أندرو محسن يكتب: فيلم تاج.. أهو البطل الخارق الذي نريده أم الذي نستحقه؟

أندرو محسن

في نهاية فيلم “The Dark Knight” (فارس الظلام) لكريستوفار نولان، الذي يعد أحد أشهر أفلام الأبطال الخارقين، تأتي على لسان إحدى شخصيات الفيلم عبارة شهيرة، عن البطل الذي تستحقه مدينة جوثام (مدينة باتمان) والبطل الذي تحتاجه، والفارق بين المفهومين كبير بالتأكيد.

نرشح لك: من القصاص إلى الترميم.. ثنائية المرشد والرئيس في فيلم “العمارة”

عرض في موسم أفلام عيد الأضحى فيلم “تاج” وهو أحدث أفلام النجم تامر حسني، ومن إخراج سارة وفيق. يُروَّج له بوصفه أول فيلم عربي عن بطل خارق، وهي معلومة خاطئة، فلدينا شخصية فرافيرو التي قدمها الراحل فؤاد المهندس، وفي المسلسلات لدينا الرجل العناب. بعد الانتهاء من مشاهدة الفيلم، دار في ذهني هذا التساؤل: أهذا هو البطل الخارق الذي نريده أم الذي نستحقه؟

تحذير: يحتوي المقال على كشف لأحداث الفيلم.

استسهال خارق

هناك أمر شديد الأهمية في أفلام الأبطال الخارقين، وهي أنها أمريكية جدًا، فأغلب الشخصيات التي تظهر في السينما حاليًا ظهرت في سلاسل القصص المصورة الأمريكية منذ ثلاثينيات القرن الماضي ولا زالت تواصل الصدور بطبعات مختلفة إلى يومنا هذا. كذلك فإن غزارة الإصدارات، جعل هناك الكثير جدًا من الأفكار الجيدة التي يمكن اقتباسها للسينما.

هكذا سنجد أنه رغم كثرة الأبطال الخارقين، فإن لكل بطل عدة أمور واضحة تميزه، لا تتوقف فقط عند أبعاد قدراته الخارقة، بل تشمل نقاط ضعفه أيضًا ومستواه المادي والاجتماعي، وكيف حصل على هذه القوى. هذه التفاصيل انتقلت إلى السينما أيضًا، على الأرجح نشاهد في أفلام بدايات الأبطال الخارقين فصولًا واضحة: من هو وكيف حصل على قواه الخارقة، استكشاف القوى وظهور الشخصية الشريرة، المواجهة بين البطل والشرير ونهاية الفيلم.

إذا انتقلنا إلى “تاج” فسنجده يضرب عرض الحائط بأغلب تفاصيل هذا البناء الواضح والمعروف، وليس لأنه في المقابل ابتكر شيئًا جديدًا بل لأن كاتب السيناريو -تامر حسني- لا يبدو أنه يدرك كيفية بناء سيناريو منطقي.

يكتشف البطل قواه الخارقة بالصدفة البحتة، وبدلًا من أن يقدم لنا السيناريو تفسيرًا للقوى الخارقة تلك، فإنه يكتفي بأن يخبرنا أن البطل ورثها عن عائلته، وأن عائلته جميعها استغلت القوى في الشر، لأسباب غير معلومة، ويبدو أن هذه القوى تظهر في سنة معينة لسبب غير معلوم أيضًا. يشدد جد تاج (أحمد بدير) أثناء تعريف تاج على أبعاد قوته بأنه سيصبح “أول بطل عربي خارق”، ويبدو من العبارة أن عالم الفيلم يحترم وجود الأبطال الخارقين الأمريكيين.

كيف أثر يُتم تاج على شخصيته؟ في الحقيقة يظهر هذا بشكل متواضع أثناء تنمر أحد المدرسين به كونه نشأ في ملجأ، لكننا لا نلاحظ أي تأثير حقيقي على الشخصية بخلاف بعض النظرات الحزينة.
يستهلك الفيلم وقتًا طويلًا في تعرف البطل على قواه الخارقة من خلال عدة مشاهد ضعيفة التنفيذ لتاج وهو ينقذ هذا وذاك، دون أن تأخذ هذه المشاهد الأحداث لبعد آخر، ودون ظهور لأي شخصية شريرة، هذه التي تظهر في الثلث الأخير من الفيلم، ويلعب دورها أيضًا تامر، في دور شقيق تاج التوأم “هارون” وطبعًا يمكننا ملاحظة دلالة الاسمين، “تاج العربي” و”هارون الخواجة”.

