانية تتعرف عليها لأول مرة في ملهى ليلي للسهر، ومن هنا يبدأ الحدث الرئيسي في التصاعد بصداقة قوية تتطور لسبب واحد؛ وهو قبول كل منهما للآخر كما هو رغم غرابة حياتهما وغرابتهما للناس، حيث صديقتها الألمانية تعاني من مشاكل عائلية وعظم تقبل الآخرين لها أيضًا.
وينتهي الفيلم بعد الحدث المفجر للأحداث وهو انهيار "ميرا" وثورتها بالعمل ضد العنصرية ومواجهة الموقف بالاستقالة، وبعدما كانت تتخفى في خوذة دراجة نارية من أجل اخفاء الحجاب وعدم التعرض للمشكلات، تخلع صديقتها خوذتها بعد وصلة من الرقص الحر بالملهى الليلي، لينتهي الفيلم برسالة بضرورة تحرر الإنسان من القيود بمواهبه المفضلة مع الإصرار أن يحتفظ بمبادئه الخاصة وعلى العالم أن يواجه هذا الأمر.
وعلى مستوى التمثيل كان تمثيل أبطال العمل جيد جدا، ولم يلعب المخرج على المبالغة مثلما يفعل مخرجون آخرين عندما يتطرقوا لمثل هذه القضايا، كما يعد "ميرا" من الأفلام النادرة التي تعرضت لفكرة الحجاب بالخارج بشكل مختلف.
وبـ "ميرا" تناظرات وألوان لا تنسى، خاصة بالملهى الليلي وألوانه، وتماس حياة الظلام مع حياة الفتاتين اللاتي لا يتقبلهن أحد بالنهار، فيلجأون للرقص ليلا للتحرر من الطاقة السلبية وممارسة فن يفضلونها.
وفي الختام، أرى أن فيلم "ميرا" للمخرج أحمد سمير والذي كان مدته ربع ساعة وهو من أمتع أفلام المهرجان.
4- نحن بحاجة لمساعدة كونية
ست دقائق تحرك المشاعر بين زوجين متخانقين وقصة حب بسيطة وموسيقى عود شرقية، والمخرجة أمل غملوش، زوايا تصوير هايلة اللقطات حميمية ناعمة بالصدفة حتى يتصالح الشريكان.
فيلم "على الوتر الحساس" من الأفلام الناعمة بفكرة بسيطة وذكية للغاية، فيلم رومانسي دون حوار، وأنا أميل لهذه النوعية من الأفلام التي تجذب المشاهد بالصورة.. 6 دقائق من المتعة عن موقف بين زوجين تشاجرا وبعد الشجار يطاردون ناموسة تؤرق منامهم.
تتسبب مطاردة الناموسة في مواقف حميمية بين الزوجين واقترابهما من بعض دون تخطيط، ومواقف كوميدية ظريفة أيضا مع استخدام موسيقى مناسبة للموقف وصوت الناموسة الطائرة.
الفيلم من نوعية أفلام الموقف والمكان الواحد، حيث صور بالكامل بغرفة نوم للزوجين، وبلقطات سريعة لمطاردة الناموسة استطاع المخرج خلق كادرات مميزة حتى تصالحا، وخرجت الناموسة من النافذة في إشارة لقصة جديدة تحت جملة انتهى بالفيلم ذكية ومناسبة وهي "نحن بحاجة لمساعدة كونية" وهو عنوان الفيلم للمخرج عماد "أحمد عماد خليفة"