نرمين جودة تكتب: شادية عبقرية التمثيل

تعتبر الفنانة العظيمة الراحلة شادية حالة فنية فريدة من نوعها، فهي نموذج الفنانة التي نجحت في تقديم قوالب فنية متنوعة مميزة سواء في التمثيل أو الغناء، ونتيجة للتنوع الشديد في أعمالها تجد نفسك أمام معضلة لاختيار نماذج من أعمالها للحديث عنها، فكل عمل قدمته كان له مذاقه الفني الفريد ومدرسته النقدية التي تضيف الكثير للجماليات الفنية.

لقد نشأت الفنانة الراحلة شادية في جو فني تسوده فكرة المؤسسية للصناعة الفنية، فكل فنان في ذلك الوقت كان يقوم بصناعة عمله الفني مع شركاء دربه، بداية من اختيار الفكرة مروراً بشكل القالب الفني وصولاً إلى المنتج النهائي الذي يتلقاه المشاهد. في إحدى لقاءات التليفزيونية قالت الفنانة القديرة الراحلة شادية إنها لا تختار أغانيها من الأغاني الجاهزة، ولكنها تختار أولاً الفريق الذي سيشاركها صناعة الأغنية الجديدة ثم يبحثون معاً عن فكرة جديدة، ثم يترجمها الشاعر في كلمات الأغنية فيبلورها الملحن في قالب غنائي مميز لتشدو بها المبدعة الراحلة شادية.

نرشح لك :مروان خوري: هذا سبب تأخر زواجي

أثناء استماعي لهذا الحوار خطر على بالي أغاني بعينها كانت أولها أغنية أقوى من الزمان، تلك الأغنية التي تأخذ المستمع لعالم حالم رومانسي جميل، ثم توقظك على مشاعر وطنية جياشة ليحترق قلبك على فراق الشهيد الذي فارق حبيبته لتبقى مصر قوية عزيزة أبية مرفوعة الراية.

لقد تنوعت القوالب الغنائية التي قدمتها شادية ما بين العاطفي، كأغنية على عش الحب، وشباكنا ستايره حرير، وإن راح منك يا عين، وتعالى يالا في غمضة عين، واتعودت عليك، أما الشعبي فكان هناك مثلاً مين قالك تسكن في حارتنا، وبسبوسة، وأنا لواحظ، وحبك جننا يا اسمك ايه، والاوبريتات التي شاركت فيها مثل رنة قبقابي، ووطني الأكبر، والجيل الصاعد، وصوت الجماهير، وحود من هنا، ولحن الوفا، والأغاني الوطنية فأشهرها مصر اليوم في عيد، وادخلوها سالمين، وحبيبتي يا مصر، ويا مسافر بورسعيد، ويا ولاد حارتنا دي صفارتنا ضربت أنان، ناهيك عن المنولوج الفكاهي التي اشتركت في غنائه مع نجوم المنولوج أمثال شكوكو وإسماعيل يس مثل إحنا التلاتة، ويا سم يا دم، والله الله يا بدوي، واللي زرعته بإديا، ونو يا جوني نو، والو الو، وقد ساعدتها موهبتها التمثيلية في التحكم في صوتها ليتناسب مع اللون الذي تقدمه.

أما في عالم السينما والدراما، استطاعت شادية أن تقدم تنويعاتها الدرامية المتميزة، فنجدها تجسد حالة الاغتراب عن الذات والضياع في فيلم الطريق، حيث قامت بدور كريمة زوجة صاحب الفندق الذي هو في سن والدها، ولا تشعر تجاهه بأي عاطفة فقط ما يجمعها به هو المال والخوف من الفقر إن تركته، ولتكتمل حالة الاغتراب تتقابل مع صابر الشاب الضائع الذي جاء إلى لقاهرة ليبحث عن والده كطوق للنجاة بعد وفاة أمه، والذي أعتاد أن تصرف عليه أمه أموالها، فتقع كريمة في حبه، وتتفق معه على التخلص من زوجها لترثه وتتزوج من عشيقها، إلا أن النهاية تكون مأساوية. أما في فيلم شئ من الخوف، فقد نجحت في رسم حالة شعورية غاية في التعقيد، حيث نظرة العين التي هى مزيج من الخوف والقوة والحزن والأمل والشجاعة لتعكس شخصية فؤادة بتركيبتها الانفعالية والإنسانية الفريدة التي تبادر بالمواجهة في وسط اجتماعي ملئ بالخوف والقهر والظلم والخشية من مواجهة الظالم عتريس، لتكون هى القوة الدافعة نحو انتصار أهل القرية وتخلصهم من ظلم عتريس وجبروته.

وقد تميزت شادية بالجرأة في اختيار أدوارها، فلا تترد في تجسيد أدوار قد تخشى غيرها من الفنانات القيام بها حتى لا تهتز صورتها عند الجمهور، لكن الثقة المتبادلة بين الفنانة الراحلة شادية وجمهورها أكسبها الشجاعة والقدرة على الإقدام لتقديم أدوارها الجريئة، فتجدها تقوم بدور الفتاة المتمردة على الفقر ومن ثم تقع في براثن الرذيلة للحصول على الأموال في فيلم زقاق المدق، وتلعب دور الأم التي تبيع ابنتها الصغرى من أجل حفنة من المال تنقذ بها باقي أبنائها من الموت جوعاً في فيلم لا تسألني من أنا، ودور نوسة النشالة التي تحاول خطف خطيب الصحفية ليلى التي تعمل على انتشال نوسة من طريق الجريمة ومساعدتها لإيجاد حياة شريفة تحياها نوسة في فيلم المعجزة. ودور نور مومس يتعرف عليها سعيد مهران بعد سلسلة من الجرائم وتقوم بإيوائه في بيتها عند مطاردة الشرطة له في فيلم اللص والكلاب.

الحقيقة، إن الحديث عن أعمال الفنانة العظيمة الراحلة شادية يحتاج مجلدات ليأخذ حقه في التحليل النقدي، ولذلك أخترت نماذج أرى من وجهة نظرى المتواضعة أنها أبرزت موهبة الفنانة شادية في التمثيل، وأخرجتها من قالب الأفلام التي تصنع خصيصاً للمطرب المشهور لتقديم أغانيه كهدف أساسي للعمل حتى وإن لم يجيد المطرب فن التمثيل.