عمرو منير دهب يكتب: شخصية اللاعب داخل الميدان وخارجه.. الفصل السابع من كتاب "نُوْسِعُها ركلاً وحُبّاً"

اللاعبون العِظام وأولئك الذي يَلقَون شعبية واسعة لأيٍّ من الأسباب، بل اللاعبون المشهورون بصفة عامة، من الصعب أن يكونوا قد حققوا إنجازات تستحق أيّاً من تلك الألقاب/الصفات دون أن تكون لكل منهم شخصية مميزة إلى جانب – وللدقة بموازاة – مهاراته على أرض الميدان. نقول شخصية مميزة وليست شخصية قوية بالضرورة، فقوة الشخصية مصطلح/تعبير لا يُستخدم عادة بدقة وإنما في الغالب إشارةً إلى شخص صارم أو متجهّم أو حتى متسلّط، على سبيل المثال.

الشخصية المميزة المقصودة قد يكون من أهم سماتها، مثلاً، القرب الحميم من الجماهير، أو ربما – على النقيض – مصادمة الجميع ابتداءً من الخصوم المنافسين ومروراً بوسائل الإعلام وانتهاءً بالجماهير نفسها، وعند لاعب مثل المصري شيكابالا (محمود عبد الرزاق) فإن الجماهير التي تتم مشاكستها ليست جماهير الخصم وحدها وإنما جماهير فريقه، جماهيره هو نفسه عندما تغضب بصورة عابرة من أداء سيء له أو للفريق بصفة عامة خلال إحدى المواجهات في أيٍّ من البطولات. مارادونا نفسه لم يسلم من مصادمة الجماهير، مع أن الأخيرة أحبّته بسبب صراحته شبه المطلقة وانتقاداته اللاذعة لا سيما عندما تطال مَن تصعب مواجهتهم على قمة السلطة الكروية الرسمية على اختلاف أشكالها وسطواتها.

نرشح لك: عمرو منير دهب يكتب: أفضل لاعب في التاريخ.. الفصل السادس من كتاب “نُوْسِعُها ركلاً وحُبّاً”

يبدو بعض اللاعبين، مثل أي من الناس في أي من نواحي الحياة، كما لو كان يفقد السيطرة على انفعالاته عندما يغدو في قمة حماسه التنافسي ونشاطه البدني الشديد، في حين يقع البعض في المقابل في فخ التصريحات اللاذعة، ومن ثم الصدام مع الإعلام بصورة خاصة، لأنه لا يملك ما يكفي من الذكاء العاطفي/الاجتماعي والقدرة على التعبير الذي يتّسم باللباقة والانضباط، وهكذا يقع ذلك الصنف من اللاعبين رغم أنفه أسيراً لقالب لا يستطيع الخروج منه فلا يرى بأساً بذلك خاصة عندما يدرك أن قالبه هذا لا يفقده جماهيريته وإنما يزيدها أو على الأٌقل يكسبها طابعاً فريداً. أليس السويدي (بوسني/كرواتي الأصول) زلاتان إبراهيموفيتش مثالاً نموذجياً في هذا السياق؟

الشخصية الحادة النزِقة، سواء داخل الميدان أو حتى خارجه، لا تمنع لاعباً متميزاً من الشهرة، بل والتربّع على قلوب الجماهير، إذا عرف اللاعب كيف يتدارك حدّته/نزقه كل مرة باعتذار/تبرير لبق فيغدو بارعاً في إظهار كيف أن تلك الحدّة ليست موجّهة باستمرار عن سبق إصرار تجاه الجماهير أو حتى الخصوم على أي صعيد قدرَ ما هي انفعال عفوي لا يعمد اللاعب إلى إخفائه من باب التصنّع.

ولكن الحدة ليست هي أخطر ما يواجه شخصية اللاعب في الميدان وخارجه من الصفات المؤثرة على جماهيريته وشهرته جنباً إلى جنب قدراته الفنية، بل هي على العكس كما رأينا قد تكون عاملاً أساساً في ترسيخ جماهيرية وشهرة اللاعب. الأخطر تأثيراً من الحدّة على مكانة اللاعب وشهرته هي جاذبية شخصيته بصفة عامة، وليس هذا مقام الحديث عن تفاصيل ما نعنيه بجاذبية الشخصية أكثر من القول بأنها التأثير الطاغي الذي يجعلها حاضرة بقوة في أذهان وقلوب الجماهير، وقد عرضنا هذا الموضوع على كل حال بتفصيل متنوّع في “لوغاريتمات الشهرة”.

