محمود الشيخ مخرج "ماي ورد": نسعى لعالمية السينما البحرينية عبر "المحلية" ولم نتوقع ضحكات الجمهور

حوار : محمد عبد الرحمن

لم يسعدني الحظ لمشاهدة فيلم سينمائي بحريني طويل من قبل، بالتالي لم يكن بالإمكان اهدار الفرصة التي وفرها مهرجان الأفلام السعودية في دورته العاشرة بالظهران، حيث كان من بين عروض أفلامه الطويل شريط "ماي ورد" للمخرج والمنتج محمود الشيخ .

الفيلم الذي يدور في "منزل" أسرة بحرينية متوسطة الحال، حيث الجدة "ورد" ترعى أولادها بعد وفاة الأب، وتحلم في الوقت ذاته بأن تبدأ حياة جديدة مع حبيب قديم، وسط هذا الصراع يكشف صناع الفيلم عن دواخل المجتمع البحريني التي لا نراها عادة في نشرات الأخبار، مجتمع يتميز بالتنوع والثراء ويشارك المجتمعات العربية مشكلاتنا المجتمعية حيث الحب المأزوم بسبب مرض الإبنة، والابن المعتقل لأسباب سياسية، والأخ الأكبر المصمم على وراثة مهنة أبيه الداعية الدينية رغم انعدام الموهبة، وكل ذلك بأداء تمثيلي مميز من الأبطال مريم زيمان، جمعان الرويعي، يحيى عبد الرسول، دانة آل سالم، حسين عبد علي، ريم ونوس، والطفلة زهرة سلطان.


تميز الفيلم بصدقة الطرح، وسلاسة الحوار، وتناقضات المواقف التي أثارت ضحك الجمهور رغم عدم تصنيفه بالكوميدي، لكن لم يخل الأمر من بعض الانتقادات والملاحظات الفنية طرحناها في هذا الحوار مع محمود الشيخ.


• كيف بدأت لديك فكرة الفيلم؟ وهل تتداخل القصة مع وقائع حدثت بالفعل؟

- دائمًا في مجالنا نسمع ونبحث ونقرأ ونشاهد العديد من القصص الواقعية حولنا، علاوةً على الروايات التي نقرأها، ودومًا نحاول أن نستمد قصصنا من المجتمع ومحليتنا، فكان أمامنا مجموعة من القصص اخترت منها قصة المرأة التي تُناضل من أجل زواجها.

- كتبت النسخة الأولى من السيناريو على هيئة فيلم قصير، ومن ثم عرضتها على شريكي في الكتابة وفي تنفيذ وإنتاج العمل محمد عتيق، وأُعجب بكثيرًا بالكتابة الأولية.

- عرضت على "عتيق" فكرة تحويل هذا السيناريو إلى فيلم روائي طويل ووافقني الرأي، وبدأنا بعدها الكتابة والعمل على نسخ الفيلم التي وصلت إلى 11 نسخة.

- أجزاء كبيرة من القصص الموجودة في الفيلم كانت من قصص واقعية تلقيناها من رواة أو قرأناها في الأخبار أو من مصادر أخرى.

• يدور الفيلم حول أسرة بحرينية بسيطة للغاية لكنه يقول الكثير عن حالة المجتمع البحريني التي ربما لا يعرفها المتفرج العربي.. كيف حققت هذه المعادلة؟

- نؤمن دائمًا أنا ومحمد عتيق بأن الإنطلاق من قصصنا المحلية هو ما سيجعلنا نصل بأصواتنا وأفلامنا وإنتاجتنا إلى أبعد مدى وإلى المتفرج العربي والعالمي أيضًا، فنحن نحرص على اختيار القصص التي تُمثل هويتنا وثقافتنا ولهجتنا وملابسنا وكل الطقوس الموجودة في المجتمع، إلى جانب تقديم قصة إنسانية يصل تأثيرها إلى أبعد مدى، إلى جمهور مختلف عن مجتماعاتنا.

- نحن كشعوب عربية مختلفة نتقاسم العديد من العادات والثفافات، لكننا مختلفين تمامًا عن شعوب أمريكا اللاتينية والشمالية وشرق آسيا، لذلك حرصنا على اختيار قصة إنسانية ومعالجتها وروايتها من محلياتنا بكل تفاصيلها لنتمكن من الوصول بهذه الثقافة إلى أبعد نقطة مُمكنة وإلى أبعد متفرج ليتعرف على الثقافة البحرينية وهويتنا وقصصنا وحياة الناس في مملكة البحرين.

