فيلم Blonde .. عفوًا مارلين ليست نسوية

فيلم Blonde

نورا غنيم

عام 2017 استيقظ العالم على الهاشتاج الأشهر (Me Too) أو (أنا أيضا) الذي انتشر بسرعة على وسائل التواصل الاجتماعي تنديدًا بالتحرش الجنسي الذي تتعرض له النساء في المجالات كافة، ودعمًا لضحايا العنف ضد المرأة وفضح المتحرشين من الرجال، وهي انتفاضةٌ تعتبر هي الأكبر في التاريخ ضد التحرش الجنسي بالنساء.

وقد اشتعلت الشرارة الأولى لهذه الحركة النسوية بفعل اتهامات التحرش الجنسي التي طالت المنتج الهوليودي الشهير “هارفي واينستين”، والتي فتحت الباب أمام النساء في عالم هوليوود وصناعة الميديا والترفيه للحديث بصراحة عن حجم المضايقات والاعتداءات الجنسية التي تعرضوا لها من كبار المسؤولين والمنتجين في هوليود.

وانضم للحملة عددٌ كبير من نجمات هوليوود اللواتي شاركن قصصهن مع التحرش، وعلى رأسهِنّ الممثله الأمريكية “أليسا ميلانو” والنجمة “أمريكا فيريرا” و”أشلي جود” و”روز ماكجوان”.. وبالفعل تم وضع عدد كبير من منتجي هوليود ونجومها في القائمة السوداء بتهم التحرش الجنسي.

نرشح لك: رجل و4 مشاهد.. زوج مصري حائر بين “ست البيت” و”سيدات الشاشة”

وقد دفع النجاح الكبير لحركة “Me Too” مؤسسات هوليوود الكبري لاتخاذ قرارات ضخمة لتبرئة سمعتها من اتهامات الإساءة للنساء والعنصرية بكل أشكالها.

وهكذا بدأت هوليوود مرحلة جديده من الأفلام هدفها دعم قضايا حقوق المرأه والاهتمام بإعطاء فرص أكبر للمبدعات في السينما والميديا على مستوى الأفكار والتواجد والأجور، والفصل الفوري لأي شخص مهما كانت مكانته حال ثبوت اتهامه بالتحرش بل وحتى حال سقوطه في دائرة الشبهات والاتهامات.

لكن الأمور جرت بما لم يشتهِ مؤيدو هذه الحملة العالمية، وعاد بعض الرجال المتهمين للعمل بشكل طبيعي في هوليود بعد أن فشلت مدعيات التحرش في إثبات صحة دعاويهن أمام القضاء؛ مما أثار حالة غضب النساء في هوليوود ولدى النسويات بشكل عام، وربما شعرن أن الحملة في خطر وجميع نجمات هوليود المشاركات بها غير كافيات لأشعال شرارتها من جديد؛ فقررن أن تقود الحملة هذه السنة أسطورة هوليود الخالدة “مارلين مونرو”.

وهنا أطلقت منصة “نتفليكس” فيلمها المنتظر “BLONDE” “شقراء” عن حياة واحدةٍ من أجمل جميلات العالم وهي “مارلين مونرو”.. والفيلم مأخوذٌ عن رواية بنفس الاسم للكاتب “جويس كارول” بينما السيناريو والإخراج للنيوزلندي “أندرو دومينيك”.. والبطولة للممثلة الكوبية “أنا دي أرماس” و”أدريان برودي”.

ورغم أن مدة الفيلم هي 166، أي ما يقرب من ثلاث ساعات فإن المشاهد مع الدقيقة العشرين سيدرك أن هذا الفيلم لا يحكي عن مارلين مونرو لكنه يحكي بدلا من ذلك عن امرأة بائسة انضمت مؤخرًا لحملة “Me Too” لتحكي ما تعرضت له من عنف واعتداءات جسدية وجنسية بدءا من أمها ومرورًا بكل من قابلتهم في حياتها من الرجال ووصولا لرئيس الدولة نفسه.

وهكذا اختار صناع فيلم “BLONDE” أن يقدموا حياة مارلين مونرو بأسوأ طريقة ومن أضيق زاوية وأكثرها تشوها مما يجعلها غير مقبولة جماهيريًا خاصةً مع صورة النجمة المحبوبة عند الملايين؛ حيث أسسوا لشخصية معقدة نفسيًا وجنسيًّا منذ الطفولة، إذ نراها طفلة غير شرعية “مارلين/ نورما جين” تُحمِّلُها أمها المعقدة نفسيا مسؤلية تخلي الأب عن أسرته وتعدها دائما بعودته؛ فتسقط (نورما) رغما عنها في عقدة إليكترا ويصبح انتظار الأب وآثار تخليه عنها هما محور حياتها وسببا أساسيا في كل المآسي التي عاشتها، ونجد مارلين طوال الفيلم ما هي إلا طفلة مضطربة تعيش في جسد امرأة جميلة ومثيرة.

لقد وجد السيناريست والمخرج “أندرو دومينيك” ضالتَهُ في هذا الصراع ليجعله مرتكزًا يبني عليه إظهار “مارلين مونرو” دائما كشخصية ضعيفة ومضطربة ومعدومة الثقة بالنفس، إنها ترى نفسها أضعف من الرجال، وها هي تقع فريسةً لهم دون أدنى مقاومة.. إنها تحتاج إلى أبيها ليحميها، وتبحث عنه في كل رجل تقابله.

وهكذا سار الفيلم على نفس المنوال فلم يدخر صنّاعُه جهدا ليؤكدوا طيلة الوقت وبكافة العناصر والأساليب على ضعف هذه الشخصية وقلة حيلتها وعدم نضجها وعصبيتها وخلل شهوتها الجنسية، بل وكراهيتها لحياتها في هوليوود وتقليلها الدائم من نفسها واستغلالها من الجميع.

