كُتاب ونقاد عن "مصنع السكر": رواية رقمية ثرية ومليئة بالإسقاطات السياسية والاجتماعية

على مدى أكثر من ساعتين، أقيمت الأحد الماضي 10 سبتمبر، ندوة لمناقشة رواية "مصنع السكر" الصادرة حديثا عن دار غراب للنشر والتوزيع، للكاتب الصحفي الروائي محمد شعير، بمنتدى دار المفكر العربي برئاسة الكاتب والصحفي حسام أبو العلا، وإدارة الدكتورة سهام الزعيري،

الرواية تدور أحداثها بين مصر وسوريا وعدة دول أوروبية، حول قصة عشق بين رسام مصري احترف تصميم أغلفة الكتب وامرأة سورية تعمل في قطاع الثقافة بمحافظة حمص، وبينما جاءت بداية العلاقة عبر فيس بوك خلال العام 2021 في زمن وباء كورونا، إلا أن مسارها مر بانعطافات كثيرة وخطيرة كانت شاهدة على أحداث وحيوات وتفاصيل في عدة أماكن وأزمان وأزمات مختلفة.


من جانبه قال الكاتب محمد شعير خلال الندوة: "فاجأني خلال الفترة الماضية منذ صدور الرواية أن بعض النقاد وهم قليلون يفعلون مثل بعض القراء العاديين، حيث يلعبون لعبة غريبة ومضحكة مع الكاتب، وهي إسقاط العمل الأدبي الخيالي على شخص المؤلف، حتى قيل لي صراحة إن "زياد" بطل الرواية هو نفسه "شعير" مؤلفها، وهذه نظرة قاصرة للغاية، علما بأنه لو توفرت حسن النية لكان يمكن مثلا إسقاط شخصية الصحفي "نادر سليم" المتخصص في الشأن السوري على المؤلف، باعتبار أنني عملت في هذا الملف بالفعل لسنوات في جريدة "الأهرام"، لكن شخصية "نادر" لم تقم بكل النزوات التي قام بها البطل "زياد"، وبالتالي فالمقصود هو الاتهام والتلصص على الحياة الشخصية للكاتب".


في سياق متصل قالت القاصة الدكتورة نهاد عبد الملك، إن من حق الناقد بالطبع إبداء رأيه بالكامل في أي عمل أدبي، لكن ما يؤلم الكُتاب هو "شخصنة" العمل الأدبي، مما يضطر الكاتب إلى الدفاع عن نفسه أو كبت وحجب آرائه وما يريد التعبير عنه، وبالنسبة لي فإن أي نص يذهب بي خلال قراءته إلى عوالم جديدة في زمان ومكان مختلفين لا شك أنه يكون مغريا بالقراءة، كما هو الحال بالنسبة لرواية "مصنع السكر".

وقالت الدكتورة إيمان سند إن الواضح أن المؤلف "ذاكر" جيدا ما سيكتب عنه قبل الكتابة، باعتباره صحفيا أصلا هدفه دوما هو القارئ وتعريفه وإفهامه، حيث نقلت الرواية للقارئ المصري طبيعة وظروف المجتمع السوري لا سيما في السنوات العشر الأخيرة بأدق التفاصيل، من اللهجة إلى أسعار السلع إلى وصف الأماكن، بالإضافة إلى الجانب المعلوماتي الذي كثيرا ما يكون مربكا بالنسبة لأي كاتب، لا يعرف أيكتبه أم يختصره حتى لا يمل القارئ، لكن رواية "مصنع السكر" نجحت في تضفير المعلومات في سياق الأحداث الدرامية دون ملل.


أضافت أن هناك تطور كبير ملحوظ في هذه الرواية مقارنةً برواية "شعير" الأولى "الخطة 51"، لكن ما لفت نظرها هو مسألة التناص القرآني الكثير في هذه الرواية، باستخدام ألفاظ القرآن الكريم في السرد على لسان الأبطال، وهو أمر جيد في الأصل، لكنه جاء في بعض المواضع بشكل غير مناسب، ومنها كلام البطلة "ورد" عن أمها بسخرية: "إني لأجد ريح مصنع السكر"، في حين أن المصنع هو مكان الأزمة الكبرى، مما قد يوحي بالسخرية من الخطاب القرآني!

الناقد الأدبي الدكتور عزوز إسماعيل قال: "حتى وقت قريب كنا نقول إننا ليس لدينا رواية رقمية تتماشى مع العصر في ظل وسائل التواصل الاجتماعي، لكن الآن أصبح لدينا (مصنع السكر)، فهي رواية رقمية في الأساس، استهدف كاتبها الحديث عن مصر وسوريا فوضع قصة حب نشأت عبر فيس بوك والماسنجر بين بطل مصري وبطلة سورية. ومن خلال البحث في جغرافيا وتضاريس النص وما فيه من تفاصيل دقيقة وعمق في الأفكار أستطيع القول في ضوء عملي محكما في بعض الجوائز الأدبية أن هذه رواية جوائز، أو على الأقل يمكنها المنافسة".