يمكن كتابة الكثير عن سطحية الشخصية الشريرة وأحادية شخصية تاج نفسها، ولكن هذا سيضع وقت القارئ، فيكفي أن نقول إن المؤلف لم يشاهد التحولات الكبرى التي ظهرت في أفلام الأبطال الخارقين والاهتمام بأبعاد ودوافع الشخصية الشريرة بشكل مشابه لشخصية البطل.

ذكورة خارقة

المتابع الجيد لأفلام تامر حسني، يعلم جيدًا ملامح الذكورة المفرطة التي تتواجد في أفلامه. بداية من وقوع جميع الفتيات في حبه مرورًا بضحكاتهن على عبارات أو إشارات التحرش التي يرميها يمينًا ويسارًا.

في أحد مشاهد الفيلم، يظهر تاج لحبيبته في غرفة نومها فجأة، ويرفع طرف ملابسها على سبيل المزاح، وهو ما تقابله حبيبته (دينا الشربيني) بالضحك. في فيلم “Hollow Man” (الرجل الخفي) إخراج بول فيرهوفن، نتيجة تجربة علمية على أحد الأشخاص فإنه يصبح خفيًا تمامًا، إذ كان هذا الرجل شريرًا، فإنه يستغل قواه في أحد المشاهد في التلصص على إحدى الفتيات ومشاهدتها وهي تخلع ملابسها.

يمكن تذكر هذا المشهد عند مشاهدة “تاج”، الفارق أن في “الرجل الخفي” لم يكن الموضوع مضحكًا بل كان مخيفًا ومرفوضًا، في حين أن أفلام تامر تمتلئ بمشاهد مماثلة، مثل يده التي لا يستطيع التحكم فيها فتحتضن فتاة بالكاد يعرفها في “مش أنا” لانتزاع الضحك من المشاهدين.

في حقيقة الأمر أن المضحك هو استكمال تامر في الفيلم لصورة الذكورية الشرقية، بأن نشاهده يوسع أحد الأشخاص ضربًا لأنه يتحرش لفظيًا بحبيبته، وكأنه يقول هذه حبيبتي وأنا فقط من حقي التحرش بها. وفي مشهد لاحق نستنتج أنه مارس الجنس مع حبيبة توأمه من باب الانتقام منه، لكن بالتأكيد لا يعتبر أن هذا خيانة لحبيبته هو، ولا يبدو أن هذا الفعل يكسر الصورة المثالية للبطل الخارق تاج، بل ربما يزيد من بطولته.
ونظرًا لأن صناع الفيلم لم يدركوا كيف يوظفون حبيبة البطل في الأحداث، فإنها تختفي تمامًا في الثلث الأخير، فلا يستعملونها حتى كهدف لهارون ليحاول أن يختطفها ليهدد بها تاج مثلما يحدث في أفلام الأبطال الخارقين عادة. يبدو أنهم نسوها تمامًا.

مواعظ خارقة

لا تعتقد عزيزي القارئ أن ما ذكرناه عن التحرش يعني أن الفيلم خالٍ من “الرسائل” المهمة، في الحقيقة لا يكاد يمضي مشهدان دون أن نستمع إلى مواعظ بطريقة مباشرة، مباشرة تمامًا. مثل أن يتحدث تاج في بداية الفيلم وهو يتسلم عمله كإخصائي اجتماعي في إحدى المدارس عن التأثير السلبي للموبايل على الأطفال، ويقترح “إجبارهم” على ممارسة الفنون مثلما نجبرهم على الأكل والشرب وأخذ الدواء. أو أن يعلق على عبارة “ولاد الناس” متسائلًا لماذا لا يوجد تكملة للعبارة، “ولاد الناس الكويسين” أو “ولاد الناس الوحشين”. وعندما يمر البطل بمرحلة يأس عابرة، يجد بجانبه من ينصحه قائلًا “الناس دي تقدر تؤذيك ولا ربنا يقدر يحميك؟”. ولمتحدثي الإنجليزية، يخبرهم تاج أنه يمكن تحويل حرف ال “z” في كلمة “Zero” (صفر) إلى “h” لتصبح “Hero” (بطل)!

إن عدنا للسؤال في البداية عن البطل الذي نستحقه والبطل الذي نحتاجه، فإننا سنجد أن “تاج” هو البطل الذي تستحقه السينما المصرية بشكلها المُحبِط الحالي.