كابتن أيلا ومجندات تيك توك.. خطة إسرائيل لخداع العالم!

أيام قليلة، ويتم الاعتداء الإسرائيلي الوحشي على أهالي قطاع غزة العُزل شهرًا كاملًا، 30 يومًا من القصف والقتل والتدمير، الذي راح ضحيته ما يزيد عن 8 آلاف شهيد، أكثر من 60% منهم أطفالًا، و22 ألف جريح، قابلين للزيادة كل لحظة، وذلك غير المفقودين تحت الأنقاض، في أكبر حملة إبادة جماعية، يشهدها العصر الحديث، على أيدي الجنود الإسرائيليين، ذوي التاريخ الوحشي الطويل.

ومع تلك الجرائم، يقف الكثيرون عاجزين تمامًا عن فهم التضامن الكلي لبعض الدول والشعوب مع إسرائيل، ووصف وسائل الإعلام الدولية لها بأنها الضحية، وأن كل ما يحدث هو محاولة من الدولة المحتلة لحماية نفسها من الدواعش العرب الذين يشاركونهم نفس النطاق الجغرافي، ولا زال البعض يتباكى على الجنود الإسرائيليين الذين يبدون كأطفال ومراهقين صغار وفتيات فاتنات على "تيك توك"، مما يثير تساؤلاً هامًا وهو كيف نجحت إسرائيل في السيطرة على العقل الجمعي للشعوب الغربية لعقود، وهل تغير الأمر الآن في 2023، دعونا نبحث عن إجابة في السطور التالية.

مجندات تيك توك

هل صادفتك مقاطع فيديو على "تيك توك" لمجندات وجنود إسرائيليين يتراقصون بـ"نعومة" -ذلك الوصف لكلا الجنسين- ففرحت كمواطن عربي أن ذلك هو الجيش المحتل؟ إذن فلقد وقعت في الفخ بنجاح.


فعلى الرغم من المعتقد السائد والذي لا نعلم من أين مصدره، بأن الجندي الإسرائيلي ضعيف ويرتجف أمام حجارة الأطفال الفلسطينيين، لقد شاهدنا على مدار عقود، منذ 1948 ذلك الجندي المتوحش وهو ينتهك أجساد الأطفال والصغار بطلقات نارية من بندقيته -شاهد فيديو قتل محمد الدرة الشهير- أو بالضرب والتنكيل للنساء والرجال وحتى الأطفال على حد سواء.

ولا أحد عاقل يتخيل أن أولئك المجندين المشكوك في قواهم على تيك توك، هم من نسل أولئك المنفذين لمجزرة دير ياسين الشهيرة، حيث اغتصبوا النساء، وأخرجوا الأجنة من أرحام أمهاتهم وذبحوهم بوحشية تامة، لا تتناسب أبدًا مع تلك الصورة الضعيفة التي تريد منك الحكومة الإسرائيلية تصديقها، ولعلك تتساءل ما علاقة تلك الفيديوهات بالحكومة؟ فأطرح عليك سؤالًا منطقيًا: لم ظهرت تلك الفيديوهات وانتشرت بشدة في أعقاب العدوان على غزة؟


لعلي أتوقع إجابتك، وهو بالفعل ما حدث، فتلك إحدى الطرق التي تستخدمها وزارة الدفاع الإسرائيلية، لتخبر العالم الغربي: "كم نحن لطفاء.. أنقذوا أطفالنا من القتل"!

مسلمة في الجيش الإسرائيلي!

ماذا لو صدق العالم أن إسرائيل دولة تبحث عن السلام؟ ولا تحمل أي غضاضة للعرب والمسلمين، فهي حمامة سلام في المنطقة؟ تلك الخدعة إثباتها بسيط للغاية، فقط انشئ حساب على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، لأحد الجنود الإسرائيليين، وكذبًا قُل إنها مسلمة، وتحتفل برمضان وما إلى ذلك من مظاهر المسلمين، وأطلق عليها اسم "كابتن أيلا" وروج في العالم كله لأول امرأة عربية مسلمة تحصل على لقب رائد "ميجور" في الجيش الإسرائيلي، واجعلها بفصاحتها العربية تتحدث عن حماس الإرهابية والفلسطينيين الهمجيين وبني إسرائيل الذين شق الله لهم البحر لينجدهم من بطش فرعون! ولا تنسى أن تؤكد عليها أن تُكثر من آيات القرآن الكريم على حساباتها.


