تقرير صادم : ملائكة الرحمة تحولوا إلى "شياطين" على تيك توك

تيك توك

أسماء مندور

 نشر موقع The Walrus تقريرًا رصد فيه قضية تناول الأطباء والعاملين في المجال الطبي بشكل عام لخصوصية المرضى على السوشيال ميديا، موضحًا أن تلك المواقع تهدد خصوصية المرضى، على الرغم أنه من البديهي أن تكون البيانات الطبية سرية.

انتهاك خصوصية المرضى

استهل التقرير مقدمته بذِكر مثال لأحد الأطباء، وهو جراح تجميل يدعى مارتن يوجنبورج، مقره تورونتو بكندا، اعتاد مشاركة صور ومقاطع فيديو على حسابه بإنستجرام للحالات التي مرّت عليه قبل وبعد عمليات التجميل، من بينها حالات شد البطن والصدر والأرداف وغيرها، وكلها يتم مشاركتها على السوشيال ميديا ليراها الآلاف من متابعيه.

تيك توك

المثير في الأمر أن العديد من النساء اللاتي ظهرن في منشوراته كان يتم تصويرهن بعد العملية مباشرةً تحت تأثير المخدر (البنج)، وكشفن أنهن لم يوافقن على نشر صورهن، وفقًا لدعوى قضائية جماعية قائمة في المحاكم حاليًا، حتى إن بعضهن أدركن تواجدهن على الإنترنت فقط من تحقيق أجراه صحفيو شبكة CBC الكندية.

في السياق ذاته، وجد المحققون في وقت لاحق أن الطبيب كان يستخدم شبكة سرية من الكاميرات في عيادته لإجراء عملية مراقبة صارمة وتوثيق آلاف العمليات الجراحية، دون علم مرضاه ومتابعيه.

انتشار الانتهاكات

أوضح التقرير أن نهج هذا الطبيب المسيء فيما يتعلق بخصوصية المريض على وسائل التواصل الاجتماعي ليس بالأمر الغريب في عالم “السوشيال ميديا الطبي”، حيث نجد جراحو العظام على تويتر يصفون مرضاهم الذين يشعرون بالألم المزمن بـ “المجانين”، والممرضات يسخرن من النساء، ويشكو الأطباء من “الكاذبين” وما يعرف بـ “استشارة جوجل”، ويسخرون من المرضى الذين يعانون من حالات يعجزون عن تشخيصها.

تيك توك

من أسوأ الحالات التي ذكرها التقرير كانت على تيك توك، حيث نشرت ممرضة فيديو لها وهي ترقص ساخرة من أحد المرضى على سرير المستشفى، فيما قامت إحدى الممرضات بتصوير نفسها وهي تمسك بيد مريض قالوا إنه يحتضر بسبب فيروس كورونا.

هناك مقطع فيديو آخر لشخص يبدو أنه يعاني من أزمة نفسية، بينما نشر طبيب مقيم في ميامي عن كيف “يسير على خطى العمالقة” في إشارة إلى “ممثل إباحي”، انتحل شخصية طبيب يمارس الجنس مع مرضاه.

من قَسم أبقراط للسخرية!

إن التصفح عبر العديد من حسابات وسائل التواصل الاجتماعي للعاملين في المجال الطبي يعني الخوض في ثقافة فرعية افتراضية يصبح فيها المرضى “مادة دسمة للسخرية “، ويتم انتهاك خصوصيتهم وكرامتهم بانتظام، ونظرًا لعدم وجود أي رقابة فعلية على هذا العالم الافتراضي، يكون المرضى ضحية الانتهاكات.

تيك توك

أفاد التقرير أن أكثر الفئات عرضة للسخرية في منشورات الأطباء هم النساء المصابات بأمراض عقلية والمرضى المسنين أو المعوقين أو البدينين أو الفقراء أو الذين يُنظر إليهم على أنهم “جهلة” غير متعلمين، حيث يبدو من المألوف رؤية المرضى في مواقف مماثلة في هذه المنشورات.

كل هذا يتناقض مع المبدأ الأساسي في الطب الذي يشير إلى “إخفاء المعلومات الطبية للمريض”، لأن مثل هذه المعرفة هي “سر مقدس” وفقًا لـ “قسم أبقراط”، حيث لا يزال طلاب الطب يُقسمون على مبدأ “عدم الإضرار”، بما في ذلك نشر المعلومات المشتركة بين المريض وطبيبه.