يوجد انتقادًا للسيناريو بأنه لم يُكمل الخط الرئيس وهو زواج الأم، ولم نعرف لماذا فشل الزواج، والضوء الأكبر كان على أزمات الأبناء المختلفة، كيف ترد على هذا النقد؟

- أي انتقاد موجه للفيلم سواء كان بالسلب أو بالإيجاب، فنحن نستفيد منه ومن كافة الآراء التي نتلقاها من الجمهور العادي أو من المتخصصين.

- خططنا لسرد قصتنا بناءً على الجدة الأرملة التي تزوجت من جديد، وتسير الأحداث في اتجاه تأثير قرارها هذا على الأبناء والأسرة التي تعيش معها في نفس المنزل، فهذا كان الركيزة الأولى والهدف الأول في طريقة السرد.

- جزء من الجمهور أحب هذه القصة وجزء آخر تمنى أن يسير السرد في طريق مختلف، وفي النهاية هي مجموعة من الآراء المختلفة التي نستفيد منها خلال تجربتنا في هذا الفيلم الروائي الطويل.

• الأمر أيضًا ينطبق على اسم الفيلم، الذي كان يمكن أن يكون أقرب للمحتوى لو كان مثلًا "أبناء ورد" كيف ترى ذلك؟

- بالنسبة لنا اسم الفيلم كان اختيار دقيق جدا ويحمل أبعاد رمزية، وكذلك هو اسم محلي يُمكن أن أختص به البحرين ودول الخليج بشكل عام، فماء الورد هو الماء الذي يُصنع من الورد ويُستخدم لدينا في لحظات الفرح والحزن أيضًا.

- جميع من شاهد الفيلم لاحظ وجود هذه اللحظات، ولاحظ كذلك تأثيره واستخداماته في هذه المواقف، فكان بالنسبة لنا اسم ملفت للنظر ومحلي ويحمل رمزية كبيرة، وحسب رأينا كان اختيار موفق للغاية.

• البعض يمكن أن يعتبر تصوير الفيلم بأكمله في موقع تصوير واحد هدفه الحد من التكلفة، هل كان ذلك مطروحًا أم أن الاسباب فنية؟

- تنفيذ هذا الفيلم كان تحدي كبير لصناعه، ورأينا العديد من صُناع الأفلام خاضوا مثل هذه التجارب على مستوى العالم، وللأسف نحن في بلد لا يوجد بها صناعة أفلام، وأغلب الإنتاجات في البحرين شخصية، مما يجعلك تكتب السيناريو بما يتناسب مع الميزانية المرصودة.

- كتبنا الفيلم بطريقة ذكية جعلتنا نروي قصتنا بما لدينا من قدرة إنتاجية وبالفعل نجحنا في هذا، ونحاول الآن نحن والمجموعة التي نعمل معها، تأسيس سينما بحرينية جديدة واقعية تروي قصص محلية بإمكانات ولو كانت بسيطة إلا أنها تستطيع الوصول لكل دول العالم.

ألم تخشي من ملل الجمهور الذي يُشاهد نفس الممثلين 85 دقيقة في نفس موقع التصوير؟

- كان لدينا العديد من المخاوف حول صناعة فيلم روائي طويل، وبالتأكيد الموقع الواحد كان من ضمن هذا المخاوف، ولكننا خططنا كثيرًا لسرد القصة وأحداثها وتطورها وتفاعلات الشخصيات مع بعضها البعض.

- قمنا بعمل الكثير من البروفات لمدة سنة ونصف تقريبًا مع طاقم التمثيل بأكمله لكي يُصبح تمثيلهم طبيعي، وليتمكن الممثل المُعتاد على المسرح الخروج من هذه العباءة، وكذلك الممثل المُعتاد على التلفزيون ليحدُث تقارب بينهم جميعًا ويخرج أداؤهم بالشكل السينمائي والطبيعي المطلوب.

- تلقينا الكثير من الإشادات أغلبها كانت على أداء الممثلين، خاصةً من الجمهور الذي أعتاد رؤيتهم في أعمال سابقة، فأداء الجميع ظهر بشكل مختلف وطبيعي، ووفقنا في ذلك الحمد لله.

- الخوف من الملل ليس مرتبطًا فقط بالممثلين، ولكن كذلك بالقصة نفسها، ولكن في العروض الجماهيرية التي تم عرضها حتى الآن في المهرجانات الـ3 التي شارك بهم الفيلم كانت ردود الفعل مُرضية للغاية بالنسبة لنا وكنا نحقق جوائز من آراء الناس.