هل ذكرتك أيلا بأحد؟ بالطبع هو أفيخاي أدرعي، الشخصية الإسرائيلية الأكثر كرهًا لدى العرب، ولكنه! صاحب الشعبية الأكبر أيضًا، فحساباته الموثقة كانت لفترات طويلة قبل شن العدوان الأخير على غزة متداولة بين العرب، الذين يعلقون عنده، وبعضه للأسف بشكل إيجابي، يشيد بنجاح خطة إسرائيل في جذب العرب من خلال مجندين ينطقون بألسنتهم!


ليُظهر بعد ذلك وجهه الحقيقي، في تلك الأزمة، ويبدأ في بث سمومه، واتهاماته ليس فقط للفلسطينيين وحماس، بل أيضًا للفنانين العرب الذين يدعمون أهل غزة في مصابهم الأليم، مثلما فعل مع أنغام التي نادرًا ما تدخل في خلافات مع أحد، ولكنها لم تتراجع عن الرد عليه بأسلوبه.

نرشح لك : أنغام ترد على أفيخاي ادرعي: يا مغتصبين!


قلب الحقائق.. السردية الإسرائيلية دائمًا رابحة!

للأسف وعلى مر عقود، نجح الإسرائيليون، في كسب التعاطف البالغ اتجاههم، مستغلين مجزرة الهولوكوست، التي قتل وأحرق فيها الحاكم النازي أدولف هتلر ملايين منهم، ليتم قولبتهم على مدار سنوات في قالب "المساكين الناجين من المحرقة!"، ويجعل الشعوب الغربية، خاصة الأوروبية ينظرون إليهم بعطف، لعله صادر من إحساسهم بالذنب تجاههم! فيصدقونهم دون بحث عن الحقيقة.

والحقيقة، إنهم بارعون جدًا في سرد مآسيهم، للدرجة التي يجعلون نسبة كبيرة جدًا من الغربيين يبكون على ضحاياهم، ولا يأبهون بضحايا غزة، ولا ينظرون إليهم من الأساس! باعتبارهم "داعشيين" مثلما أخبرتهم إسرائيل، فهم مجرد دروع يستخدمها مقاتلو حماس "الإرهابيين"! ويدفع الإسرائيليون مليارات الدولارات سنويًا لاستمرار سيطرتهم على وسائل الإعلام الغربية والأمريكية تحديدًا، سواء بامتلاكها، أو رشوتها لنقل ما تسرده هي فقط، والتعتيم عن جرائمها المستمرة على مدار أعوام ضد الشعب الفلسطيني.

ومع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، والأثر البالغ الذي حققته في إعادة رسم الصورة الحقيقية لما يحدث في غزة، من خلال المصورين الفلسطينيين والصحفيين والمؤثرين، الذين يلعبون دورًا بطوليًا في القطاع المنكوب بنقل الحقيقة من خلال عدساتهم وباللغة الإنجليزية لتصل للعالم الآخر الداعم للعدو، أدرك الإسرائيليون الخطر سريعًا، فبدأوا في ضخ أكاذيبهم من خلال سلسلة من الحسابات الداعمة لهم، والمشاهير التابعين لهم والمدافعين عنهم بشدة، على سبيل المثال الإعلامي الشهير "بن شابيرو" والذي هو أحد أضلاع الدفاع عنهم في الإعلام الغربي، وليس ذلك فقط، بل إنهم دشنوا حسابات لأشخاص عرب وصفحات إخبارية فلسطينية تابعة لهم، تبث أكاذيبها دون أن يتخيل أحد أنهم مخادعين فهم يدافعون عن القضية وينقلون ما تفعله إسرائيل من جرائم! ولكن "بوستات" تثبيط العزيمة تفعل ما تريده إسرائيل بالضبط في الصفوف العربية.

