احتفى بها "جوجل"| كريمة مختار.. وجه ملائكي أصبح رمزا للأمومة

إسلام سيد

كريمة مختار.. صاحبة الوجه الملائكي والصوت الدافئ والضحكة الصافية والنظرة المشعة بالحنان التي تصدر الدفء والأمومة على الشاشة، اخترقت القلوب ورسمت صورتها في الذاكرة، فهي من الفنانين القلائل الذين استطاعوا ترسيخ صورة ذهنية عنهم لدى المشاهد لدرجة حوّلت الواقع الافتراضي الذي يحدث على الشاشة لصورة حقيقية يصدقها الناس، لتصبح “الأم الافتراضية للمصريين” كما وصفها الناقد طارق الشناوي، إذ قدمت دور الأم على مدار مسيرتها الفنية التي امتدت لخمسين عاماً.

في الغالب يتم انتقاد الفنانين الذين حصروا موهبتهم في دور واحد، ويطلقون عليه سجن الموهبة، ولكن هذا التحدي خاضه فنانون استثنائيون قدموا نمطًا واحدًا طوال مسيرتهم وتقبله الجمهور بل ووضعوا بصمة فنية مميزة أمثال أمنية رزق وإسماعيل ياسين وشارلي شابلن، فكريمة مختار فنانة استثنائية نجحت في تحقيق هذه المعادلة الصعبة بالنسبة لدور الأم، ومن أهم عوامل نجاحها:

نرشح لك: كريمة مختار.. “الأم” التي نشاهدها بلا ملل

(1) شخصية غنية بالتفاصيل

شخصية الأم لا تكاد تخلو من أي قصة، حيث الدراما تعكس الواقع، وهذه الشخصية الواقعية لها كاريزما وجاذبية خاصة، فهي شخصية جذابة وغنية بالتفاصيل يمكن أن تضعها في أي قالب درامي، مما جعلها فنانة غير قابلة للتصنيف، إذ قدمت الأعمال الكوميدية من خلال “زينب” الأم شديدة الطيبة التي تحاول استعادة زوجها قبل أن يهجر البيت في إطار كوميدي شيق في مسرحية “العيال كبرت”، و”كريمة” في “يارب ولد”، و”زينب” في فيلم “الحفيد” على نفس الشاكلة، وقدمت التراجيديا من خلال الأم التي اعتقلها الاحتلال الإنجليزي فيعتصر قلبها خوفاً على طفليها الذين تركتهما بالمنزل في أول أدوارها السينمائية، و”أم محمود” التي تقاسي من عقوق ابنها لها ولوالده في فيلم “وبالوالدين إحساناً”، و”كرامات” السيدة الصالحة التي تتولى تربية سعد اليتيم بعد مقتل أبيه على يد عمه، “أم حمدي” في فيلم ” نحن لا نزرع الشوك”، وغيرها من الأدوار الخالدة التي قدمتها على مدار نصف قرن، بالإضافة إلى دور أم سيدنا موسى الذي وصفته بأحب الأدوار إلى قلبها حيث نال إعجاب والدها رغم رفضه لعملها بالتمثيل فكان سبباً للصلح بينهما.

في حوار لها مع الإعلامي محمود سعد عندما سئُلت عن السبب الذي جعلها تستمر في تقديم دور الأم دون أن يصيبها الملل من التكرار، قالت: “في العمارة اللي ساكن فيها مش هتلاقي أم شبه التانية”، في إشارة منها إلى أن سر تقبل الجمهور لنفس النوعية من الأدوار هو طبيعة الشخصية الساحرة التي تراها وتقابلها في كل بيت مصري، بالإضافة إلى أن هذه النوعية تحمل في طياتها تفاصيل لا يشبع منها المشاهد، فإن تشابهت في النوع فإنها تختلف في الموضوع ما بين كوميدي وتراجيدي وتاريخي، وإن تشابهت في الموضوع فيمكن أن تختلف في الأداء والجانب الإنساني الذي تعرضه من الشخصية.