أشار إلى أنه كان ينبغي أن يشير الكاتب إلى الحضارة الفرعونية مثلما تحدث عن حضارة تدمر، لافتا إلى أنه كان يفضل حذف شخصية "سائد" مدير العمل الذي تمارسه البطلة "ورد" في حمص بالكامل، لكن يبقى أنها أيضا رواية واقعية، واستشرافية للمستقبل. ولا شك أن الناقد يسعد عندما يجد كاتبا يمتلك أدواته، إذ يجود علينا الزمان كل فترة برواية تكون سببا في سعادة الناقد، فبعد روايات "سكون" لولاء كمال و"فوق الجاذبية" لأحمد الشدوي وأخيرا "حجاب الساحر" للأديب أحمد الشهاوي تأتي رواية "مصنع السكر" لمحمد شعير، لأن بها مادة روائية حقيقية.

من جانبه قال الكاتب الصحفي فتحي محمود المتخصص في الشئون العربية إن المفارقة تتمثل في أن "شعير" لم يقم بزيارة سوريا أبدا، لكنه رغم ذلك كتب روايته أفضل مما لو كان مؤلفها سوري الجنسية، ولعلها تعد سابقة أن يستعين كاتب بشخصيات سورية للاستفسار والسؤال في أثناء الكتابة. أردف: " في ظل زيارتي سوريا مرات عديدة وعملي مديرا لمكتب الأهرام في لبنان لسنوات فقد نقلت الرواية بالفعل تفاصيل حالة تعدد الطوائف وتأثيراتها، وغيرها من أدق الأمور في الحياة اليومية، بما في ذلك إشارة الكاتب سريعا في روايته إلى انتشار مخدر "الكبتاجون" في سوريا، وهو ما اتضحت أهميته الكبيرة، فوفقا لمعلوماتي كان "الكبتاجون" هو السبب الحقيقي لعودة سوريا إلى الجامعة العربية، فبعد أن كانت صادراته تغرق دول الخليج ويستفيد النظام السوري من عوائده المادية لمواجهة العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه، سعت هذه الدول إلى إعادة سوريا إلى الجامعة العربية وتعويضها ماديا عن أرباح هذا المخدر، بهدف وقف تدفقه إلى أراضيها".

الكاتب الصحفي علي الفاتح قال إن عالم الاجتماع الكبير الدكتور محمد الجوهري أكد أن أغلب علماء الاجتماع بدأوا حياتهم كصحفيين متخصصين في الحوادث ثم انتقلوا إلى دراسة الجريمة كظاهرة اجتماعية، قبل أن يصبحوا علماء. والحقيقة أن "شعير" قام في روايته بدور الصحفي الذي يجمع المعلومات قبل العمل، بجدية ودون تكاسل، أي أنه انتقل بمهنته الصحفية إلى حقل الإبداع، مؤكدا أن هذه رواية سياسية في الأساس هدفها بحث أزمة الإنسان، وهي أزمة الحرية، وهو ما تكشف عنه بعض الحوارات بين البطل وزوجته المصرية وحبيبته السورية، إذ نجد أن جمل الحوار التي تم وضعها بدقة شديدة إنما تشير إلى قضايا سياسية، وليس مجرد أزمة زوجية ومشاكل حب وخيانة.

في السياق ذاته أوضح الكاتب والصحفي محمد شمروخ، أن الصحفي المحترف القوي في عمله هو روائي، وقد قال الأستاذ نجيب محفوظ عن الأستاذ محمد حسنين هيكل: "لو اشتغل روائي حيقعدنا في بيوتنا"، فالصحفي يكتب روايته عن شخصيات، لكنها شخصيات حقيقية. وبالنسبة لمحمد شعير "الصحفي" فقد كان "الروائي" بداخله منذ كتابه الأول "المرأة الحديدية تتكلم"، وكان يدور حول "قصة حوار صحفي" قام بإجرائه مع هدى عبدالمنعم سيدة الأعمال الهاربة آنذاك، ثم كتابه الخطير حول معايير النشر الصحفي، بعنوان "لا يُنشر"، والذي لم ينل ما يستحقه بسبب عنصر الدعاية و"الشللية" المسيطرة، وكذلك كتاب "هدير الصمت"، كلها كُتبت بأسلوب قصصي، فالروائي عند "شعير" يغلب الصحفي، كأنه عمل صحفيا لأجل الأدب.

وعن رواية "مصنع السكر" قال الكاتب الصحفي الأديب حسام أبو العلا، مدير دار المفكر العربي، إن الرواية تبدو لقارئها في البداية رواية رومانسية لكن يظهر بعد ذلك كل ما فيها من إسقاطات ورموز وأفكار ومعلومات سياسية، حول سوريا ومصر أيضا، فهي تناقش قضية الشخصية العربية التي تدفع ثمن آرائها السياسية، وبالتالي فالرواية خلطة رومانسية سياسية تفاجئ قارءها دوما حتى تصل أيضا إلى الحديث عن المستقبل. وبالنسبة لشخصية الشاعرة "سهير السكري" التي حصلت على عضوية اتحاد الكتاب بسبب مواهبها الأنثوية الخاصة، وليس إبداعها الشعري، فهذا حدث ويحدث بالفعل، وليس فقط في اتحاد الكتاب إنما في نقابة الصحفيين أيضا.