ناهيك أيضًا، عن ما تم إثارته بشدة في الأوساط الداعمة لغزة عربيا وغربيًا، من إدانات لشركة "ميتا" لحذفها منشورات عن غزة، ومحاولة مالكها مارك زوكربيرغ، التعتيم على الحقيقة، لصالح إسرائيل، لتظل السردية الإسرائيلية فقط هي المنتشرة والمتواجدة، ولكن في وجود حيادية نوعًا ما في منصتي X (تويتر سابقًا)، و"تيك توك"، بدأت تلك السردية تتزعزع قليلًا، لنرى تأثير ولو طفيف في الشعوب التي لم تكن تعرف الحقيقة قط، حيث كانت تعتمد عما يحدث على وسائل الإعلام الرسمية المتواطئة مع إسرائيل.

ولكن يظل الكثيرون يصدقون أكاذيب إسرائيل حول قطع رؤوس الأطفال، واغتصاب النساء، من قبل حماس، وهو الأمر الذي تم نفيه مرارًا وتكرارًا، ولكن لا يزال الطرف الإسرائيلي، مسيطر إعلاميًا أكثر، ولكن من الممكن الجيل Z، من العرب والأجانب الذين أدركوا الحقيقة أكثر من أبائهم، أن يغيروا البوصلة قريبًا.

7.5 مليار دولار حملات إعلانية!

لعل إسرائيل، أدركت أن سرديتها في خطر بفضل الجيل Z الذي ذكرناه سابقًا، وأيضًا بعض الفنانين والمؤثرين الأجانب، عبر منصات التواصل الاجتماعي فباتت تلجأ لحيلة جديدة، تستخدم لأول مرة في تاريخها، وهو ما كشفه لـ "إعلام دوت كوم" د. فادي رمزي خبير الإعلام الرقمي و محاضر في الجامعة الأمريكية بالقاهرة.

قال "رمزي" إنه لأول مرة نرى إسرائيل تستخدم حملات إعلانية مدفوعة، تصل إلى 7.5 مليار دولار، تظهر لأكثر من مليار شخص عبر "يوتيوب".

وتلك الحملات الإعلانية بحسب الصحفية الأجنبية صوفيا سميث تايلور، والتي أجرت تحقيقًا عن الأمر، بعد ملاحظتها ظهور الكثير من الإعلانات الإسرائيلية، التابعة لوزارة الدفاع، والتي تستعطف العالم لدعم أطفال إسرائيل، بالرواية التي تم إثبات تزييفها، وهي "ٌحرق حماس للأطفال وقطع رؤوسهم" -هو ما فعله الإسرائيليون في أجنة دير ياسين من قبل- وغيرها من الاتهامات لحماس والفلسطينيون، ودعشنتهم.

واستخدمت سميث في تحقيقها الأداة التحليلية Semrush، وهي عبارة عن منصة تقدر النفقات على الحملات الإعلانية، إلى جانب مركز شفافية الإعلانات التابع لشركة Google.

ووفقًا لبحثها، استهدفت الحملة بشكل صريح فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة بجانب دول أوروبية أخرى، وأصدرت حوالي 88 إعلانًا في فترة قصيرة من 7 أكتوبر إلى 19 أكتوبر.

وأشارت "سميث" في تحقيقها أيضًا إلى أنه تم تخصيص مبلغ 1.1 مليون دولار لاستهداف المملكة المتحدة وحدها.

ووصفت الصحفية، تلك الإعلانات تعتمد بشكل كبير على ما أسمته بـ"التلاعب العاطفي" بالمتلقي الغربي.

وبمقارنة تلك المساعي الإسرائيلية، لتحسين صورتها في العالم، وكسب التعاطف نحوها، مع ما يقوم به العرب على مواقع التواصل الاجتماعي، قال "رمزي" إن مردود الخطوات الإسرائيلية للأسف لا يزال الأقوى! فالأغلبية الغربية لا زالت تصدق السردية الإسرائيلية.