"النقطة العميا" على مسرح الغد.. عُطل يقود إلى القتل

ماذا تفعل إذا وجدت نفسك متهمًا في جريمة قتل تظن أنك لم ترتكبها، والأدلة الملموسة تؤكد ذلك، ولكن إذا أردت أن تتمسك ببراءتك ستجد نفسك في طريق عاقبته وخيمة، ويدعو لليأس.. ستخسر وأنت تريد الربح!

لا سيما إذا كنت محاطا بأشخاص أفنوا حياتهم في البحث والقراءة والتفحص في القانون وثغراته المختلفة، وأنت مجرد تاجر محدود القدرة على التفكير، وكثير الثرثرة.. وهذا بالفعل ما حدث مع بطل العرض المسرحي "النقطة العميا" "آدم" الذي يقوم بدوره الفنان نور محمود، ويُعرض طوال شهر ديسمبر بمسرح الغد بالعجوزة.


في البداية إذا أردت معرفة معنى "النقطة العميا" فستجد أنها يتم استخدامها كثيرًا في السيارات، حيث تكون هي المساحة التي تقع على جانبي السيارة الأيمن والأيسر التي لا يمكن للسائق رؤيتها، والتي تحول دون قدرته على رؤية العناصر الموجودة فيها مما يؤدي إلى وقوع الحوادث.

وهو بالفعل ما حدث مع "آدم" الذي بدأ المشهد الأول في العرض بتعطل سيارته فجأة في قرية صغيرة في وقت متأخر من الليل، ولا توجد أي وسيلة مواصلات تستطيع أن تخرجه من القرية، فيضطر لقضاء الليلة في فيلا يقيم فيها ثلاثة أساتذة قانون محنكين، يريدون قضاء وقت ممتع، خاصة أنهم متقاعدون، ويتسلون لقضاء الليلة باللعب فقط، فهم يلعبون ولكن بالضيوف الذين يأتون إليهم!

الضيوف مادة حية للتسلية

لم يكتف الأساتذة الثلاثة بالضيوف فقط، ولكن مثلما قال له الدكتور كمال الذي يقوم بدوره الفنان أحمد السلكاوي في إحدى المشاهد إنهم يبحثون في التاريخ عن القضايا القديمة ويعيدون محاكمة الكثير من الشخصيات التاريخية الهامة، إذ قاموا بالحكم على الزعيم الألماني أدولف هتلر بالإعدام شنقا، لأنهم يرون أن اللعب بمادة حية ينتج عنه مواقف شيقة تجعلهم يقضون أمسية ممتعة.

ولكن ماذا تنتظر من رجال أفنوا حياتهم في القانون وبين أروقة المحاكم والقضاء، والكتب الجنائية، حيث كل منهم حاصل على الدكتوراه في مجال تخصصه، الذي يندرج تحت علم النفس الجنائي، والقانون الجنائي، ولكن حكم السن الذي ألزمهم بالتقاعد جعلهم يفعلون ذلك، فوجودهم في قرية نائية جعل العديد من الأشخاص أمثال "آدم" ممن تتعطل سيارتهم أو يحدث لهم حادثة مفاجأة يضطرون للجوء إليهم، فيتسلون بهم حتى الصباح!


ثرثرة عابرة تقود لاتهام بالقتل

ينصبون له محاكمة في وسط حديثهم الذي يظن "آدم" الجاهل أنه مجرد ثرثرة عابرة، حيث يختار كل شخص شخصيته فيكون الدكتور حكيم الذي يقوم بدوره الفنان حسام فياض هو القاضي، والدكتور كمال هو محامي الدفاع عن المتهم "آدم"، والدكتور عادل الذي يقوم بدوره الفنان أحمد عثمان هو المدعي العام.

خلال دردشة صغيرة يحاول فيها المدعي العام أن يفهم من آدم مراحل حياته الشخصية ومعلومات عنها وعن كواليس رحلته المهنية، والتي يحذره في البداية الدفاع من ألا يتحدث كثيرا ولكنه لا يبالي لذلك، حيث يؤكد أنه بدأ حياته المهنية من الصفر ولم يكن شيئا مذكورا حتى نهاية العام الماضي وهو ما يفتخر به ويجعله يتحدث عنه بشجاعة، حيث كان مجرد مندوبا متجولا في شركة منسوجات، ولكنه الآن حل محل مديره السابق الذي توفى فجأة نتيجة إصابته بأزمة قلبية.


جريمة قتل بلا دماء

بمجرد أن يبدأ "آدم" في سرد مراحل حياته حتي يتمكن المدعي العام من الوصول لطرف خيط، أو ثغرة لجريمة تثبت قتله لمديره في العمل، بعيدة كل البعد عن القانون ولكنها نفسية من المقام الأول مع سبق الإصرار والترصد، بمشاركة زوجته، دون إراقة قطرة دم واحدة.

ففي "النقطة العميا" المأخوذة من المجموعة القصصية "العُطل" للكاتب السويسري "فريدريش دورنمات" وقام بإعدادها وإخراجها أحمد فؤاد، تتركز القصة على الجانب النفسي للإنسان، فإذا اعتبرنا أن البطل هو الإنسان العادي الذي يعميه طموحه ليصل لكل ما يريد بأسهل طريقة وفي وقت قصير جدا ودون وجود أي دليل مادي خلفه، فبالطبع سيفعل ذلك.


اختلافات النص

بالطبع لم يلتزم أحمد فؤاد مخرج العمل بالنص الأصلي لدورنمات، بل صنع فيه نشاطًا وحيوية واضحة؛ فمثلا الثلاثة المحكمين في القصة تتراوح أعمارهم بين 77 - 86 عاما، إلا إنهم في العرض لم يكونوا كذلك، بالإضافة إلى وجود العنصر النسائي بالعرض، وهو ما تفتقره السهرة الدرامية "ليلة القتل الأبيض" التي تم إنتاجها عام 1999، من بطولة الفنان مصطفى فهمي.


أيضًا النص الأصلي حدث صيفا، ولكن في السهرة والمسرحية كان شتاءً، وأعتقد أن الشتاء يكون أفضل مع الأحداث التراجيدية الدرامية، ولم يخل العرض بالطبع من الكوميديا وخاصة السوداء.



تساؤلات النهاية

اتفقت النهاية في الثلاثة (المجموعة القصصية والسهرة الدرامية والمسرحية) على موت البطل باختلاف ما حدث له؛ ففي العمل المسرحي والنص الأصلي انتحر آدم ولكن في السهرة مات بنفس الطريقة التي مات بها مديره في العمل، فعندما تمكّن المدعي العام من الوصول لخيط لقضية واستطاع أن ينسجها سويا وتوصل في النهاية إلى سرد قصة أو جريمة قتل مكتملة الأركان، وهو ما اعتبره من ضمن نقاط قوة العرض المسرحي حيث استطاع الفنان أحمد عثمان أن يسرد ما حدث، وكأنه يعمل محاميًا ومدعيًا عامًا في الحقيقة.


صحيح إنهم استطاعوا في النهاية الوصول للجريمة والجاني، لكنهم جناة مثله، لأن ما فعلوه في البطل هو ما أدى في النهاية إلى موته، كما فعل مع مديره.. فإذا نصبوا أنفسهم محل المحكمة فقط لأجل التسلية فمن سيأخذ حق آدم منهم؟!


نرشح لك: عرض "سيزيف".. صعود الإنسان الذي يؤدي إلى انهياره