فيلم "سيدة الجنة": عندما تصبح الحرية المطلقة.. مفسدة مطلقة!

فيلم سيدة الجنة
سيد محمود

لن يتوقف صناع الجدل والمتاجرون بسير الأنبياء، والصحابة، والمبشرون بالجنة عن تقديم تجارب سينمائية مليئة بالمغالطات التاريخية والدينية، فقد برر مؤلف الفيلم البريطاني “سيدة الجنة” الذي كان عنوانه من قبل “يوم العذاب” بأن هناك عشرات الأعمال قدمت من قبل عن الأنبياء والصحابة، وأنه لا يرى مانعا من تقديم سيرة السيدة فاطمة رضي الله عنها “سيدة نساء العالمين” في فيلم أقل ما يمكن به وصفه بأنه “هرتلة”.

فيلم سيدة الجنة

كل الروايات التي وردت في أحداثه لم تلقى اتفاقا لا من أهل السنة، ولا حتى من أهل الشيعة الذين يدعي مؤلفه ياسر الحبيب انتمائه لهم، وهو كاتب لروايات كثيرة سبق أن سجن بالكويت بسبب مثل هذه الروايات.

فيلم “سيدة الجنة” يحاول من خلاله مؤلفه الربط بين حاضر مشوه وماضي يختلق هو معطم أحداثه، وكل ما جاء في أحداثه مجرد قشور استقاها من روايات لم يجمع أحد على صحتها، حتى آخر الروايات التي أوردها وخصص لها جزءا كبيرا من مشاهده وهي عن ميراث السيدة فاطمة من أبيها “النبي محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم”، فروايات الشيعة تقول إن أرض “فدك” وهي مكان شاسع بالمدينة ورثتها السيدة فاطمة عن أبيها، بينما وكل الأحاديث والأسانيد تؤكد بأن النبي لم يرث ولم يورث ممتلكات، وهو ما يؤكده أهل السنة جميعهم من منطلق الأحاديث النبوية، وما قاله سيدنا أبو بكر “رضي الله عنه”: “قال بأن رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: «نَحْنُ مَعاشِرَ الْاَنْبِياءِ لا نُوَرِّثُ ذَهَبًا وَلا فِضَّةًّ، وَلا دارًا وَلا عِقارًا، وَاِنَّما نُوَرِّثُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالْعِلْمَ وَالنُّبُوَّةَ، وَما كانَ لَنا مِنْ طُعْمَةٍ فَلِوَلِيِّ الْاَمْرِ بَعْدَنا اَنْ يَحْكُمَ فيهِ بِحُكْمِهِ”.

ركز الفليم في أحداثه على المشتبه والمختلف عليه، ولم يهتم بالموثق في كل ما جاء به من مشاهد حتى القشور من الأحداث التي قدمها عن سيطرت تنظيم الدولة “داعش” على البصرة، واتخاذهم لها عاصمة في عام 2014.. كلها مجرد قشور، والنهاية المبالغ فيها التي تشبه نهايات أفلام المقاولات.

نرشح لك: سيد محمود يكتب: أسامة أنور عكاشة.. كيف تحدى كوابيس الأجزاء وحروب الرقابة ولعنة الإعتذارات؟

 

تشويه متعمد

الأحداث تبدأ بالأم التي تصطحب طفلها “ليث” في البصرة، بينما يهاجم بعض الداعشيين بيتها ويتم قتلها أمام طفلها لمجرد أنهم سمعوا الطفل يردد أغنية، يهرب الطفل ليلقى الرعاية من سيدة عجوز أم لجندي من المحاربين لتنظيم الدولة، تحكي الجدة للطفل “ليث” حكاية السيدة فاطة بنت النبي”صلى الله عليه وسلم”، تبدأ بتاريخ الهجرة وهو ما يوافق التاريخ الميلادي 622م، وهنا تصبح رؤية وهدف صناع فليم “سيدة الجنة” واضحة بأن ما يريدونه للمشاهد هو تشويه صورة العقيدة، والتأكيد على أن الرسالة المحمدية صاحبها كثيرا من الخلافات بين الصحابة، وأن ما كان يهم من تبعوا الرسول كما يريد المؤلف كانوا يبحثون عن الغنائم وهو ما تسبب في مقتل الكثيرين منهم في غزوة أحد، ثم يرسم خطوطا وهمية للخلافة فيراها أنها كانت هدفا ومطمعا للصحابة وبخاصة سيدنا أبو بكر وعلي رضى الله عنهما، ولم يأتي بكثير عن سيدنا عمر أو عثمان، غير ذكرهما في بعض المشاهد.

فيلم سيدة الجنة

كثيرون ممن لم يكن لهم دراية بالتاريخ الإسلامي، وسنوات نشر الرسالة، قد يرون في مشاهده نوع من حرية التعبير، وهو خطأ فادح يرتكب في سينما سير الأشخاص، أو حتى السينما التي ترصد أحداثا تاريخية، في سينما السير الذاتية إذ لم تكن هناك وثائق يستند إليها يصبح المنتج مترهلا ومشوها، لأن الحرية المطلقة في تناول مثل تلك السير وبخاصة التي تتعلق بالعقائد والأنبياء “الحرية المطلقة فيها تعد مفسدة مطلقة”، وما ينتج عنها ليس سوى منتج منقوص وغير قابل للتصديق.

مقتل حمزة.. مشهد لم تؤكده الروايات

قدم المخرج إيلي كينج وهو ليس من المعروفين فغى السينما البريطانية مشاهد واضح أنه استعان فيها ببعض الشخصيات العربية، وصورا من تاريخ العرب، مستعينا بمفردات الحياة البدوية أو الصحراء، وأفلام عربية قديمة تناولت هذه الفترة، من بيوت طينية، وآبار، وخصص جزءا من الأحداث للحروب التي يبدو أنه كان يسعى من خلالها للوصول إلى حادثة مقتل سيدنا حمزة عن النبي، وقيام هند بنت عتبة بأخذ كبده وأنها لاكتها ولم تستسغها بلسانها، وكل الروايات تنفي ما حدث في مقتل سيدنا حمزة وانتقام هند بنت عتبه، حيث تم نفيها بأسانيد كثيرة، لكنه أي المخرج رأى فيها مشهدا سينمائيا مغريا.

استخدم المخرج الفلاش باك لتأكيد الروايات بأن هناك تشابه بين ما حدث في البصرة وبين ما حدث في شبه الجزيرة العربية في سنوات الهجرة، وأن الخلافات حول السلطة في العالم العربي هي أشبه بالخلافات التي أحاطت تولي سيدنا أبو بكر الخلافة، وأن علي أحق بها .. أخذ المؤلف من التاريخ الإسلامي ما راق له ليصنع فيلما ظن أنه سيجد تعاطفا من أهل الشيعة، لكنهم عارضوه، وما زالت الاحتجاجات والمطالبة بمنعه في كل دول العالم قائمة.

فيلم سيدة الجنة

الفيلم ممنوع من العرض في كل الدول العربية، وبعض دول العالم خوفا من الموجات الاحتجاجية الغاضبة، وهو ما يؤكد بأن عملا سينمائيا يهدف إلى وصم العقائد بالعنف والقتل هو تشويه مقصود ومدفوع، ولا يمكن تبرير مثل هذه التجارب بحرية التعبير.