ونظرا لضعف هذا المرتكز وخلل التناول من وجهة نظري لم أتعجب أبدا من كمية المشاهد الساذجة أو المبالغ فيها التي أقحمها المخرج السيناريست في الفيلم، لا لشيء سوى ليؤكد لنا رؤيته ويبرر أسلوب معالجته لحياة الشخصية.. فقد ظهرت بطلة الفيلم “انا دي أرماس” عارية في عدد كبير من المشاهد بلا هدف ولا مبرر درامي سوى استعراضِ لحظات جنسية خاصة جدًا في حياة مارلين مونرو، ورغبةً في التأكيد على اضطرابها الجنسي وتعدد علاقاتها.. وكذا مشاهد اغتصابها من منتجي هوليود الذين استغلوا سلطتهم في انتهاكها مقابل الحصول على فرصة سينمائية جيدة، ناهيك عن مشهد معاناتها من تفاوت الأجور في هوليوود الساذج جدا، وتكرار مشاهد عمليات الإجهاض، وصولاً إلى المشهد الأكثر سوءا في الفيلم والذي يصور علاقتها الجنسية المريبة مع الرئيس الأمريكي جون كيندي وتعامله الوقح معها.

لعله من الطبيعي جدًا لامرأه ضعيفة كارهة لنفسها وضحية لكل من حولها من الرجال أن تعيش حياتها حزينة ومكتئبة، وهكذا ظهرت مارلين بوصفها (دراما كوين) طوال الوقت، إنها تبكي لأتفه الأسباب، وتتذكر والدها المجهول فتناجيه باكية في أكثر لحظاتها سعادة ونجاح، تنادي أزواجها ب (DAdy) كالطفلة البلهاء، ويتطور الأمر بها فتسقط في الإدمان، حتى تصل لمشهد النهاية وهو الانتحار.

لكن ما هو غير طبيعي ولا فني أن يحمل فيلم يتناول شخصية استثنائية كمارلين مونرو بعض الحقائق عن حياتها الغامضة والمضطربة دون الالتفات إلى جوانب أخرى من شخصيتها فهي بالتأكيد لم تكن لتصل إلى هذه المكانة في تاريخ السينما العالمية دون ذكاء فريد وموهبة فارقة وحضور طاغٍ وعلى النقيض تماما من هذه الصورة المزرية التي ظهرت عليها في الفيلم.

كلّي إشفاق على مشاهدين هذا الفيلم، إنهم أمام ثلاث ساعات من معالجة سيئة ورتابة في عرض الأحداث وتسلسل غير ممتع على الإطلاق.. لولا قليل من الإيجابيات التي تتطلب الأمانة ذكرها وعلى رأسها الأداء الجيد لبطلة الفيلم “أنا دي أرماس” التي اجتهدت بشكل واضح لتصل لشكل الشخصية وروحها، بل وظهرت في بعض المشاهد صورة حية مطابقة لمارلين مونرو. والأداء الفريد المحكم أيضا للممثل “أدريان برودي” في دور الكاتب الأمريكي الشهير “آرثر ميللر” والذي قدمه بشكل براق وساحر منذ أول مشاهد ظهوره، رغم المعالجة الدرامية السطحية للشخصية، وربما كان السبب في إشادتنا بالأداء رغم سطحية المعالجة هو كاريزما الممثل “أدريان برودي” والتي فرضت نفسها على العمل.. ليكون هو بطل أفضل مشهد بالفيلم وهو مشهد اللقاء الأول والحديث بين “مارلين مونرو” و”ميللر”.. ويكفي أنه الشخصية الذكورية الوحيدة بالفيلم التي لم تظهر سيئة أو قاسية أو مستًغِله لها.

ومن بين الإيجابيات القليلة في هذا الفيلم تجدر الإشارة إلى خروج الـ “سينماتوجرافي” بصورة جيدة في العديد من المشاهد، حيث الانتقال من مشاهد الأبيض والأسود إلى الألوان والمحاكاة الناجحة لتفاصيل أستديوهات هوليوود في ذاك العصر ومشاهد وصور أفلام مارلين مونرو.. وهو أمر طبيعي التحقق في ظل إنتاج كبير وصنّاع صورة محترفين؛ لكنه لا يشفع لضعف السيناريو وسوء المعالجة الدرامية لشخصية “مارلين مونرو” الرئيسية في العمل.

ربما كان فيلم “BLONDE” فيلم جيد ومثالي لأهميته عند بعض الحركات النسوية في الغرب والعاملات في مجال السينما بهوليوود لأنه يدعم أفكارهم في شيطنة الرجال والتأكيد على أنه ليس هناك امرأه على وجه الأرض لم تُضطهد أو يتم استغلالها من ذَكَر.. ولسان حالهم يقول حتى مارلين مونرو عانت من هؤلاء الذكور الوحوش داخل هوليوود وخارجها.

ولكن يا تُرى ما هو رأي مارلين مونرو نفسها في الفيلم؟ هل ستحمل لافتة حملة “Me Too” وتُصفق للمخرج أندرو دومينيك؟ أم أنها سوف تنفجر في وجهه غاضبة وتخبره بأن المجد لا يصنعه الأغبياء ولا الضعفاء.. وأن مجدها وشهرتها لم يصنعهما جمالها فقط ولا خضوعها ولا استغلال الجميع لها.. بل كان خلف هذا المجد عقل ذكي وإرادة حديدية وموهبة متفردة تحدت الجميع وخاضت معاركها للنهاية حتى تحولت إلى أسطورة ليس لها مثيل ولا بديل.