ظاهرة "الفوود بلوجينج" في مصر.. تجارة مربحة أم شغف حقيقي؟

دنيا شمعة  الفوود بلوجينج

مع تصفح مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة يوميا نجد بين كل 4 فيديوهات أو فيديوهات قصيرة “ريلز”، فيديو واحد على الأقل لـ “فوود بلوجر- food blogger” يرشح مطعم ما لمتابعيه ويعدد لهم أصنافه المميزة هناك بناءً على تجربته، ومع اقتراب شهر رمضان أصبح هذا النوع من الفيديوهات كما لو أنه يلاحقنا في كل مكان.. فبين فيديوهات بعنوان “تفطر فين مع عيلتك في رمضان؟” وأخرى بعنوان “أماكن مستخبية للسحور وسهرات رمضان” وغيرها عن “أفضل 5 أماكن للكنافة في القاهرة”، أصبحنا نشعر أن صناعة المحتوى في مصر باتت تشبه مجمع مطاعم في مول تجاري كبير يتنقل فيه الجميع من مطعم لآخر.

لذا قمنا في “إعلام دوت كوم” باستطلاع رأي عشوائي مع 15 شخصا تتراوح أعمارهم بين 22 و 35 عاما، دارت أسئلته عن فكرتهم عن مصطلح الـ “فوود بلوجر” وتأثير محتواهم عليهم بشكل مباشر، فكانت النتيجة أن هناك 4 أشخاص لا يعرفون معنى المصطلح وليس لديهم فكرة عن المحتوى الذي يتم تقديمه وبالتالي لا تتأثر اختياراتهم للمطاعم أو المقاهي التي يجربوها بأرائهم.

و7 أشخاص كانوا بالفعل لديهم اطلاع جيد عن ما يعنيه المصطلح وعددوا أسماء مختلفة يتابعوها على مواقع التواصل الاجتماعي وتؤثر أرائهم في أي مطعم على اختياراتهم، و4 أشخاص انحصرت فكرتهم عن الفوود بلوجر أنه شخص ليس لديه مهنة حقيقية ويقوم بتذوق الطعام نظير مقابل مادي، وقد يقع اختياراهم للمطاعم أحيانا بناء على ترشيحه.

أصل المصطلح

لكن وعند البحث عن التعريف الأدق لمصطلح “فوود بلوجينج- food blogging”، اكتشفنا أنه ليس أساسا المصطلح المناسب لوصف ما يتم ممارسته تحت تلك المظلة في مصر حاليا، حيث يعد هذا المصطلح نوعا من أنواع صحافة الطعام التي تربط بين اهتمام الذواقة بالطعام وكتابة المدونات والتصوير الفوتوغرافي للطعام، وهذا بالفعل ما بدأ عليه حال هذا المجال في مصر، لكن حاليا ومع سيطرة شكل الفيديوهات والريلز على هذا المحتوى، فالأدق أن يُقَدَّم هذا المحتوى تحت مسمى “فوود ڤلوجينج- food vlogging”.

وبعد تحديد ماهية الـ”فوود بلوجينج- food blogging” أو الـ “فوود ڤلوجينج- food vlogging”، كان لابد أن نلقي نظرة أكثر قربا وخصوصية على هذا المجال في مصر، الذي أصبح مؤخرا محلا للانتقادات لاعتبار البعض له مجرد وسيلة للشهرة والمكسب السريع، خاصة بعد انتشار معلومات عن المقابل المادي الذي يتلقاه بعض المعروفين في هذا المجال مقابل زيارة المطعم الواحد وتقييم الطعام فيه، والذي يتعدى عشرات الألاف من الجنيهات.

