معتز نادي يكتب: الإعلام حول العالم في 2023.. هل هو عام المخاوف؟

الإعلام حول العالم في 2023

إذا كنت في صالة تحرير إعلامية فأنت أمام تحديات عدة أبرزها “التريندات” ولغة أرقام المشاهدات لضمان بقاء وسيلتك في صدارة المشهد.

يبدأ التفكير في طبيعة المحتوى المقدم للجمهور؛ خاصة وأن الأخبار باتت متشابهة لدى الجميع، وهو ما قد يؤدي إلى نفور المتابعين أو تجمعهم بغزارة كل ما يثير الجدل.

نرشح لك: على غرار يوتيوب.. تويتر يُعلن عن خاصية رؤية عدد مشاهدات التغريدات

في أحدث دراسة نشرها معهد رويترز للصحافة بدعم من مبادرة أخبار جوجل، تظهر العديد من الاتجاهات والتوقعات التي قد تمكن صناع القرار وهيئات التحرير وجميع عناصر المؤسسات الإعلامية من رسم ملامح العام الجديد 2023 عند تواصلهم مع الجمهور المستهدف.

الدراسة تعتمد في منهجيتها على استطلاع توقعات 303 مشاركين من 53 دولة وإقليمًا، وشغلوا مناصب عليا في قطاعات (تحريرية أو تجارية أو إنتاجية) في شركات النشر التقليدية أو الرقمية، وكانوا مسؤولين عن جوانب من الاستراتيجية الإعلامية الرقمية في مؤسساتهم.

تضمنت الدول والأقاليم الـ 53 الممثلة في الاستطلاع أستراليا ونيوزيلندا وتايوان وهونغ كونغ وسنغافورة وتايلاند وكوريا الجنوبية وفيتنام واليابان ونيجيريا وجنوب إفريقيا وزيمبابوي والإكوادور وكوستاريكا ونيكاراغوا وفنزويلا وأوروغواي المكسيك، البرازيل وكولومبيا وروسيا، لكن الأغلبية جاءت من المملكة المتحدة والولايات المتحدة أو دول أوروبية مثل ألمانيا وإسبانيا وفرنسا والنمسا وفنلندا والنرويج والدنمارك وهولندا وكذلك بولندا والمجر وسلوفاكيا ولاتفيا و أوكرانيا من بين دول أخرى.

تتنوع وظائف المشاركين في الاستطلاع بين رؤساء تحرير ومحررين تنفيذيين، ومديرين عموم ورؤساء محتوى رقمي ومديرين إنتاج وتطوير وابتكار في مؤسساتهم.

وكان أكثر من نصف المشاركين من مؤسسات إعلامية ذات صبغة مطبوعة (53٪)، وحوالي الربع (24٪) يمثلون وسائل الإعلام الرقمية، وخمسهم (20٪) من الوسائل الإعلامية ذات الصبغة التجارية أو الخدمات عامة، و 3٪ أخرى أتوا من شركات B2B (أي تتعامل شركة مباشرة مع شركة أخرى) أو وكالات الأنباء.

وفقا لملخص النتائج، 2023 سيكون عامًا من المخاوف المتزايدة بشأن استدامة بعض وسائل الإعلام على خلفية التضخم المتفشي، والضغط العميق على إنفاق الأسر.

الأزمة بين روسيا وأوكرانيا والتأثير المدمر المتزايد للاحتباس الحراري، إلى جانب الآثار اللاحقة لوباء كورونا، تدفع إلى الخوف وعدم اليقين لدى العديد من الناس العاديين.

في ظل هذه الظروف غالبًا ما ازدهرت الصحافة، لكن الطبيعة الكئيبة والقاسية للأجندة الإخبارية تستمر في إبعاد الكثير من الناس، وفقًا للدراسة التي تتساءل: “هل يمكن أن يكون هذا هو العام الذي يعيد فيه الناشرون التفكير في جهودهم لمواجهة التحدي المزدوج المتمثل في تجنب الأخبار وفصلها لتقديم المزيد من الأمل والإلهام والمنفعة؟”.

