فيصل شمس يكتب: شيرين أبو عاقلة و"أبو طالب" عم النبي.. خطأ في التشبيه

حين وصلت الأخبار الحزينة باستشهاد المراسلة الصحفية شيرين أبو عاقلة استغرقت في معرفة تفاصيل استهدافها، وكيف وقع الحادث، ومن المسؤول الحقيقي عما حدث، وما هي الخطوة التالية للمطالبة بتوجيه الاتهام للقاتل، وهل تقوم قناة الجزيرة بإجراءات قانونية وسياسية لملاحقة مرتكبي هذه الجريمة، وماذا عن الضحايا الآخرين الذين يقتلون باستمرار في هذا الصراع؟ في وسط هذه التساؤلات الحزينة يخرج علينا المتطرفون بأداة تنبيه صاعقة تكشف لنا الحقيقة أن “شيرين أبو عاقلة” مسيحية فلا يجوز أن نطلق عليها لفظ “شهيدة” وحالها مثل حال عم النبي “أبو طالب” الذي مات كافرا في رأي معظم الفقهاء.

فجأة أدرك أنني وملايين غيري لم نلتفت أبدا لهذا التمييز، واعتبرنا استشهادها أمرا مسلما به لدرجة أننا لم نقف على الإطلاق أمام هذه الكلمة “استشهاد”، بينما هناك من يقف ويتأمل ويتحرك، وطبعا يدعي الحرص على الدين.

نرشح لك: تفاصيل استشهاد الإعلامية شيرين أبو عاقلة برصاص الاحتلال

المثير في الأمر أن هؤلاء مدعين الحرص علي الدين لديهم كفاءة غير مسبوقة في تتبع الأخبار وتقديم أفكار الجهل والتخلف بتحليل يبدو عميقا ومؤثرا تحت دعاوى واهية، والناس في بلدنا لم يعلمهم أحد التفكير النقدي والتساؤلات والبحث، وطالما يتعلق الأمر بالدين فإنهم يصدقون “عمياني”، ونستطيع بتجربة بسيطة أن نثبت هذا التوجه؛ جهز بوست تقول فيه قال رسول الله “الخير في وفي أمتى إلى يوم الدين” وسوف تجد المتابعين يلاحقوك بكمية معتبرة من الإعجاب والمشاركات والتحيات المعطرة لكونك رجلا متدينا وقلبك عامر بالإيمان، فيما لو بحثنا قليلا سندرك أن هذا الكلام ليس حديثا نبويا من الأصل، وإذا تطوعت أو تطوع أحد ليوضح أن هذا الكلام ليس حديثا نبويا سوف تجد من يشكك فيه وربما يسبه ويتهمه بالعلمانية (وهي ليست تهمة بالمناسبة)، وكل ذلك دون أن يكلف هؤلاء المتبجحين أنفسهم بالبحث قليلا ليعرفوا الحقيقة.
من يقول هراء “حالها كحال أبي طالب” لا يستحق الرد ولا الاهتمام ولا محاولة التغيير، لكن المشكلة فيمن يتلقى هذه المعلومات ويصدقها ثم يؤيدها دون إدراك.

يبدو أننا ندور في حلقات مفرغة أساسها نقطة الوعي الغائبة عن الأغلبية الساحقة من الناس، ولا ألومهم لأن أحدا لم يعلمهم كيف يستقبلون المعلومة وكيف يبحث عن حقيقتها، وهو ما نسميه “العلم” في أبسط أشكاله.

في دراسة لجامعتي Case Western Reserve وBabson College نشرتها France24 أظهرت النتائج أن الذين يفكرون بطريقة تحليلية ونقدية يميلون إلى كبح منطقة الدماغ المسؤولة عن العاطفة والمشاعر، بينما يميل الروحانيون والذين يؤمنون بوجود الإله إلى تغييب منطقة الدماغ المسؤولة عن التفكير التحليلي. ما قد يفسر تعصب هذا الطرف أو ذاك.

لكن الدراسة تضيف أن دماغ الإنسان قادر على التفكير باستعمال المنطقتين معا. “ليس هناك صراع دائم مع العلم. ففي الظروف المثالية، يمكن للمعتقدات الدينية أن تؤثر بشكل إيجابي على الإبداع العلمي وبصيرة العلماء”، أما الفتاوى وتصنيف الشهداء وغير الشهداء والمؤمنين والكفار فأعتقد أن الزمن تجاوز هذه الدعاوى والأسئلة، لأنه لا أحد يعرف ويتأكد من مصيره سواء الجنة أو النار مهما بلغ صلاحه الظاهر ومهما بلغ كفره الظاهر، وننتظر جميعا يوم الحساب.

تحية للشهيدة “شيرين أبو عاقلة”.