أحدثهم جورج كلوني.. نجوم هوليوود يخرجون عن النص السياسي

دائمًا ما يصف الفلاسفة العالم بأنه عبارة عن "مسرح كبير"، في حين يربط المثقفون بين التمثيل وفن القيادة السياسية، مشيرين إلى أن القادة السياسيين يشتركون مع الممثلين في تطوير مهارات لكسب الجماهير، وأن السياسة مليئة بالأحداث التي يتم إدارتها على خشبة المسرح، حيث يتعلم القادة السياسيون والجهات الفاعلة قراءة جماهيرهم والتواصل معهم.

على الجانب الآخر، يصف المؤرخون فن إدارة الدولة بأنه يشتمل على أكثر من مجرد فن مسرحي صغير، مؤكدين على ضرورة معرفة الحاكم بالمطالب الدرامية والمسرحية للقيادة الوطنية، وفقًا لوصفهم، وهو ما يبرز العلاقة الوثيقة بين نجوم الفن والقادة السياسيين على مر العصور، لكن ماذا يحدث إذا تغيرت الوجهة والهدف واختلفت آراء كل منهما عن الآخر؟

"جنون" جورج كلوني

أحدث تصعيد في هذا الصدد طالت توابعه الممثل والمخرج الأمريكي جورج كلوني الذي واجه هجومًا عنيفًا من الكرملين والقادة السياسيين في روسيا الذين انتقدوا مؤسسته "كلوني للعدالة" التي أنشأها مع زوجته المحامية من أصول لبنانية أمل علم الدين، ووصفوها بـ "الجنون" بسبب مقترح قانون لاعتقال صحفيين روس، إذ تحث المؤسسة دول الاتحاد الأوروبي أن تشرع في محاكمة الصحفيين الروس بتهمة "الدعاية الحربية" إذا قدموا تغطية مؤيدة لروسيا بشأن أحداث أوكرانيا وهم خارج وطنهم.

فكرة قيام مؤسسة كلوني من أجل العدالة بملاحقة الصحفيين الروس أثناء وجودهم خارج البلاد، دفعت المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إلى وصف أعضاء المنظمة بـ "المجانين"، وقال لوكالة الأنباء الروسية Tass ردًا على سؤال حول رأي الكرملين في الاقتراح: "أقترح أن يسأل الصحفيون الروس هؤلاء المجانين عن الأسباب".

لم يتوقف الهجوم عند هذا الحد، وإنما دخل نائب رئيس الأمن الروسي ديمتري ميدفيديف في تراشق حاد، ليس مع مؤسسة كلوني فحسب، وإنما ضد جورج كلوني نفسه، عندما وصف الأخير بـ "الممثل المتواضع"، وفقًا لمنشور عبر منصة X، ذكر فيه أن النجم السينمائي يريد "استخدام مؤسسته لمطاردة الصحفيين الروس في جميع أنحاء العالم واضطهادهم"، لكن وفقاً لـ ميدفيديف، لن يتمكن كلوني من القيام بذلك لأنهم "سيجدونه أولاً".


روبرت دي نيرو "الصغير عقليًا"

منذ أيام تصدر النجم العالمي روبرت دي نيرو عناوين الأخبار حول العالم بعد مشاركته في مؤتمر صحفي نظمته حملة الرئيس الأمريكي جو بايدن خارج محكمة مانهاتن بنيويورك، حيث جرت المرافعات الختامية في محاكمة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في عدة تهم تتعلق بالفساد المالي، إذ دخل دي نيرو في سجال مع أحد مؤيدي الرئيس السابق، واصفًا إياهم بـ "الخونة ورجال العصابات"، في حين وصف ترامب نفسه بأنه "لا يريد تدمير المدينة فحسب، وإنما يريد تدمير البلاد بأكملها"، على حسب تعبيره.

لم يدخر الرئيس الأمريكي السابق جهدًا في الرد على نجم هوليوود المخضرم، إذ نعته ترامب في منشور عبر منصته Truth Social أنه "صغير عقليًا وجسديًا"، و"مجنون" يعاني من "حالة غير قابلة للشفاء من متلازمة اضطراب ترامب"، كما وصفها، مدعيًا أن الأفلام والأعمال الفنية للممثل الحاصل على جائزتي أوسكار قد انخفضت قيمتها كثيرًا منذ اختراقه الساحة السياسية" بناءً على طلب بايدن. وفي إشارة إلى صراع دي نيرو مع أنصار ترامب خارج قاعة المحكمة، ادعى ترامب أنه قوبل بقوة أكبر بكثير من اليسار الراديكالي.


"جحود" تايلور سويفت

في الواقع، لم يكن هجوم ترامب على دي نيرو مفاجئًا على الإطلاق، نظرًا لما يشتهر به الرئيس الأمريكي السابق من تصرفات غريبة وغير مألوفة على مدار سنوات ظهوره الإعلامي ودخوله معترك السياسة، إذ شنّ كذلك هجومًا على المغنية الأمريكية تايلور سويفت في مطلع العام الجاري، ناسبًا الفضل لنفسه في "ثروتها الكبيرة"، ووصف التأييد المحتمل لمنافسه جو بايدن بأنه "جحود للشخص الذي ساعدها على كسب الكثير من المال"، كما انتقص من نجوميتها وشهرتها في مناسبة أخرى، واصفًا نفسه بأنه "أكثر شعبية منها".