 

معيار دولي للممارسة الطبية

أفاد التقرير أن الجمعية الطبية العالمية، وهي هيئة دولية تمثل الآن 115 جمعية طبية في جميع أنحاء العالم، أصدرت في عام 1948 إعلان جنيف لـ “توحيد معيار دولي للممارسة الطبية”، حيث جاء في أحد بنود الوثيقة: “سأحترم الأسرار التي ائتمنت عليها، حتى بعد وفاة المريض”.

اليوم، حق المريض في الخصوصية محمي قانونًا في كل من كندا والولايات المتحدة. وفي حالة انتهاكه، يمكن معاقبة الأطباء وحتى سحب ترخيصهم الطبي بشكل مؤقت أو دائم. لكن على الرغم من هذا الأساس للحفاظ على السرية، فإن الوجود المتزايد للممارسين الطبيين على وسائل التواصل الاجتماعي يمثل خطرًا للخصوصية والانتهاكات.

انتهاكات قديمة

في ذات السياق، أفاد التقرير أن عرض معلومات المريض للاستهلاك العام ربما يتماشى مع بعض التقاليد التي كانت سائدة في عالم الطب، حيث استغل العاملون في مجال الرعاية الصحية حياتهم المهنية من خلال عرض جثث الأشخاص الأقل سلطة لمئات السنين.

وعلى الرغم من التقدم الذي تم إنجازه بشأن سرية المريض خلال عصر التنوير، خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر، كان من المألوف أن يدفع كل من الطلاب والجمهور رسوم دخول لمشاهدة التشريح كجزء من التعليم الطبي في أوروبا، حيث اعتبر العديد من الناس هذه الممارسة ضرورية للتقدم العلمي، لكن الأطباء استخدموا، بشكل شبه عالمي، جثث الأشخاص الأكثر فقرًا، وتمت سرقة الجثث من القبور دون موافقة ذويهم، ثم عرضها للجمهور.

عصر الطبيب المشهور

في الحقبة التي سبقت استخدام التخدير، كان الجراحون يجرون عمليات على المرضى أمام جمهور، يصل عددهم في بعض الأحيان من 700 إلى 800 شخص، وأفاد التقرير أن الجراحين بدوا “مبتهجين” مع “روح الشهرة” في عملهم، حيث كان هذا الجانب الأدائي من الطب، الذي مارسه المتخصصون ويحترمه المراقبون، هو الذي ساعد في ظهور “عصر الطبيب المشهور”.

على صعيد متصل، فإن الظروف التي يتدرب فيها مختصو الرعاية الصحية ويعملون فيها بطبيعة الحال قد شجعت دائمًا الأطباء على إقامة “نفوذ عام”، حيث تكافئ المستشفيات والمدارس الطبية الكندية الطلاب والباحثين والأطباء الأكثر شهرة وترقيهم علنًا، في حين يشجع التنافس على التقدير والتمويل من المانحين الأشخاص المتفوقين بالفعل على تمييز أنفسهم وبناء “سمعة بحثية مربحة”.

بيع الرعاية الطبية

بحسب ما ورد في التقرير، فقد غيَّر التليفزيون بشكل جذري الطريقة التي نفكر بها عن الأطباء، حيث استطاع تغيير نمط تقديم الرعاية الطبية بحيث يمكن “بيعها كترفيه” على نطاق واسع، وفي حين أن الكشف عن الأسرار الطبية للجمهور ليس جديدًا، إلا أن التكنولوجيا سهلت ذلك كثيرًا.

مساهمات ثمينة

ذكر التقرير جانبًا إيجابيًا حول مواجهة المعلومات الطبية الخاطئة، خاصة في عصر فيروس كورونا، موضحًا أن العديد من الأطباء قدموا مساهمات لا تقدر بثمن حول المناقشات عبر الإنترنت حول العنصرية الطبية، حيث يستخدم عدد من الأطباء وسائل التواصل الاجتماعي لمساعدة المرضى، وينصح آخرون المرضى المضطهدين بكيفية ضمان حصولهم على أفضل رعاية ممكنة، بالإضافة إلى الإجابة على الأسئلة المُلحة حول الوباء.