في اعتقادي أن كل هذا الحديث لا يمكن إغفاله دون النظر إلى منصات التواصل الاجتماعي التي باتت مؤثرة على مؤسسات إعلامية في طرق تقديم محتواها.

ما ينبغي إدراكه جيدًا- من وجهة نظري- لدى المؤسسات الإعلامية هو إعطاء الأولوية لنافذتها أولًا (صحيفة، إذاعة، قناة، موقع… إلخ)، بحيث يكون جمهورها المستهدف هو الزائر الأول لها ولا تترك نفسها فريسة لتحكم مواقع التواصل الاجتماعي، وخير مثال على ذلك ما حدث في خدمة “المومنت” التي كانت تتيحها “تويتر ” للمنصات الإعلامية لتقديم محتواها والحصول على متابعات زائدة تتحقق في المشاهدات والانتشار.

لكن بعد طوفان إيلون ماسك الذي ضرب العصفور الأزرق، غابت هذه الخدمة عن منصات إعلامية عدة وبالتالي باتت تدور في فلك تحدي المشاهدات التي يمكن قياسها مع كل تغريدة تنشر.

التحدي أيضًا تواجهه منصات التواصل الاجتماعي من الجيل الأول مثل “فيسبوك” و”تويتر”، إذ وفقًا للدراسة الحديثة ستكافح للاحتفاظ بالجماهير حيث يشعر كبار السن بالملل، بينما يهاجر المستخدمون الأصغر سنًا إلى شبكات جديدة مثل”تيك توك”، وهو ما يمكن قياسه في دائرة معارفك.

مثل هذه الأمور قد تعطي نظرة مغايرة لدى المؤسسات الإعلامية في محاولة منها للبحث عن المحتوى المفيد والخدمي للمجتمع خاصة مع تنوع شرائحه من الأطفال للشباب والكبار، لربة المنزل والطالب ودكتور الجامعة، للمهتمين بالرياضة لعشاق القراءة والكتاب، وغيرها من التصنيفات التي يمكنك صياغتها من نتائج التحليلات المتاحة لديك بصورة دورية، والكلام هنا لكل من يعمل في الإعلام وصناعة المحتوى.

لم تعد أيضًا التحديات تقف عند لغة الأرقام والمتابعات، بل باتت تشمل الذكاء الاصطناعي فيما ترى الدراسة من بين سطورها أنه “يوفر الفرصة للناشرين (أخيرًا) لتقديم المزيد من المعلومات”، لتضيف بعدها: “لكن هذه التقنيات الجديدة ستجلب أيضًا أسئلة وجودية وأخلاقية، إلى جانب المزيد من المنتجات المزيفة العميقة والإباحية العميقة ووسائل الإعلام الاصطناعية الأخرى”.

لم تنس الدراسة الإشارة إلى أهمية الإلمام بالتحول الرقمي للمؤسسات الإعلامية معتبرة أن غياب تبني ذلك الأمر سيجعلها “في وضع صعب للغاية”، وهو أمر بديهي مع عالم باتت معرفة الأخبار فيه بسرعة عبر هاتفك الذي ربما تقرأ منه الآن تلك السطور.

كيف ينظر قادة وسائل الإعلام إلى عام 2023؟

هذا السؤال طرحته الدراسة التي توصلت للعديد من التوقعات وهي أن “الناشرين أقل ثقة بشأن آفاق أعمالهم مما كانت عليه في العام الماضي”، و”أقل من النصف (44٪) من المحررين والمديرين التنفيذيين والقادة الرقميين قالوا إنهم واثقون من العام المقبل، فيما أعرب حوالي الخمس (19٪) عن ثقة منخفضة”.

لكن ما هي أكبر المخاوف من وجهة نظرهم؟

أكبر المخاوف التي سجلتها الدراسة تتعلق بـ”ارتفاع التكاليف وانخفاض اهتمام المعلنين وتخفيف الاشتراكات. حتى أولئك المتفائلون يتوقعون تسريح العمال وإجراءات أخرى لخفض التكاليف في العام المقبل”.

