"جلسة".. تحية فنية من الدوحة إلى الأبطال على أرض غزة!

لا يمكن لأي عابر أو زائر، إلا أن يلتقط بوضوح كلّ السمات الظاهرة التي تطغى على شوارع الدوحة، وهي التنظيم المتقن والجمال العمراني الفائض، وسير الحياة اليومية بانضباط عال! إضافة إلى بعض ملامح عالقة منذ إقامة الفعاليات المدهشة التي انضوت عليها بطولة كأس العالم نهاية سنة 2022 وقد نظّمتها العاصمة القطرية، لتعود ذكرياتها مجدداً إلى الواجهة خلال الشهر الماضي، أي أثناء استضافة الدوحة لنهائيات كأس آسيا، بالاتكاء على البنية التحتية الرياضية التي عمّرتها الدولة الخليجية.

وسيكون لافتاً حضور الرموز الفلسطينية في حفل الافتتاح، وتجيير أداء قسم البطولة من كابتن المنتخب القطري حسن الهيدوس إلى نظيره الفلسطيني مصعب البطاط. ليستمر الملمح المبهج في حضور "المنتخب الفدائي" حتى الدور الثاني بعدما خرق التوقعات وحقق نتائج طيبة. هذا في صدارة المشهد الإعلامي، أما خلف الكواليس فقد صنع حضور بعثة "أسود كنعان" مزاج الكثيرين من المهتمين بما يحصل في الأرض المحتلة. هكذا، سيصل كلّ من يتعقب أثر لاعبي فلسطين أثناء تواجدهم في قطر إلى "الجلسة غاردن" وهو "لاونج" أراد أصحابه الاحتفاء بهؤلاء الضيوف على وجه الخصوص، فأحالوا مكانهم إلى بيت مفتوح يحتفي يومياً بهم، وجرّبوا رسم الفرح على وجوههم، من خلال تنظيم فعاليات خاصة بهم وتكريم جميع أفراد بعثتهم...

أراد المستثمرين المقيمين في الدوحة، قول كلمتهم على طريقتهم الفنية، وذلك منذ اندلاع العدوان الصهيوني على غزة، فجرّبوا من مطرحهم صوغ شكل من أشكال المقاومة، ولو في مطعم يقدّم الترفيه والتسلية لزوّاره! حصل ذلك بعد أن أوقف اللاونج الموسيقى والفرقة الغنائية لحوالي شهرين إثر اندلاع طوفان الأقصى كنوع من الحداد على أرواح آلاف الشهداء التي تسقط هناك، لكّن لاحقاً اعتقد المستثمرين بأنه لا يمكن الانكفاء والانعزال وسط كلّ هذا الطوفان العاصف.

وفي حديث معنا لمدير المطعم أيمن عقاد يقول: "يمكن لنا المقاومة من خلال الاستمرار في الحياة، لذا قررنا إعادة الابتهاج بالفريق الفلسطيني والاستمرار بما نقدّمه بشرط أن نوارب نافذة من خلاله على غزّة خصيصاً، وفلسطين عموماً" وكيف حصل ذلك، نسأل؟ فيجيب: "استلهمنا من الرموز الفلسطينية التقليدية ما يكفي لأن يكون دلالة صريحة كي نشير بأن قلبنا ينبض هناك، وعلى سبيل المثال سترى اسم فلسطين مكتوباً على قمصان المضيفين جميعهم، عدا عن الأعلام المرفوعة في كلّ مكان، إلى جانب الكوفية التي يرتديها الجميع بشكل تصميمي مرّتب، إضافة إلى قرار المغني السوري محمد قبّاني تضمين وصلته الغنائية اليومية بالأغاني الثورية ومقتطفات من الفلكلور الفلسطيني، إلى جانب تحيتنا مثلاً للفنانة دلال أبو آمنة عندما تمّ اعتقالها، بينما ستلاحظ لوحات الفن التشكيلي والجمل الرمزية التي رافقت انطلاق طوفان الأقصى منتشرة في كلّ مكان".

يشرح مدير المطعم ويستطرد بالقول: "ربما تتساءل وماذا يفيد كلّ ذلك؟ الجواب يكمن بالقول بأن المقاومة بالفن هي أبهى وأهم أنواع النضال إذا لم يكن غير ذلك متاحاً عدا عن أن فكرة لفت النظر لكلّ زوّار المكان وتذكيرهم بما يحصل في فلسطين وهم يرتادون مكاناً للترفيه قد يكون بحدّ ذاته ملمح إنجاز".

يحيلنا الحديث إلى مجموعة من اللوحات المعلّقة في المكان والشعارات التي يزدحم بها، والتي تفيد جهاراً بأنه مهما كانت قضايا التحرر النضالية عادلة، فإنها حتماً ستحتاج إلى رموز فنية إسقاطية تعبّر عن صوتها، وتجرّب إيصاله إلى أوسع مدى، علّها تحمي الفكرة من السقوط بالتقادم

هنا تبرز الكوفية الفلسطينية كوشاح تقليدي وضع ضمن سياق عصري على أكتاف فريق العمل، وتطلّ لوحة الشهيد ناجي العلي بشخصية الطفل حنظلة والتي استحالت رمزاً فنياً موغلاً في العمق راح نحو التداول الكثيف عشّية اندلاع طوفان الأقصى. تذكرنا الأجواء بالمفتاح القديم وبيارة الليمون وشجرة الزيتون.. كلّها تجسّد رمزيات مختلفة تصبّ غالباً في خانة واحدة هي حق العودة واسترداد الأرض، فيما توسّع فاكهة البطيخ مطرحها الملفت في الثقافة الفلسطينية، كونها دليل بليغ يوحي إلى خصوبة الأرض وقدرتها على الصمود في مواجهة الشدائد، كما أنها تحمل ألوان العلم الفلسطيني أي الأبيض والأخضر والأحمر والأسود وهي الرمز الذي قرر أصحاب المكان تكريسه بوضوح شديد مع عبارة "ولعت" التي ارتبطت بتحفيز المقاومة الفلسطينية خلال عملياتهم البطولية في الأسابيع الماضية.

بموازاة كلّ ذلك يحتفي المكان بتصاميم ولوحات فنية تشكيلية لمجموعة فنانيين منهم التشكيلية الأردنية شيرين عودة التي ولّفت بين مجموعة من الرموز التراثية الفلسطينية بكولاج تصميمي، والفلسطينية بيسان عرفات التي جرّبت أعمالها تصوير الحياة التي يتوق الفلسطينيون، واللبنانية نشوة أبو فايد التي صممت كلمة "بطيخ" باللون الأحمر على كامل مساحة عملها الفني التصميمي حتى تبدو كأنها بلا نهاية.. كأنما تقول إنه حتى لو نفذت الأفكار ستبقى الكلمة في حد ذاتها قوية في معناها لتعكس جوهر القضية الفلسطينية بمجرد رؤية كلمة بطيخ.