الحقيقة.. بلسان المدونين

مجال الفوود بلوجينج في مصر يشمل 3 عناصر رئيسية محركة، وهم المدون، وصاحب المطعم أو المنتج، والمستهلك، وغالبا ما يشمل عنصر رابع وهو أخصائيين التسويق للمطاعم والمقاهي؛ سبق وذكرنا رأي المستهلكين في تأثير المدونين على أرائهم بشكل مباشر وفكرتهم عن الفوود بلوجينج بشكل عام، ونستعرض فيما يلي ردود وتوضيحات من مجموعة متنوعة من مدونين الطعام المعروفين في مصر خلال الفترة الأخيرة:

قال أشرف يسري (مهندس ميكانيكا وصاحب صفحة foodie engineer لتدوين الطعام على إنستجرام يتابعها 133 ألف شخص) لـ إعلام دوت كوم، إنه بدأ صفحته عام 2019 بسبب حبه في برنامج “الأكيل” لمراد مكرم، ورغبته في تقديم محتوى مشابه، وحاول خلال السنوات الماضية تنظيم وقته بين عمله في الهندسة وشغفه لتدوين الطعام، لكنه لم يفكر أبدا في تحويل شغفه لعمل أو مصدر رزق أساسي.

أضاف: “لكن للأسف من سنتين تقريبا بقى في ناس كتير بدأت الموضوع ده مش حبًا فيه، لكن لأنهم شافوا انه بيجيب فلوس ودلع وأغلب الوقت أكل ببلاش، ومنهم خدها شغل أساسي لأن ربنا رزقه بمشاهدات عالية، وبالتالي سعرهم بقى عالي جدا فلو عملوا 3 ريفيو في الشهر يبقى عمل مبلغ يكفيه وزيادة، وده مش كل الناس طبعا”.

وعن أساس موافقته أو رفضه للمطعم الذي يُعرَض عليه زيارته، أوضح: “أنا بحاول أساعد كل الناس وغالبا مش بقدر أقول لحد لأ، وفي ناس كتير بتطلب نساعدهم بدون مقابل لأنهم لسة بادئين وبعمل ده عادي لأن الأساس عندي مش مادي”.

أشرف يسري صاحب صفحة foodie engineer
أشرف يسري صاحب صفحة foodie engineer

مهنة.. أم شغف؟!

بينما قال مصطفى علاء الدين (مهندس معماري وصاحب صفحة ebn aladdin لتدوين الطعام على إنستجرام يتابعها 195 ألف شخص)، إنه اكتشف شغفه بتدوين الطعام وزيارة الأماكن المختلفة خلال فترة دراسته بالجامعة، وبعد التخرج لم يتأقلم مع الحياة العملية في مجال الهندسة فقرر دراسة التسويق، لذا يعتبر عمله بالتسويق وتدوين الطعام والسفر هو عمله الأساسي، وعمله كمهندس حر هو عمله الجانبي.

أوضح أنه خلال رحلته في استكشاف المطاعم لم يفضل أن تكون كل فيديوهاته بمثابة إعلانات لمطاعم فقط، بل بالعكس عدد كبير من أنجح فيديوهاته كانت لمطاعم لم تطلب حضوره من الأساس ولا يهتموا بالتسويق لنفسهم على السوشيال ميديا، كمطعم يقدم الكبدة الجملي في منطقة كرداسة.

أضاف: ” في ساعات بيحصل مثلا ومطعم كنت عامله إعلان واكتشفت بعدها إن الخدمة الكويسة كانت ليا بس، بسيب التعليقات السيئة على الفيديو لأن بشوف إن ده غباء من صاحب المطعم لأنه كده بيضحك على نفسه، لأن الناس هتروح وتجرب وتكتب كومنت سيء عن المكان ومحدش هيكرر التجربة، وساعات كتير جدا بمسح الريفيو من عندي أصلا لو ثبت فعلا إن المكان وحش، لأن الناس اللي بتتابعني ليهم فضل عليا ومقبلش ده”.