ما الذي يمكن أن يقدمه صناع المحتوى في مؤسساتهم الإعلامية؟

من نتائج الدراسة يمكن إدراك الأمر، إذ أن “معظم الناشرين (72٪) قلقون بشأن زيادة تجنب الأخبار – لا سيما فيما يتعلق بالموضوعات المهمة ولكنها غالبًا ما تكون محبطة مثل أوكرانيا وتغير المناخ – مع 12٪ فقط غير قلقين”.

يقول الناشرون إنهم “يخططون لمواجهة ذلك بمحتوى توضيحي (94٪)، وتنسيقات أسئلة وأجوبة (87٪)، وقصص ملهمة (66٪) تعتبر مهمة أو مهمة جدًا هذا العام، وكان إنتاج أخبار أكثر إيجابية (48٪) باستجابة أقل شعبية”.

يستثمر المزيد من الناشرين في الاشتراك والعضوية في عام 2023، حيث قال غالبية الذين شملهم الاستطلاع (80٪) إن “هذا سيكون أحد أهم أولويات الإيرادات، قبل كل من الإعلانات المصورة والإعلانات المحلية”.

ترى الدراسة أنه “على الرغم من الضغط على الإنفاق الاستهلاكي، لا يزال أكثر من النصف (68٪) يتوقعون بعض النمو في الاشتراكات وغيرها من دخل المحتوى المدفوع هذا العام”.

يقول الناشرون، في المتوسط، إن” ثلاثة أو أربعة مصادر مختلفة للإيرادات ستكون مهمة أو مهمة للغاية هذا العام”. ويتوقع الثلث (33٪) الآن “الحصول على عائدات كبيرة من المنصات التقنية لترخيص المحتوى (أو الابتكار)، بزيادة كبيرة عن العام الماضي، مما يعكس ثمار الصفقات متعددة السنوات التي تم التفاوض عليها في بعض الأسواق مع عدد من الناشرين الكبار، غالبًا في سياق السياسات التي يناصرها هؤلاء الناشرون أنفسهم والتي تقدمها الحكومات أو تنظر فيها”.

مع مزيد من التشريعات المخطط لها هذا العام لتقييد المحتوى “الضار” على وسائل التواصل الاجتماعي، يشعر العديد من المشاركين (54٪) بالقلق من أن “هذه القواعد الجديدة قد تجعل من الصعب على الصحفيين والمؤسسات الإخبارية نشر قصص لا تحبها الحكومات. حوالي الثلث (30٪) أقل قلقًا و14٪ غير قلقين على الإطلاق”.

يقول الناشرون إنهم “سيولون اهتمامًا أقل بكثير لفيسبوك (-30 صافي النتيجة) وتويتر (-28) هذا العام وسيبذلون جهدًا أكبر في تيك توك (+63) وإنستغرام (+50) ويوتيوب (+ 47)، جميع الشبكات التي تحظى بشعبية لدى الشباب”.

أدى الانهيار الداخلي المحتمل لتويتر تحت إشراف إيلون ماسك إلى قول نصف المشاركين في الاستطلاع (51٪) إن “الخسارة أو الضعف المحتمل لتويتر سيكون ضارًا بالصحافة، لكن 17٪ يتبنون وجهة نظر أكثر إيجابية مما يشير إلى أنه قد يقلل الاعتماد على آراء نخبة غير تمثيلية ولكن صريحة”، حسب الدراسة التي أبرزت ظهور موقع LinkedIn بنسبة 42٪ باعتباره “البديل الأكثر شعبية”.

نظرًا لأن تأثير تغير المناخ أصبح أكثر وضوحًا، فقد أعادت صناعة الأخبار “التفكير في كيفية تغطية هذه القصة المعقدة والمتعددة الأوجه”، إذ يقول حوالي النصف (49٪) إنهم “أنشأوا فريقًا متخصصًا للمناخ لتعزيز التغطية، مع تعيين المزيد من الموظفين (31٪)”.

أقل من النصف بقليل (44٪) يقولون إنهم “يقومون بدمج أبعاد النقاش حول المناخ في تغطية أخرى (مثل الأعمال والرياضة) وقد طور ثلاثة من كل عشرة (30٪) استراتيجية لتغير المناخ لشركاتهم”.