ومنذ ترشحه لرئاسة الولايات المتحدة، لطالما نال ترامب انتقادات من مشاهير الفن والسينما في أمريكا، أبرزهم جيمي كيميل، ميريل ستريب، جورج كلوني، ليدي جاجا، مايلي سايرس، مادونا، جينيفر لورانس، ريتشارد جير، وحتى توم هانكس، ما يدفعه للرد والتعليق كلما كانت الفرصة مواتية لذلك.


"جهل" أنجلينا جولي

جميلة هوليوود أنجلينا جولي نالت أيضًا قدرًا لا بأس به من غضب القادة السياسيين عندما انتقدها الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتزوغ بعد إدانتها الهجوم الإسرائيلي على غزة الذي بدأت وتيرته منذ السابع من أكتوبر من العام الماضي، إذ اتهمت جولي، التي مثلت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين على مدار سنوات عديدة، إسرائيل بانتهاك القانون الدولي من خلال "القصف المتعمد للأطفال والنساء والأسر المحرومة من الغذاء والدواء والمساعدات الإنسانية".

ودعت إلى وقف إطلاق النار، منوهةً إلى تواطؤ زعماء العالم في "جرائم حرب"، ووصفت غزة بأنها "سجن مفتوح" منذ ما يقرب من عقدين من الزمن، وهو ما أغضب هرتزوغ الذي وصفها بـ "عدم منح الشعب الإسرائيلي أي قدرة على الدفاع عن نفسه"، وقال في مقابلة أجراها مع بيرس مورغان، إن جولي لم تزر غزة قط، وتجهل طبيعة الأحداث والأوضاع هناك، مدعيًا عدم وجود أزمة إنسانية.


أوباما وتوبيخ المشاهير

حتى الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، المعروف بشكل عام بالتحفظ في خطاباته وتصريحاته لعدم إثارة جدل أو عداء، فقد انتقد بشكل واضح المشاهير علنًا في عام 2022، بتهمة "خلق مناخ خطير" من خلال نشر تعليقات معادية للسامية على وسائل التواصل الاجتماعي، وهي التعليقات التي استنبط منها الجمهور بأنها تشير إلى الجدل الدائر آنذاك حول مغني الراب كاني ويست ونجم دوري كرة السلة الأمريكي للمحترفين كيري إيرفينغ.

وقال أوباما، بحسب ما نقلته الإندبندنت، إنه أيًا كانت الدوافع وراء تلك التعليقات، فهي غير مقبولة في مجتمعه، مختتمًا حديثه قائلًا: "ليس عليك أن تكون طالبًا في قسم التاريخ حتى تفهم مدى خطورة ذلك، ومدى عدم قبوله".

ممثل الإبادة الجماعية

في سياق الأوضاع السياسية المتوترة في العالم، فقد انتقدت وزارة الخارجية الأوكرانية مطلع العام الحالي شبكة البث HBO لاختيارها الممثل الصربي ميلوش بيكوفيتش Miloš Biković للمشاركة في الموسم الثالث من مسلسل "The White Lotus" الحائز على جائزة إيمي والمزمع عرضه في عام 2025، مشيرةً إلى دوافع انتقاداتها لدعمه وتأييده لروسيا منذ بداية غزوها لأوكرانيا، وهو ما أشارت إليه الوزارة عبر حسابها بمنصة X بأن شبكة HBO تعمل مع ممثل يدعم الإبادة الجماعية وينتهك القانون الدولي، على حد تعبيرها.

تأكيدًا لموقفها، فقد نشرت الوزارة أيضًا صورة لبيكوفيتش على إنستجرام تتهمه فيها بأنه "مؤيد للإبادة الجماعية"، وفقًا لمجلة تايم الأمريكية، في حين ذكرت وكالة فرانس برس أن أوكرانيا سبق لها أن منعت بيكوفيتش من دخول البلاد عام 2019 لأسباب تتعلق بالأمن القومي، وجاء هذا القرار بعد عام من حصوله على وسام بوشكين، إحدى أهم الجوائز الثقافية في روسيا، من قِبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

ماكرون في سياق آخر

في منحى مختلف، فقد اتخذ رئيس فرنسا إيمانويل ماكرون سياقًا آخر عندما دافع عن الممثل الفرنسي جيرارد ديبارديو الذي أثار عاصفة من الجدل بشأن مزاعم الاعتداء الجنسي بعد فيلم وثائقي أظهره بتصرفات غير لائقة، إذ فاجأ ماكرون المؤسسة السياسية في بلاده عندما خرج في مقابلة إعلامية لدعم ديبارديو مشيدًا بـ "عبقريته"، وإسهاماته في صناعة الأفلام الفرنسية، وأدان الانتقادات الموجهة ضده قائلًا: "أنا معجب كثيرًا بـ جيرار ديبارديو، إنه فخر لفرنسا".

لم تمر تعليقات ماكرون بالطبع مرور الكرام، وإنما أشعلت، بحسب موقع Politico، حربًا ثقافية في فرنسا أدت إلى انقسام عالم صناعة الترفيه هناك حول كيفية التعامل مع التهم الموجهّة ضد المشاهير وذوي السلطة، كما أبرزت مواقف الزعماء الغربيين الآخرين مع التهم الأخلاقية الحساسة؛ فرئيس الوزراء الإسباني مثلًا كان صريحًا في مكافحة التمييز والعنف الجنسي، سواء في كرة القدم أو في الاختلافات التشريعية، بينما أعرب ريشي سوناك، رئيس وزراء المملكة المتحدة، عن قلقه بشأن تلك الادعاءات في صناعة الإعلام أو الأحزاب السياسية.