تحديد المقابل المادي

أما عن المقابل المادي الذي يتلقاه أي مدون طعام وكيفية تحديد قيمته، أوضح “ابن علاء الدين” أن كل شخص في هذا المجال يحدد قيمة معينة لنفسه ومجهوده، لكن تحديد ما إذا كان هذا المقابل مبالغ به أو لا، يعتمد على العائد والربح الذي سيحصل عليه صاحب المطعم بعد تعاقده مع هذا الشخص، لذا فهذا المبلغ هو نتاج اتفاق بين صاحب المطعم والمدون فقط وكلاهما فقط من يستطيع التعليق عليه، معلقا: “وزي ما فيه بلوجر بياخد 80 ألف في بلوجر تاني بياخد أقل من كده بكتير جدا، وفي بلوجر تانيين صغيرين أغلبهم بينزل الأماكن ببلاش أساسا”.

تابع: “الناس ممكن تكون فاكرة إن الموضوع سهل، لكن لأ في محتوى بيتعمل والفلوس دي مش بناخدها لوحدنا دي بتتقسم مع المونتاج والتصوير ولو أنا كمان بتعامل مع شركة بياخدوا نسبة”.

وعن اعتماد بعض المطاعم بشكل كامل في سمعتهم وجذبهم للعملاء على ريفيوهات السوشيال ميديا، علق: “النوع ده من الدعايا فعلا قوي وبيجيب شغل لكن مينفعش تفتح مطعم على حس البلوجرز لازم تكون فعلا مختلف في اللي بتقدمه وفي جودته، لأن أصلا بعد مرحلة معينة لازم توقف تعامل مع البلوجرز ويبقى الناس بتجيلك مخصوص”.

كشف المصداقية

أما رؤوف وهاجر (أصحاب صفحة the couple eats على إنستجرام ويتابعها 110 ألف متابع) فتحدثا لـ إعلام دوت كوم عن تجاربهم العديدة لاستغلال شغفهم بتدوين الطعام والأماكن المختلفة من خلال الكتابة في عدد من المجلات والمواقع الصحفية المتخصصة، لكن باءت محاولاتهم بالفشل، ليقرروا تأسيس صفحتهم الخاصة عام 2015 قبل بداية انتشار المجال في مصر بهذا الشكل الحالي، ليحترفا بعدها تدوين الطعام وتصويره ومهارات التعليق الصوتي، بجانب عملهما الأساسي كمهندس كمبيوتر ومعلمة.

وعن سبب عدم اعتمادهما على الفوود بلوجينج كمصدر دخل رئيسي، أوضحا: “إحنا خلال رحلتنا أصلا الشغل اللي عملناه بمقابل، لا يصلح إنه يكون مصدر دخل ثانوي حتى مش رئيسي، بالعكس حتى إحنا صرفنا في الأول كتير جدا على المعدات اللي كنا بنحتاجها من جيبنا، لكن لو في بلوجر طلب مبلغ كبير جدا وصاحب المطعم وافق مينفعش أعلق على ده عشان هيكون هو يستحقه طالما صاحب المطعم وافق، لكن اللي بياخدوا المبالغ دي على انستجرام ممكن يكون اسم أو اسمين فقط”.

وعن الشيء الذي من الممكن أن يقضي على مصداقية الفوود بلوجر في رأيه، قال “رؤوف”: “إنه ميتصدقش وإنه يبقى كداب والفلوس هي أول همه، وكل المطاعم عنده كويسة وحلوة، بعد مرة واتنين وتلاتة الناس هتلغي متابعته ويشوفوا حد تاني يتابعوه”.

رؤوف وهاجر أصحاب صفحة the couple eats
رؤوف وهاجر أصحاب صفحة the couple eats

وبالانتقال من العنصر الثالث “المدون” للعنصر الثالث “صاحب المطعم أو المُعلِن”، تحدث إعلام دوت كوم مع محمود العدني (خريج كلية الهندسة، وشريك مؤسس في مطعمين معروفين، وصاحب صفحة adanys table على إنستجرام، وواحد من فريق مستكشفي الطعام في صفحة egyptian foodies) الذي تحدث عن رأيه في عملية تحديد المقابل المادي الذي يتلقاه المدون نظير تقييمه لمطعم ما.