فيما يتعلق بالابتكار، يقول الناشرون إنهم “سيضعون المزيد من الموارد في البودكاست والصوت الرقمي (72٪)، بالإضافة إلى الرسائل الإخبارية عبر البريد الإلكتروني (69٪) ، وهما قناتان أثبتتا فعاليتهما في زيادة الولاء للعلامات التجارية الإخبارية”، وهو ما يفتح الباب أيضًا لأهمية النظر إلى خدمات المجموعات الإخبارية لدى تطبيق “واتساب” و”تليجرام” المنتشرة في محيطنا المصري والعربي وجدوى الاستفادة منها خاصة مع الأخبار العاجلة.

الاستثمار في مقاطع الفيديو الرقمية وصل إلى (67٪) وارتفع أيضًا في العام الماضي، ربما بسبب النمو الهائل لـ”تيك توك”، وفق الدراسة التي أبرزت أيضًا أن 4٪ فقط قالوا إنهم سيستثمرون في الـ metaverse”مما يعكس شكوكًا متزايدة حول إمكاناته للصحافة”، وهو ما قد يثير تساؤلات حول جدواه ومدى إتقان التعامل مع تقنياته وتوافره ماديًا وقدرة المؤسسات في الإنفاق على أدواته وآليات البرمة الحاصة به.

كما تعمل الشركات الإعلامية بـ”هدوء على دمج الذكاء الاصطناعي في منتجاتها كوسيلة لتقديم تجارب أكثر تخصيصًا”، وما يقرب من ثلاثة من كل عشرة (28٪) يقولون إن “هذا الآن جزء منتظم من أنشطتهم”، مع 39٪ قالوا إنهم يجرون تجارب في هذا المجال، وهذا في ظل التطبيقات الجديدة مثل ChatGPT .

من بين الأسئلة التي حاولت الدراسة الإجابة عليها هي التعرف على التطورات الأخرى المحتملة في عام 2023، فكان من بين التوقعات أنه “ستتوقف المزيد من الصحف عن الإنتاج اليومي للطباعة هذا العام بسبب ارتفاع تكاليف الطباعة وضعف شبكات التوزيع، وقد نرى أيضًا مجموعة أخرى من العناوين الموقرة تتحول إلى نموذج متاح عبر الإنترنت فقط”. الإعلام حول العالم في 2023

كما أضافت أنه في طليعة عمليات التسريح سيكون الحضور للقنوات التلفزيونية والإخبارية “حيث يتأثر الجمهور بتعب الأخبار والمنافسة من قبل قنوات البث”، لافتة إلى أنه “يؤدي التحول الجزئي لـ Netflix إلى نموذج قائم على الإعلانات إلى زيادة الضغط على عائدات الإعلانات”. الإعلام حول العالم في 2023

ترى الدراسة أنه “في تقرير العام الماضي، توقعنا انفجارًا في الإبداع في سرد ​​القصص بالفيديو القصير في الشبكات الاجتماعية القائمة على الشباب. سنشهد هذا العام مزيدًا من الناشرين يتبنون هذه الأساليب بينما تطول مقاطع الفيديو في البحث عن عائدات مستدامة. نتوقع أن نرى تصحيحًا في الاقتصاد المبدع هذا العام”.

ورجحت الدراسة أن يتنحى ماسك عن منصبه كرئيس تنفيذي لـ”تويتر” عاجلاً وليس آجلاً ولا يمكن استبعاد تغيير آخر في الملكية، وفي الوقت نفسه، ستستمر النظارات الذكية وسماعات VR اللبنات الأساسية لـ metaverse، في جذب الانتباه، خاصة مع توقع شركة Apple للانضمام إلى هذا المضمار. الإعلام حول العالم في 2023

عينة الدراسة وتوقعاتها ربما تثير النقاش حول مدى إمكانية الاعتماد عليها لكنها قد تدفع المؤسسات الإعلامية إلى إعادة النظر في المشهد برمته واستخلاص ما يفيدها لضمان وصولها الدائم إلى جمهورها المستهدف.

الإعلام حول العالم في 2023