تيك توك

عدم الثقة

أكدت البيانات أن عدم الثقة المتزايد في المؤسسات الطبية، والذي يشجعه انتهاك خصوصية المريض، يجب أن يؤخذ في الاعتبار بقدر من الجدية، حيث أنه وفقًا لاستبيان حديث أجرته جامعة شيكاغو، قلّت الثقة في نظام الرعاية الصحية بنسبة كبيرة، كما تُظهر الأبحاث أيضًا أن الشك في شركات الأدوية يستمر في إثارة الجدل بشأن اللقاحات.

أدت ممارسات الأطباء على السوشيال ميديا أيضًا إلى فقدان المريض الثقة في المؤسسات الطبية ومقدمي الرعاية الصحية، حيث أعرب المرضى بالفعل عن مجموعة متنوعة من المخاوف بشأن تلقي الرعاية الصحية، يتركز معظمها في الخوف من كشف أسرارهم وخصوصيتهم.

وعليه، مع عدم وجود إشراف حقيقي لمراقبة السلوك عبر الإنترنت، فمن الواضح أن اللوائح المتعلقة بسرية المريض يجب أن تتطور لإيجاد حل لهذه المخاوف الجديدة.

تيك توك

سياسات جديدة

لدى الجمعية الطبية الكندية سياسة إشراف على البيانات تتعلق بخصوصية المريض، لكنها تذكر فقط مشاركة تفاصيل المريض عبر البريد الإلكتروني، ولم تتطرق لوسائل التواصل الاجتماعي. لذلك تمت معالجة هذه المشكلة في مجموعة المبادئ التوجيهية الجديدة لكلية الأطباء والجراحين في أونتاريو لاستخدام الأطباء لوسائل التواصل الاجتماعي.

تتضمن تلك المباديء التوصية بأن يتوخى الأطباء الحذر عند نشر معلومات على الإنترنت تتعلق بأحد المرضى، وأن يضعوا في اعتبارهم أنه لا يزال من الممكن التعرف على مريض من خلال مجموعة من المعلومات الخاصة به مثل وصف حالته المرضية.

يعتقد بعض المختصين أنه يجب تناول استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في المناهج الطبية، حيث تمتلك بعض المستشفيات والمجالس الطبية بالفعل آليات تأديبية لانتهاكات سرية المريض، والتي يجب تنفيذها عندما ينشر متخصصوا الرعاية الصحية محتوى مهين عبر الإنترنت .

وأضافوا أن التوجيهات يجب أن تأخذ في الاعتبار أن التعليقات التي تسخر من المرضى بشكل عام يمكن أن تكون ضارة بعلاقة الجمهور مع النظام الطبي مثل الانتهاكات الفردية لسرية المريض.

تيك توك
تيك توك

نماذج تأديبية

ذكر التقرير بعض النماذج التي تمت معاقبتها، مشيرًا إلى أنه بعد جلسة استماع تأديبية في كلية الأطباء والجراحين في أونتاريو بكندا، تم تعليق عمل أحد الأطباء من وظيفته لمدة 6 أشهر.

وكتبت اللجنة أن هناك “نمطًا مقلقًا لهذا الطبيب في السعي وراء مصالحه الخاصة، من ناحية الدعاية، وفي تنمية حضور قوي على وسائل التواصل الاجتماعي على حساب خصوصية مرضاه”، وأضافت اللجنة أن “اللامبالاة الظاهرة تجاه هذه القضايا كانت مروعة وتستحق عقوبة كبيرة”.

الغريب في الأمر، أن الطبيب استأنف منذ ذلك الحين مسيرته المهنية في معهد تورونتو لجراحة التجميل، وتعهد علنًا بمحاربة محاولات المرضى للحصول على تعويض مادي عن الأضرار التي لحقت بهم، ولا يزال حسابه على إنستجرام متاحا للعامة، وبدأ في نشر صور جديدة لمرضاه بعد العملية.

 

تيك توك

استمرار الأزمة

اختتم التقرير موضوعه بالإشارة إلى أن الوضع لم يتغير بالنسبة للمرضى، وأن الأسئلة حول وظيفة وسائل التواصل الاجتماعي في الطب لم تُطرح بجدية بعد، ولم يتم تحديد الحلول أو تنفيذها، حيث يواصل “الأطباء الإنفلونسرز” ممارساتهم السائدة على السوشيال ميديا، مما يطيل أمد “التاريخ السري” للمريض باعتباره “استعراضًا مسرحيًا”.