موضحا أن العملية تعتمد على عدة عناصر منها تقييم البلوجر لنفسه ولمجهوده ووقته، وأيضا المخرجات التي يطلبها العميل صاحب المطعم والتي تتطلب معدات ووقت وغيرها من الأشياء، وبعدها تأتي عناصر أقل أهمية كعدد المتابعين لدى المدون ومقدار التفاعل على منشوراته، مضيفا: “لأن أنا أعرف مثلا ناس مستواها كويس وبيعملوا موضوع البلوجينج ده على جمب، فمش هاجي أنا كصاحب مطعم أطلب منهم تقييم وشغل مقابل وجبة ببلاش! ده بالعكس ممكن يجي ويصور ويدفع فلوس أحسن”.

أردف أن الموضوع كله يعتمد على العرض والطلب بين العميل والبلوجر، ومن حق الطرفين إما الرفض أو الموافقة أو التفاوض للوصول لمقابل مادي مناسب للطرفين مقابل تقييم المكان، معلقا: “البلوجر الشاطر هو بالفعل بيبقى عارف إن الرقم اللي بيطلبه ده رقمه فعلا، وإن اللي حواليه بياخدوا يا زي الرقم ده يا أكتر منه كمان”.

وعن رأيه في ما إذا كان هذا النوع من التسويق أصبح أساسيا لأصحاب المطاعم، قال: “هو مهم بس مش لا مفر منه، يعني لو عندنا خطة تسويق صح للمكان لازم يكون عندنا استخدام لكل أدوات التسويق اللي أكيد منها البلوجينج، وكمان الأداة دي بتبقى للوصول لفئة معينة من العملاء مش لكل العملاء، لكن لو أنا المطعم بتاعي بيستهدف مثلا high end clients هيبقى في الحالة دي الأفضل له الـ offline marketing”.

 

View this post on Instagram

 

A post shared by Mahmoud El Adany (@adanys.table)

العنصر الرابع والأخير

أما بالنسبة للعنصر الرابع والأخير في مجال الفوود بلوجينج وهو خبراء التسويق، تحدث إعلام دوت كوم مع خبير التسويق كريم رحيم، والذي عمل على العديد من الحملات التسويقية المتعلقة بهذا المجال، والذي أوضح أنه من الضروري في بداية عملية التسويق لأي مشروع أن يكون هناك تأسيس للعلامة التجارية وتقديمها للجمهور، معلقا: “جزء أساسي من ده حاليا هو وجود صناع المحتوى والمؤثرين خصوصا أصحاب المصداقية لأن ليهم دور كبير في ظهور البيزنس للجمهور وإثارة حماسهم، وكمان اكتساب تقييمات وترشيحات لتسهيل تجربة العملاء وتعزيز ثقتهم في المكان”.

كما أوضح أن هناك تفاوت في الأسعار بين المدونين الذي يتعامل معهم كخبير تسويق في الحملات المختلفة، وذلك حسب قوة تأثيرهم وعدد متابعينهم، لكن يظل أهم عامل يهتم به في اتفاقه معهم على أي حملة دعائية، هو جودة المحتوى وطريقة العرض وما إذا كان الشخص سيضيف للعلامة التجارية أم يقلل منها.

وأشار إلى أن إعلانات التليفزيون والإعلانات الخارجية أصبحت مكلفة جدا لأغلب أصحاب المطاعم، لذلك دائما ما يلجأوا لإعلانات السوشيال ميديا ومحركات البحث المدفوعة، لضمان الوصول للفئة المطلوبة من المستهلكين.

لذا في النهاية وبعد نظرة أكثر قربا وخصوصية على هذا المجال في مصر، نستطيع استنتاج أن هذا المجال ليس مجرد تجارة مربحة ولا حتى شغف بالطعام فقط، لكنه أصبح مهنة حقيقية في رأي الغالبية، لكن تحتاج لمزيد من المراقبة وتحديد آليات عمل لتحقيق المهنية بها كأي مهنة تستهدف جمهورا محددا.

نرشح لك: هل اقتبس “سوق الكانتو” أزياء peaky blinders؟.. مروة عبد السميع ستايلست العمل تجيب