كيف غطت آخر ساعة زلزال 12 أكتوبر 1992؟

هبة محمد علي

الزلزال، كلمة ظلت ساكنة فى قواميس اللغة لدى المصريين، يقولونها ولا بعرفون لها معنى، إلى أن أدركوا معناها جيدا فى 12 أكتوبر 1992، ففى مثل هذا اليوم منذ ثلاثة وعشرون عاما اهتزت مبانى القاهرة، بضواحيها العتيقة ، ومعها تزلزلت الأنفس، فراح الكل يبحث فى حب الحياة عن قشة ينقذ بها نفسه من موت محقق، أطفال فى عمر الزهور ذهبوا فقط بعد أن داستهم الأقدام فى زحام لحظة الهروب، فأصبحت الدقائق المعدودة التى حدث خلالها الزلزال لحظات فاصلة بين السكينة والاستقرار وبين التوتر والخوف من المجهول أو احتمال تكرار ماحدث، فامتلأت الطرقات بالسيارات والبشر فى محاولة للاطمئنان على ذويهم، بعد أن عجزت شبكة الإتصالات الأرضية  عن القيام بدورها، وحيث لم يكن للهواتف المحمولة أى وجود وقتها، وبدأت حرب أعصاب جديدة من الاشاعات التى باتت تتنبأ بل وتحدد موعدا جديدا لزلازل أخرى أكثر عنفا وتدميرا، ومعها كانت الأسر تنتقل إلى الشارع حاملة لكل ماخف وزنه وارتفع ثمنه، خوفا من انهيار منزل أو تصدع عمارة، وعاشت البيوت المصرية فى ذعر وخوف عدة أيام حتى استقرت الأوضاع، واستقرت معها قشرة الأرض.

(8)

تجربة الزلزال بكل ماتحمل من مآسى كانت صادمة أيضا لصحافة تلك الفترة، التى بالطبع لم تكن تستعد لتغطية كارثة كبيرة بحجم كارثة الزلزال، ولكن برغم قلة الإمكانيات، وعدم وجود وسائط تكنولوجية تسهل المهمة على الصحفيين فى هذا الوقت، فقد كانت أعداد المجلات الصادرة بعد حدوث الأزمة بمثابة وثيقة أرخت لهذا اليوم سواء بقصص انسانية محفورة فى الذاكرة حتى يومنا هذا، أو تغطية خبرية متميزة تعطى انطباعا جيدا عن حال صحافة التسعينيات.

(11)

وبين يدى العدد رقم 3026 من مجلة (آخر ساعة) والتى تصدر عن دار أخبار اليوم حتى اليوم، العدد الذى كان ثمنه لا يتجاوز 75 قرشا وقتها، صدر بتاريخ 21 أكتوبر 1992، وقد نوهت المجلة فى الافتتاحية أنها لم تستطع فى الأسبوع الماضى سوى أن تتناول بعض آثار الزلزال لأنه حدث والمجلة ماثلة للطبع، لكنها حولت هذا العدد إلى وثيقة ترصد كل ماجرى فى الأسبوع الحزين من تاريخ مصر، ودعت قرائها إلى الاحتفاظ به .. وقد كان.

(7)

فى كل صفحة من صفحات المجلة التى كان يرأس تحريرها محمد وجدى قنديل ، تشعر بمجهود حقيقى بذله كاتبها لكى يخرج موضوعه بهذا الشكل من الإتقان والحرفية، كانت المجلة البالغ عدد صفحاتها ستون صفحة قد خصصت صفحاتها الأولى لصور الرئيس مبارك بعد أن قطع رحلته إلى الصين ليتابع أثار الكارثة عن قرب، وقد لعبت الصورة دور البطولة فى تلك الصفحات، مابين صورته وهو يترأس اجتماع مجلس الوزراء لمناقشة تداعيات الأزمة، وأخرى وهو يتفقد المصابين فى المستشفيات، أما الصفحة الثالثة فقد احتوت على صوره مع رؤساء وملوك الدول الذين قدموا لتقديم واجب العزاء والمساندة المادية لمصر.

