فادي عاكوم يكتب: ستات المدينة

في زمن اللامبالاة والإحباط والإشاعات ورمي الاتهامات هنا وهناك، أصرت مجموعة من السيدات على السير بعكس التيار، تيار أخذ بالمنطقة التي يسكن بها إلى التداعي والاهتراء، قمن بحملة واسعة لجمع سكان المدينة التي يسكن بها لتطويرها والنهوض بها من جديد لتكون لائقة بالسكن العادي كأي مجمع سكني حديث.

هذه المدينة هي إحدى مدن الشرطة التي بنيت في تسعينات القرن الماضي على كورنيش المعادي، وبسبب خلافات أو تباين بالصلاحيات بين صندوق الشرطة الخاص بالتعمير والجهات الحكومية المتعددة ومن بينها الحي، تعرضت المدينة للإهمال الشديد خصوصا وأنها قريبة من إحدى المناطق العشوائية، فتشكل وفد من أهل المدينة وبدأت الزيارات تارة للمحافظ وتارة لرئيس الحي وطبعا انهالت الوعود من كل صوب لكن لا حياة لمن تنادي.

نرشح لك: 50 كلية إعلام و50 سنة كلية إعلام!

وفي ظل الحال العامة المحبطة كان من المتوقع أن يتوقف عمل السيدات، لكن لا فإن الرفض والمماطلة تحولا إلى أداة للمطالبة بالحق مع دعم جميل من سكان المدينة ورؤوساء مجالس العمارات، حيث بدأت الأعمال تتوالى بالتدريج، فتم رفع الأسوار وطلائها، وإعادة تأهيل الإنارة ورصف الأرصفة والطرقات، والاهتمام بالشجر والمساحات الخضراء، فتحولت المدينة من ممر عادي للسكان إلى منطقة لها شكل جمالي مميز، وتطمح اللجنة التي تتابع تطوير المدينة إلى إغلاقها مع وضع بوابات لمنع الإزعاجات المتعددة، وهو مشروع قائم فعليا ويجري تجميع الأموال اللازمة لتنفيذه.

 

اللافت في تحرك ستات المدينة أنهن لم يستسلمن إطلاقا ولم يقلن أن هذه الأعمال من اختصاص الحكومة ولا دخل لنا، بل على العكس اعتبرن أن المدينة بيتهن ويجب الاهتمام به كما يتم الاهتمام بشققهن، والأجمل أنهن يتناوبن على مراقبة العمل في المدينة كل يوم دون كلل أو تعب، مما استحق التقدير من قبل جميع سكان المدينة وحتى من قبل الذين أعاقوا العمل منذ البداية ونظروا إليه نظرة سخيفة لا تستحق الاهتمام.

لو كل منطقة قامت بما قامت به ستات عمائر الشرطة لتغير وجه القاهرة كليا، فالكثير من الشوارع والمناطق لا تحتاج إلا لاهتمام القاطنين، سواء كانوا ملاكا أو مستأجرين، وبالتالي فإن الدعوة هنا لتعميم تجربة ستات المدينة على بعض المناطق الأخرى لتطوير القاهرة بكل شوارعها وأزقتها، فالنظافة والترتيب وتأمين أقل المتطلبات لا تحتاج أي جهد، بل على العكس فإنها تأتي من الجهد الجماعي التكاتفي من قبل السكان أنفسهم، وكيف سيكون الأمر لو تولت الستات الأمر بحرص المرأة المعروف على بيتها وعائلتها.

 

قد يقول البعض إن هذه المهمة ليست مهمة المواطنين بل مهمة الحكومة، والجواب نعم هذه مهمة الحكومة، لكن الحكومة المصرية بالوقت الحالي لديها كم كبير من المهمات الكثيرة ولا مانع بأن تكون المساعدة من قبل السكان أنفسهم للتذكير بالمتطلبات والطلبات طالما أن الأموال للتطوير الشامل موجودة ومتوفرة لكنها تحتاج الحافز لإخراجها من الخزنات وتحويلها إلى إنارة وحجارة لرصف الأرصفة والطرقات.

ربما لا أستطيع أن أصف لكم فرحة سكان المدينة ببعض ما تم تنفيذه، فهذا بدأ بالمشي بالممرات، وبضع الفتيات والشبان يمارسون ركوب الدراجة الهوائية، والأجمل بعض الأطفال والذين رغم عدم اكتمال الأعمال ببعض الساحات تجمعوا ليلعبوا بالكرة ورصفوا حجارة الرصيف لتكون مدرجات لهم غير مدركين بالخطأ الذي ارتكبوه بل هم فرحين بأن منطقتهم فيها ملعب ومدرجات خاصة بهم.

 

فألف شكر لستات المدينة صاحبات المبادرة التي ستظل دائما عنوانا جميلا لارداة التطوير والعيش الكريم، واللواتي اتحفظ عن ذكر أسمائهن حتى لا أسقط أي اسم منهن، ففضلهن على جميع السكان دون استثناء على الاطلاق، على أمل بأن تكتمل الأحلام بتنفيذ كل المخططات لصالح الجميع دون استثناء.