دفاعًا عن إنسانية "الرجل الذي أكله الورق"

ماذا لو استيقظت يومًا ما لتجد نفسك مجرد ترس في عجلة إنتاج الحياة، تستيقظ يوميا لتعيد نفس اليوم بدون جديد في حياتك، وليس ذلك فقط، بل تُكبلك الديون من جميع الاتجاهات.
في مسرحية "الرجل الذي أكله الورق" التي قدمتها فرقة "جروتيسك" مساء أمس بقاعة هدى وصفي بمركز الهناجر للفنون، وهي المسرحية التي افتتحت العروض المشاركة في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي في دورته الـ 30، من تأليف أوجستين كوازني ودراماتورج وإخراج محمد الحضري، تتكشّف مأساة المواطن المعاصر في محاولة مواجهة الرأسمالية، مع لجوء البطل للاستدانة من مرابي، فينتهي به الحال داخل قفص الاتهام في المحكمة.

تكبله الديون وتخرسه

تركز المسرحية -التي بدأت بدقيقة حداد على روح الناقدة الشابة الراحلة رنا أبو العلا- على محاولة الدفاع عن المواطن الفقير الذي يفني 18 عاما من حياته في العمل دون جدوى، فالبطل "إلياس بيلوبر" كاتب الحسابات الذي قام بدوره علي الكيلاني دون أن ينطق كلمة وكان الجمهور يصفق له بحرارة مع كل مشهد يؤديه، حيث يظهر رجل يُعاني من مشكلة في النطق ولا يستطيع الكلام أو بمعنى أدق "لا يُترك له المجال للكلام".


بداية من كل مشاهده مع زوجته الحامل، التي لا تتحدث معه سوى عن المال وأن الراتب الذي يتقاضاه شهريا لا يكفي ولا يسمح لها بشراء ما تحتاجه لنفسها كأي فتاة أو مثل ما قالت: "مقارنة بجارتها التي تضع المكياج بشكل مستمر".

وكذلك المشاهد التي جمعت بينه وبين رب عمله الذي يتهمه دائما بالتراخي لأن مديره استطاع أن يكون له عمله الخاص وهو لا يستطيع لأنه كسول ولا يستيقط مبكرا مثله، على الرغم من أن زوجته تجعله يستيقط يوميا بشكل مبكر عن اليوم الذي كان قبله!


وحتى طبيبه الذي ذهب له لأنه يعاني من مشكلة في الأطراف بسبب عمله الدائم، لم يترك له الفرصة للحديث، لم يشعر به سوى محاميه الذي كان يدافع عنه أمام هيئة المحلفين.

مسلوب الإرادة لا يحق له الدفاع

رغم كل ذلك كنت أنتظر أن يدافع البطل عن نفسه في النهاية، أن يعرض أسبابه، أن يثير استعطافنا كجمهور، أن يكون له مشهد واحد إيجابي ينتهي به العرض، ولكن لم يحدث.

لذلك توجه إعلام دوت كوم بالسؤال لمخرج العرض محمد الحضري، فأجاب: "لم يدافع عن نفسه لأنه مسلوب الإرادة، مش قادر، حتى لما راح يصلي معرفش من كتر الحاجات اللي جواه مش قادر، وأنا شايف إن الشكل ده من المواطن ملوش الحق إنه ينطق".



تعقيب على العرض

- لم يستخدم الممثلون ميكروفونات طوال فترة العرض، ويوضح لنا "الحضري" سبب ذلك قائلا إنه من حدد ذلك، لأنه لا يُفضل وجود ميكروفونات في التمثيل المسرحي، خاصة إذا كان العرض يحكي عن فترة زمنية قديمة، مكملا: "مينفعش أكون بعمل عرض روماني وتشوفي ممثل لابس مايك حديث، هو لو لبس مايك هتحس إنه مزعج جدا لأن الممثلين كمان صوتهم عالي".


- جميع الممثلين قدموا أدوارهم باحترافية ولكن هناك من تميّز بوضوح في دوره مثل يسرا يسري التي قامت بدور الزوجة والتي كانت تجعلنا نضحك بصوت عالي وهو ما يسمى "بالكوميديا السوداء" على حالها، وعمر فتحي الذي قام بدور المرابي "شايلوك"، والقاضي محمود مكرم، ومحامي الدفاع عبد الرحمن الدمسيسي.

- تميزت المسرحية باللغة العربية السليمة وسلاستها في النطق مع الممثلين.

- شهد عرض أمس إقبالا جماهيريا كبيرا حيث كان ينتظر الجمهور أمام شباك التذاكر قبل موعد العرض بساعة، وامتلأت صالة العرض ولم يستطع الدخول الكثير من الجمهور نظرا لمجانية التذاكر.

الرجل الذي أكله الورق

- أما عن فرقة "جروتيسك" وبدايتها فقال محمود مكرم أحد ممثلي المسرحية، إنها فرقة مستقلة ولكن بداية عرض المسرحية كان في كلية الحقوق جامعة عين شمس، وبعد ذلك عُرضت في أماكن مختلفة وشاركت في مهرجانات أخرى، وحصلت على جوائز مختلفة، وتُعرض المسرحية منذ شهر أغسطس 2022 وتم التحضير للمسرحية في 6 شهور.