(2)

الوزراء تحدثوا لآخر ساعة كلُ عن خطته فى مواجهة الأزمة، كما أفردت المجلة حوارا أجرته الصحفية سهير الحسينى مع وزير التعليم الدكتور حسين كامل بهاء الدين تحدث خلاله عن كل ماشغل بال أولياء الأمور وقتها، و إذا كانت التغطية الخبرية للمجلة كانت عاملا مهما فى اقتناء العدد فى زمن لم يكن للتوك شو فيه أى وجود، فإن القصص الإنسانية المصورة التى امتلأت بها صفحات المجلة كانت عاملا فى بقاء العدد على قيد الحياة حتى يومنا هذا.

(6)

عاشت آخر ساعة لحظات عزال المتضررين إلى مساكن الإيواء، ورصدت كاميرتها ملامح هؤلاء المتضررين اللذين بدى على وجوههم الترقب والخوف من المجهول، كما حاورت الصحفية ثناء رستم المعجزة أكثم سيد اسماعيل الذى عاش مع الموت 82 ساعة تحت الأنقاض لم ينقذه خلالها سوى قطرات بوله، روى أكثم خلال الحوار مشاهد يعجز عن تحملها طاقة البشر، كما حكى كيف اختطف الموت أمام عينه أمه وزجته الإيطالية (تنسيانا) وطفلته الصغيرة (سميرة)، ولم تكتفى المجلة بمحاورة أكثم الناجى من تحت أنقاض عمارة هيليوبلس، بل نشرت ملفا شديد التميز اسمته (ملف عمارة الموت) كشفت من خلاله الفساد الذى أحاط ببناء تلك العمارة والذى حول بقدرة قادر ترخيصها من سبعة طوابق إلى أربعة عشر طابقا، كما نشر الملف صورة لمالكة العقار كاملة عوض التى اختفت بمجرد انهيار العمارة، ورغم مايحمله الملف من مستندات وتقارير وصور، لم يغب عن الصحفى رأفت بطرس معد الملف لمحة ذكية نشرها تحت عنوان (أعطنى عمرا وأرمنى فى السجن) نشر من خلالها قصة بواب العمارة المنكوبة محمود عبد ربه، الذى كان يعمل بوابا بها لمدة خمسة عشر عاما واتهمه أحد سكان العمارة بسرقة مجوهرات وأموال من شقته قبل الكارثة بيومين ليتم حبسه على ذمة التحقيق، ويتم طرد أسرته المكونة من ثمانية أفراد قبل انهيار العمارة بدقائق، حيث تابعت اسرة البواب عملية الانهيار من الرصيف المقابل للعمارة.

(10)
العمارة التي تم بناءها على أنقاض عمارة مصر الجديدة

والحقيقة أن العدد ملئ بالموضوعات المتخصصة ، فعلى سبيل المثال، تابع صحفيو قطاع الأثار تأثير الزلزال على الأثار الإسلامية، وصمود الفرعونية أمامه، كما نشر صحفيو الفن تحقيقا بعنوان (الزلزال فى عيون الفنانين) لكن اللقطات الإنسانية ظلت بطل العدد، حيث عادت المجلة من جديد لتنشر لقطة انسانية من مستشفى الجلاء للولادة، القصة بطلها الدكتور حسين أبو المكارم أخصائى النساء والتوليد، الذى بقى فى غرفة العمليات أثناء الزلزال وحيدا، يستكمل عملية ولادة قيصرية كان قد شرع بها قبل حدوث الهزة بدقائق، ولم يجر مع بقية زملائه وظل ثابتا حتى انهى العملية بسلام و أخرج للدنيا طفلا اسمه محمد أكمل اليوم عمره الثالث والعشرين.

(12)

(4)

(5)

13

(1)

(3)

(9)

اقـرأ أيـضـًا:

تامر أمين عن واقعة السبكي والإبراشي : أنا مبسوط   

إبراهيم عيسى: حل مشكلة الأهلي في هذا القرار‎   

22 تصريح لهيثم عرابي في ساعة رياضة  

ضيف الإبراشي الثائر ضد السبكي.. يؤيد مبارك ويتظاهر في التحرير(!)

جماهيرية غادة عبد الرازق لن تنقذ Arab casting

ماذا يفعل الرئيس السابق للبيت الفني للمسرح في Arab Casting؟

 .

تابعونا علي تويتر من هنا

تابعونا علي الفيس بوك من هنا