(2) الوجه الملائكي

امتلكت كريمة مختار نوع خاص من الجمال، وجه بسيط يحمل من البراءة والقبول، ما يلهم رسامي البورتريه لتقديمه كرمز للأمومة، تشبه الأم المصرية العادية التي تراها وتقابلها كل يوم، هذا الجمال الشرقي بعيدًا عن مواصفات الجمال الأوروبي يعطي مصداقية للدور، فصنعت دمية لها وبورتريهات تباع كهدايا في عيد الأم بعد نجاحها منقطع النظير في أداء شخصية “ماما نونا” ليصبح اللقب المفضل لها، كما أن تعبيرات وجهها تستطيع أن تجسد أقصى درجات الألم والحزن التي تعصر القلوب، وكذلك تستطيع أن تقدم كوميديا خفيفة تقوم على شخصية الأم بالفطرة، فهي صاحبة وجه ملائكي ونظرة حانية تبعث البهجة والدفء عندما تبتسم، و تعصف بالقلب حزناً عندما تبكي.

(3) محور الأحداث

تجذب الانتباه إليها مهما كان حجم الدور، إذ تدور حولها الأحداث، فدورها هو المحرك الرئيسي للأحداث حتى لو مشهد واحد، فمثلاً في فيلم “مهمة صعبة” لا يتخطى ظهورها على الشاشة عشر دقائق، لكنها تمثل نقطة التحول التي قلبت الأحداث رأساً على عقب، فعندما يعلم البطل المسجون ظلماً بخبر وفاة والدته، يفقد أخر أمل له في الحياة ويتحول إلى تاجر مخدرات، وفي فيلم “ساعة ونص” أشارت في حوار لها إلى أن الدور صفحة واحدة في السيناريو إلا أنه من أهم الأدوار في مسيرتها الفنية، فما زال الجمهور يتداول المقطع كأحد أعظم المشاهد في تاريخ السينما المصرية.

(4) التوحد مع الشخصية

القدرة على اختيار الدور هي أساس نجاحه، حيث أوضحت أن المعيار الذي تضعه لنفسها لقبول الدور أو رفضه هو الإحساس، فهي لا تتصنع البكاء ولا تفتعل في أدائها بل تمثل بشكل فطري طبيعي يصل إلى درجة التوحد مع الشخصية، لذا قالت إن دور “أم محمود” في فيلم “وبالوالدين إحساناً” من الأدوار التي أتعبتها نفسياً، واستغرقت فترة لتتخلص من “الأثار الجانبية للشخصية”، وكذلك دورها في فيلم “ساعة ونص” أوضحت أنها تأثرت بالشخصية وعايشت تفاصيلها النفسية، لتصل إلى حالة التقمص الكامل.

(5) ماما كريمة

حب الناس لا أحد يستطيع فك شفراته، ولا يستطيع منحه أو منعه إلا الله، تمتعت كريمة مختار بقدر هائل من حب البسطاء، فكانت تداوم على توزيع الأطعمة والهدايا للفقراء والمحتاجين في منطقة الدراسة بحي الجمالية لذلك قرر ابنها معتز الدمرداش إقامة العزاء في مسجد الشرطة بحي الجمالية، ليتمكن البسطاء من محبيها من الحضور، كما روت “أم أشرف” حارسة المقابر -سيدة مسنة جاءت من الفيوم وهى صغيرة كى تعمل لمساعدة زوجها- أن كريمة مختار كانت تزورها وتساعدها بمبلغ شهري، وتمازحها وتعاملها بحميمية كصديقة، حتى وهي مستلقية على فراش الموت أوصت ابنها شريف برعايتها ومساعدتها بمبلغ شهري، مضيفة أن الفقراء يتجمعون حولها في كل زيارة فتعطيها “اللي فيه النصيب” لتوزعه عليهم، على الجانب الأخر كانت تلقب بين الوسط الفني بـ”ماما كريمة”، إذ تربطها علاقة طيبة بالجميع، لم تسئ إلى أحد ولم تقارن بينها وبين فناني جيلها، حيث عاصرت أجيالًا مختلفة شهدوا لها جميعًا بالفضل كـ”أم” للجميع.