• مع تكرار ضحكات الجمهور خلال العرض في الظهران، هل نُصنف الفيلم بأنه اجتماعي كوميدي؟ أم كيف يُصنفه المخرج ؟

- نحن نُصنف الفيلم كونه دراما اجتماعية، ولكننا فوجئنا بضحكات الجمهور في صالة العرض، فلم يكن مُخطط أن العمل يحمل هذا الكم من الكوميديا خاصةً أن الحوارات غير مكتوبة بشكل كوميدي نهائيًا، ولكن المواقف التمثيلية بين الشخصيات استفزت المشاهدين وجعلتهم يستمتعون بهذه اللحظات، وكانت ضحكاتهم مسموعة ومفاجئة بالنسبة لنا.

- تعجبنا من بعض الأماكن والمواقف التي ضحك فيها الجمهور لأنه كان من المفترض أن تكون الدراما هي الطاغية لكن الضحك كان متواجد، وأيضا في الأماكن الدرامية الشديدة شاهدنا الصمت والتأثر والحزن، وهذا دليل على اندماج الجمهور مع القصة، وكانت العروض أيضًا كاملة العدد وهذا نجاح كبير بالنسبة لنا ومصدر سعادة.

• هل جميع الممثلين من البحرين؟ واذا كانت هذه المواهب التمثيلية متاحة لماذا لا تتعدد الإنتاجات السينمائية في البحرين؟

- فريق التمثيل جميعا بحريني، ما عدا ريم ونوس من سوريا، وجميع الشخصيات أدت أدوارها بإتقان وحرفية عالية، مما ساعدنا في سرد قصتنا بكل نجاح.

- نأمل في المستقبل أن يكون هناك توجه إلى زيادة الإنتاج، ونحن بدورنا مستمرين في هذه المسيرة وسنواصل إنتاج الأفلام الروائية الطويلة بشكل مستمر، فيُمكن أن نكون سببًا في أن العجلة تدور ونواصل في صناعة وتقديم أفلام متنوعة وكبيرة، تروي قصص بحرينية أصيلة تُمثل مجتمعنا.

• الابن الأكبر بدا قريب السن من الأم، ألا ترى ذلك مُربكا للمُشاهد؟ أم يعكس أن الأم تزوجت في سن مُبكر؟

- بالطبع ظاهرة الزواج المُبكر للفتيات موجودة ومنتشرة في المجتمعات العربية، وبعض المجتمعات ما زالت تُعاني منها والأخرى تخلصت منها مع مرور الوقت، فهذا دليل على تقارب عمر الأم مع ابنها الأكبر بحكم كونها تزوجت مُبكرًا.

• تم عرض الفيلم في مهرجان مسقط ومهرجان افلام السعودية.. هل هناك خطة للتوسع عربيًا؟ أم اكتفيت بالفعاليات الخليجية؟

- العرض العالمي الأول للفيلم كان في مهرجان مسقط السينمائي وبعدها مهرجان الخليج الذي أقيم في الرياض وتلاهم أخيرًا مهرجان أفلام السعودية، والآن ننتظر مشاركات عدة في مهرجانات عربية في آسيا وشمال أفريقيا وأوروبا وتوجد عروض مُقبلة في أمريكا أيضًا.

• هل هناك خطوات ملموسة لزيادة الإنتاج السينمائي في البحرين بما يجعل تعبير "فيلم بحريني" ليس استثناءً؟

- نمتلك في البحرين ثروة من العاملين في هذا المجال الفني، فيُمكن القول أننا الدولة الخليجية الوحيدة التي تمتلك طاقم فني متكامل في كل المراكز، من أصغر مهنة إلى أكبر مهنة، من كتاب ومصورين ومخرجين وعاملين في الإضاءة والصوت، فكل هذه الوظائف متوفرة في البحرين ويعمل بها من الجنسين بكفاء عالية، والدليل أن طاقم فيلمنا الفني بالكامل كان من البحرين ولم نحتاج إلى أي عاملين من خارج المملكة.

- نتمنى أن يكون هناك توجه حكومي وقطاع خاص لدعم هذه الصناعة والتركيز عليها وضخ إنتاجات واستثمارات لكي نصنع أفلام أكثر، والفيلم البحريني موجودة بكثرة ومنتشر كفيلم قصير، ولكن في الأفلام الروائية الطويلة نحتاج إلى إنتاج كبرى.

- يُمكن أن يكون فيلمنا حفز مجموعة من الأصدقاء حولنا لتقديم أفلام روائية طويلة، وهذا ما نحتاج إليه، فنأمل أن تجربة "ماي ورد" بالإنتاج الشخصي بالمجهود الذي بُذل، تكون هي التجربة التي حركت المياه الراكدة، وتُشجع الجميع من صناع وجهات حكومية لتحريك الدفة تجاه السينما، لأن السينما تنقل وتعكس ثقافة الشعوب وهي وسيلة مهمة في الترويج للبلدان وثقافاتها.