في معرض الحديث عن التأثير الطاغي لشخصية اللاعب بما يجعلها مقتحمة ووافرة الحضور لدى الجماهير، ومن ثم أكثر شهرة من غيرها، سنكتفي هنا بمثالين للاعبين افتقدا تلك الصفة، وإن يكن اللاعبان ليسا متماثلين في الطباع بالضرورة ولكنهما متشابهان من ناحية القدرات الفنية العالية والأداء المؤثر مقابل حضور وشهرة لا يرقيان بأي منهما إلى مصاف النجم الأول في الفريق.

لوكا مودريتش وأنخيل دي ماريا، الاثنان بارعان ومؤثران بقوة في الميدان، ليس من خلال الاستئثار بإحرازهما الأهداف وإنما عبر تقديم خدماتهما لزملائهما وللفريق طوال المباراة على كل صعيد بما يدفع لبلوغ الغاية الأسمى ممثلةً في حسم النتيجة لصالح الفريق. لكن لسببٍ ما، أميل كما سلفت الإشارة إلى اختصاره في الشخصية الأقل (نسبياً) طغياناً واقتحماً للآخر/الجماهير، فإن دي ماريا ومودريتش يحتلان لدى جماهير الكرة مرتبة تقع مباشرة تحت منزلة النجوم الأوائل من طراز كريتسيانو رونالدو ولوينيل ميسي ونيمار على سبيل المثال. ذلك دون إغفال التباين الطفيف في مكانة/شهرة كلا اللاعبين قياساً إلى الآخر بناءً على أداء وإنجازات كل منهما، وهو ما يصب لصالح مودريتش صاحب العديد من الألقاب الفردية الثمينة المتوّجة بلقب أفضل لاعب في العالم سنة 2018.

إذا كان المدرب المتميز الناجح يحتاج بجانب قدراته الفنية إلى شخصية “قوية”، بحسب الوصف الشائع إشارة إلى الصرامة تحديداً، فإن اللاعب الذي يطمح إلى أن يكون مشهوراً – بصرف البصر عن طبيعة شهرته – يحتاج بجانب قدراته الفنية العالية إلى صفات مميزة على الصعيد الشخصي (داخل الميدان أو خارجه) أو حتى على صعيد طريقة اللعب.

القدرات الفنية العالية والأداء الرفيع لا يضمنان وحدهما ترسيخ صورة اللاعب ومكانته في وجدان الجماهير، ولكن الأخيرة على كل حال تتّخذ لمن تحبهم من اللاعبين صوراً خاصة من صنعها وتجعلهم من ثم يتوسّدون أفئدتها.

رونالد نازاريو (الملقب بالظاهرة) لم يكن على الأرجح يملك أية صفة مميزة على الصعيد الشخصي لافتة لأنظار الجماهير، لم يكن حاداً مصادماً ولا لطيفاً بالغ الوداعة، لم يُشتهر بالوسامة أو حتى الطلّة المميزة التي تجعله مختلفاً عن أي وجه يمكن أن تلمحه في الشارع فلا تلقي له بالاً. لكن براعة الظاهرة البرازيلي وأداءه الاستثنائيان حملا عشاق الكرة على رسم صورته الأسطورية الخاصة في وجدانهم، بل للدقة أخذ أولئك العشاق صورة لاعبهم الأثير كما هي وحفظوها حبّاً وكرامة وأدخلوا تفاصيلها في القاموس المصوّر لملامح المشاهير المحبوبين.

هكذا إذن، يمكن أحياناً لأسطورة الشهرة/الجماهيرية أن تتجسّد بوضوح بعيداً عن امتلاك اللاعب أية سمات فائقة أو مميزة في شخصيته، ولكن شريطة أن يكون في المهارات والقدرات الفنية من التفوّق والتميّز ما يشكِّل تعويضاً مُرضياً لسطوة/تميّز الصفات الشخصية للّاعب داخل الميدان وخارجه.

للتواصل مع الكاتب من خلال الإيميل التالي: ([email protected])