هل يستغني النجوم بـ "الأدمنز" عن الصحفيين والنقاد؟

إيمان مندور
الأدمنز
أكاد أجزم أننا من أوائل المواقع الصحفية التي تناولت ظاهرة بيزنس صفحات الفيس بوك بالرصد والتحليل منذ بداياتها، ثم الكشف عن تفاصيلها وكواليسها، لا سيما في الدعاية للمشاهير والترويج للأعمال الفنية. (يمكنك الاطلاع على التقرير التالي: تسويق الأفلام وصناعة السينما المتكاملة.. “122” نموذجًاوكذلك بيزنس صفحات الفيس بوك.. دعاية مستترة والمواطن آخر من يعلم) لذلك، ومنذ ذلك الحين، نتابع عن كثب تطورات القصة، وكيف تتغير الأمور في هذا المجال، وإلى أين وصلت الآن. النجوم والأدمنز

وبعيدًا عن التأثيرات الواضحة لها على المنافسة الفنية، سواء من خلال الترويج لنجاح أعمال فنية تستحق المشاهدة، والإشادة بنجوم تألقوا بالفعل في الآونة الأخيرة، أو من خلال تزييف الحقائق وادعاء النجومية والنجاح لأعمال لا يختلف اثنان على رداءة مستواها الفني أو مستوى أداء أبطالها، فضلا عن مهاجمة فنانين بعينهم لصالح أخرين من زملائهم، إلا أن الأكثر لفتًا للانتباه الآن لم يعد كل هذا التصاعد المتسارع والقوة المتزايدة لهذا البزنس، بل للقائمين عليه، أي “الأدمنز”.

هناك تطور لافت في علاقة صنّاع الفن بأدمنز الصفحات الشهيرة على فيس بوك، وتطور الأمر لدرجة أن بعضهم أصبح يستغني عن دعم الصحفيين مقابل دعم هؤلاء “الأدمنز”، بل والاهتمام بإشاداتهم أكثر من إشادة النقاد والمتخصصين، وكأنهم تحوّلوا لنقاد بالفعل، لكنهم هنا نقاد بدون مخالب، لا يرون سوى مدح النجم فيعرفهم بشكل شخصي، فتتوطد العلاقة ويزداد الدعم.

أصبحت قائمة الأصدقاء على الحسابات الشخصية لأدمنز الصفحات تكتظ بالكثير من الفنانين، الذين يعلمون أن مجرد “بوست” واحد من هذا الشاب أو هذه الفتاة سيثير مئات وربما آلاف التعليقات عنه وعن أعماله الفنية. حتى الفنانين الذين لم يقدموا أعمالا جديدة منذ فترة طويلة ويريدون الانتشار من جديد، يجعلون بعض الصفحات تنشر بعض الجمل والحوارات التي وردت على لسانهم في أعمال فنية سابقة، فيظل اسمهم متواجدًا أمام الجمهور، لعل أحد المخرجين أو المنتجين يلتفت إليهم. والبعض الآخر بالإشارة لفساتينهم وأناقتهم الدائمة، وغيرهم بتكرار تصريحات من لقاءات تلفزيونية سابقة، والبعض بكتابة بوستات عن الإشادة بمواهبهم.

نرشح لك: فئات تعامل المشاهير مع السوشيال ميديا


والحديث هنا ليس نقدًا لـ”الأدمنز” القائمين على هذه الصفحات، وجميعهم من الشباب بالمناسبة، بل يحسب لهم هذا التطور والقدرة على التأثير، ولكن مجرد إلقاء الضوء على فكرة استغناء بعض النجوم عن رأي النقاد، والتصريح المستمر بذلك من نجوم بعينهم في كثير من البرامج، مقابل إشادات الأدمنز التي لا يكاد يخلو معظمها من المصلحة المادية أو المجاملة الشخصية بهدف التقرب من المشاهير لمصالح مستقبلية أخرى.

هل يستغني النجوم بالفعل عن النقاد وعن دعم الصحافة؟ ربما يقول البعض هذا انحياز لوظيفة نمتهنها، لكن الواقع يقول إن ما يبقى في الأرشيف هو المواد الإعلامية المكتوبة والمسموعة والمرئية وليس تعليقات السوشيال ميديا، وبالتالي الأمر له ضرر على المدى البعيد أيضًا على أصحابه من النجوم، الذين لا يكترثون للصحافة وربما يوافقون على إجراء حوار صحفي “بطلوع الروح”، بينما يطلبون دعم الصفحات بشكل شخصي ومباشر.

وبالعودة لإشكالية استخدام هذه الصفحات في الدعاية، يعتقد الكثيرون أن القضية أصبحت أمرًا واقعًا ومفيدًا بالفعل للعملية الفنية بالترويج للأعمال الجيدة، بل أصبحت أشجعه وأنصح به بشكل شخصي لمن يسعون للترويج لأنفسهم ولأعمالهم، لأن قطاعًا كبيرًا من الجمهور أصبح على دراية بالأمر، فضلا عن معرفتي الشخصية ببعض الأدمنز الذين يحرصون على الإعلان عن الأعمال الجيدة فقط، ولا يتورطون في الدخول في معارك لا تعنيهم، أو هجوم ضد فنانين بعينهم، بل لديهم مبادئ وأخلاقيات يتمسكون بها قدر الإمكان.

باختصار، الترويج للأعمال الفنية من خلال السوشيال ميديا أصبح مفيدًا ومؤثرًا بالفعل، لكن تداعياته تتشعب لأمور أكثر تعقيدًا، مثل تأثيره على علاقة الفنان بالناقد الفني والكاتب الصحفي، وهل يغنيه التأثير الكبير للأدمن عن تقييم المتخصصين؟! وهل يصدق نجاحه بالفعل بعد هذه البوستات المدفوعة أو المكتوبة مجاملة؟!.. إن كانت الإجابة نعم فهذه كارثة، وإن كانت الإجابة لا ومع ذلك يصر على الأمر فهذه كارثة أكبر، لأنه إصرار على الخطأ وخداع متعمد للنفس.. وليس للجمهور.