أحمد أبو درويش يكتب: أسامة علام.. مروض الأفيال

أحمد أبو درويش

في كتابه الشيق “طريق متسع لشخص وحيد”، يطوف بنا أسامه علام، بين المدن التي يسكنها وتسكنه، ليلتقط بعينيه دقائق الأمور، مما يستحيل على أحد سوى الفنان رصدها.

يرصد أسامه المشاعر الإنسانية وحدها دون النظر إلى ما يشغل الناس عن تاريخ المدن وحضارتها ومبانيها وغيرها من الشكليات. لكنه دقيق الملاحظة، فماذا يمكن أن يكتب أحد حين يزور “نيويورك” ربما يكتب عن المباني الشاهقة، ناطحات السحاب، الشوارع المكتظة بالبشر والإعلانات، لكن أسامة سيلتقط الطفلة البكماء التي تقدم عرضا مذهلا بعرائس الماريونيت، سيرصد امرأة في نيوجيرسي تجلس في الشارع تمدد قدمها، وتقاوم البرد القارص، هنا تلمع عقلية أسامه وينشط قلمه، يرصد الشخوص والمشاعر والحوارات الإنسانية المليئة بالدفء والغرائب.

 

نرشح لك: أحمد أبو درويش يكتب: شكسبير يعتزل الكتابة!

 

الكتاب من الممكن وصفه بأدب الرحلات، من الممكن وصفه بالمجموعة القصصية، لكن بالتأكيد هو أعمق من هذا وذاك، إنها حكايات لقلب أسامه المرتحل بين البشر.

قد ندّعي أن هذه الكتابة الشاعرية العميقة، تخرج من عقل فلسفي مركب وكاتب محترف يصنع حبكات ويخطط لبناء قصته، لكن يصدمك أسامه بقوله إن كل ذلك لا يعنيه، “أنا أكتب لاستمتع، أكتب للونس” يقول إنه لا يخطط لقصته، لا يغزل الحبكات، ولا يهتم بصناعة هذا النوع من الأدب الذي يكلف صاحبه متاعب البناء. “أخرج من عيادتي، وأجلس على المقهى قبل عودتي للمنزل، أفتح اللاب توب. أكتب وأبكي” هذه هي خلطة أسامه السحرية، “الكتابة والبكاء”.

“ربما لا أتكلم مع الكثيرين، بحكم غربتي، بعدي عن أهلي، بعدي عن الأصدقاء، لذا أتحاور مع الورقة الإليكترونية” في طريقه المتسع، قابل أسامه عوالم عديدة، بالفعل كانت غرائبية، من بينها أن شخصا من مدينة “نيوجيرسي”، هدده بسلاحه الناري، كي يذهب ويعالج فيلة غاضبة في سيركه المتحرك!

بدأ الأمر بحيلة كاذبة ابتكرها أسامه لتهدئة طفلة أتى جدها معها لمعالجة كلبا هزيلا طاعنا في السن، وحتى يطمئنها أسامه وتتجانس الطفلة معه، ابتكر قصة أنه في الأصل طبيب أفيال. وهو الأمر الذي صدقه الجد العجوز. لكن المفاجأة أنه بالفعل شخص حالة الفيلة بأنها مكتئبة وغاضبة من القيود، التي جرحت قدمها، ولم يجد ما يفعله للفيلة الغاضبة سوى الغناء لها والجلوس أمامها بوداعة قلب يعترف أنه “يحب الحيوانات أكثر من البشر”، فكانت المفاجأة أن هدأت الفيلة الضخمة واقتربت ومدت خرطومها واحتضنت أسامه أمام عمال السيرك المترقبين لما سيحدث. ليكون بذلك مروضا للأفيال في نيوجيرسي، يتمنى لو أطلق سراح الفيلة ليجري معها في بلاد لا تغيب عنها شمس، كما يتمنى.