نحتفل اليوم بذكرى غالية على القلوب المصرية وهى ذكرى تحرير سيناء، اليوم الذي استردت فيه مصر كامل أرض سيناء بعد انسحاب آخر جندي إسرائيلي منها وفقا لمعاهدة كامب ديفيد ما عدا مدينة طابا التي استردت لاحقا بالتحكيم الدولي في 15 مارس 1989 م. بداية الحكاية كانت بعد نكسة ١٩٦٧ عندما رفض الجيش والشعب الاستسلام وقرروا لملمت جروح الهزيمة و استجماع قواهم من جديد معلنين لا استسلام للهزيمة، وفي 8 مارس 1969 كانت انطلاق شرارة حرب الاستنزاف والتي كانت اسم على مسمى، فهى بالفعل استنزفت قوى العدو الصهيونى وزعزعة ثقته في نفسه واقلقت راحته وجعلته يدرك أن اللعب مع المصريين لا يأتي الا بالوجع والحسرة، واستطاع المصريون أن يكبدوا اسرائيل الخسائر الفادحة بنجاح، مما دفع مجلة “إسرائيل ديفينس” المهتمة بالشئون العسكرية الإسرائيلية إلى القول بان ” تل أبيب تعرضت لخسائر كبيرة خلال حربها ضد مصر”.
أما على الصعيد الفني فقد قدمت بعض الأعمال الفنية المصرية الخسائر التي ألحقها الجيش المصرى بالجانب الإسرائيلي، حيث جاء فيلم “الطريق إلى إيلات” على رأس تلك الأعمال، وتدور أحداثه حول تنفيذ مخطط لمهاجمة ميناء ايلات وتدمير سفينتين حربيتين هما “بيت شيفع” و”بيت يام” واللتان كانتا تهاجمان المواقع المصرية في البحر الأحمر بعد استيلاء القوات الإسرائيلية على سيناء، وفيلم “الممر” الذى يتناول الفيلم هزيمة 1967 وبداية حرب الاستنزاف التي سبقت انتصارات أكتوبر 1973 ويدور حول بطولات قوات الصاعقة المصرية خلال حرب الاستنزاف من خلال شخصية “نور” أحد القادة البواسل، ناهيك عن أفلام أخرى عديدة على سبيل المثال فيلم اغنية على الممر والعمر لحظة وحتى آخر العمر وبدور والوفاء العظيم وإعدام ميت وأبناء الصمت.
ظلت انتصارات القوات المصرية في حرب الاستنزاف ترفع من الروح المعنوية المصرية حتى جاء وقت الحسم وإعلان حرب أكتوبر ١٩٧٣ التي كللت بانتصار عظيم جعلها من أهم الحروب التي تدرس بالكليات العسكرية في العالم بأسره، ومهد هذا الانتصار العظيم الطريق لوقوف القيادة المصرية آنذاك على أرض قوية في مفاوضاتها مع إسرائيل لاسترداد كامل أراضي سيناء والوصول الى توقيع اتفاقية كامب ديفيد التي أنهت حالة الحرب وأعطت الحق لمصر في استرداد أراضي سيناء، وقد تحقق ذلك في ١٩٧٩ إلا أن جزء صغير أبت اسرائيل ارجاعه لمصر لأهميته الاستراتيجية وهو أرض طابا. وهنا نتساءل لماذا تمسكت إسرائيل بهذه البقعة الصغيرة جدا وما أهميتها الاستراتيجية؟
طابا هي آخر النقاط العمرانية المصرية على خليج العقبة، وهي ذات أهمية إستراتيجية وسياحية كبيرة مع أن مساحتها كيلومتر مربع واحد، ورغم صغر مساحتها الا ان اهميتها الاستراتيجية دفعت مصر للجوء إلى التحكيم الدولى لاستردادها، فقد كانت إسرائيل تحاول جاهدة الاستيلاء على طابا لتوسيع إيلات التي تعتبر المنفذ البحري الوحيد لها على البحر الأحمر ومن ثم الإشراف على طريق البحر الأحمر من سيناء إلى باب المندب، بالإضافة إلى أنها المدخل الأساسي إلى مدينة شرم الشيخ، وبالتالي مضيق تيران، وسيطرة إسرائيل عليها تتمكن من مراقبة المنطقة واستخدامها كوسيلة ضغط على مصر فمن خلالها يمكن عزل شمال سيناء عن جنوبها. لذلك عند تطبيق معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية حدث خلاف على تعيين مكان بعض علامات الحدود التي تلاشت، وحاول الإسرائيليون تحريك بعض هذه العلامات داخل الأرض المصرية للاستيلاء على طابا لذلك اتفق الطرفان مصر وإسرائيل على مبدأ التحكيم الدولي.
في 29 سبتمبر 1988 أصدرت هيئة التحكيم التي انعقدت في جنيف حكمها لصالح الموقع المصرى لتعيين موقع علامة الحدود، وفي 15 مارس 1989 تسلمت مصر منطقة طابا وعادت إلى سيادتها. وبذلك اصبحت كامل اراضى سيناء تحت سيطرة السيادة المصرية، فمصر لا يمكن أن تفرط في ذرة رمل من رمال الأراضى المصرية مهما كلفها الأمر.