فيصل شمس يكتب: هل المسلسلات والأفلام تقدم رسالة؟

الكثير من الممثلين النجوم حسموا مسألة هدف الفن بشكل نهائي، وأصبحوا يسخرون ممن يدعي أو يصرح أن الفن رسالة، وانتهوا إلى أن وظيفة الفن هي الترفيه فقط.. سوف تجد هذا الكلام كثيرا في حواراتهم الإعلامية، وربما تلاحظ أنهم في موسم رمضان كل عام يتحدثون عن نجاح المسلسل، أو الإضاءة المميزة، والإخراج التحفة، أو الاداء العبقري لممثل ما، أو الأجواء الودية اللطيفة بين طاقم العمل، أو حتى المواقف الظريفة أثناء التصوير ، لكن لا أحد يتحدث عن القصة ذاتها والمعاني المطروحة داخلها، وتأثيرها على الناس، والهدف من تقديمها للجمهور، وماذا تمثل الشخصيات الموجودة في السيناريو، وإذا طرحت هذه الأسئلة فأنت أكيد “أوڤر” أو مثقف زيادة عن اللزوم أو لم تفهم هدف الفن وهو الترفيه، وقد ينظرون إليك نظرة التعاطف الممزوج بالرثاء لقلة استيعابك للعصر الحديث.

نرشح لك: عبدالرحمن جاسم يكتب عن نجوم الصف الثاني.. رغم قلة مشاهدهم فهم محببون

طبعا كلمة رسالة هي كلمة مبسترة للغاية، ولا توضح المعنى الذي يقصدونه، فالاتصال أو التواصل بمعنى communication وهو ما يخضع له الفن، عبارة عن (مرسل ورسالة ومتلقي) ويتم استخدام أدوات tools أو medium وهو الوسيط لتوصيل الرسالة، إذن فالرسالة أمر مفروغ منه في أي نوع من أنواع التواصل.

والواقع أنهم يقصدون أن الفن ليس هدفه أن يقوم بعملية توعية، أو تثقيف، أو تغيير، أو تحفيز للمتلقي، وأن الترفيه هو الهدف الوحيد، فالإنسان العادي لن يشاهد العمل الفني إلا ليضحك مثلا أو يتأثر قليلا فيبكي أو يتابع الحدوتة من باب الحكي وهذا هو الترفيه ثم ينتهي من المشاهدة ليعود لحياته الطبيعية دون أي أثر وكأن شيئا لم يكن.

أعتقد أن هؤلاء الفنانين النجوم يظلمون أنفسهم مرتين، الأولى حين يخسفون بعملهم الأرض فيدعون أنه لا يحمل أي قدرة على التأثير في الجمهور والثانية – بمنتهى الصراحة- حين لا يقرأوا ويتثقفوا ليتعلموا ويعلموا كيف يعمل الفن وكيف أثر ويؤثر في الناس.

وهنا أوضح بأقصى قدر من التبسيط بعض النظريات العلمية التي تم التحقق منها والتي توضح التأثيرات المحتملة للميديا بشكل عام، هناك نظرية تدعى ” نظرية الغرس الثقافي” التي تشير في أبسط أشكالها إلى أن التعرض للتليفزيون مثلا يزرع بمهارة مع مرور الوقت مفاهيم المشاهدين للواقع، يعني ذلك ببساطة أننا قد نكون آرائنا عن طريق التليفزيون أكثر من الواقع.
ونظرية أخرى تسمى ” الاعتماد على وسائل الإعلام” وهي ببساطة أن نقل المعلومات الذي تقوم به وسائل الإعلام بكثافة وخاصة في أوقات عدم الاستقرار يعمل على زيادة التأثير العاطفي والمعرفي والسلوكي على المشاهدين.

أحد العلماء طرح نظرية أخرى هي “الرصاصة السحرية أو الحقنة تحت الجلد” التي تفترض أن ما تبثه وسائل الإعلام هو عبارة عن مشاعر وأفكار تنتقل من عقل لعقل آخر، وتؤثر تأثيرا فعالا على الأفراد.

إذن تأثير وسائل الإعلام بحد ذاتها بكل ما تحتويه من مواد من دراما وبرامج.. وحتى نشرة الأخبار محسوم بشكل نهائي والعلماء يناقشون فقط حجم هذا التأثير ومداه، فما بالك بالعمل الفني (فيلم، عرض مسرحي،
مسلسل..)

أقول لزملائي الفنانين، لا تظنوا أبدا أن ما تقومون به هو للترفيه فقط وأن عملكم لا يفيد الناس، فهو على الأقل محفز وداعم.

لا تركزوا فقط على سعادتكم بالنجاح والأداء الذي لاقى إشادة من الجمهور، تحدثوا عن القصة والشخصيات التي تقدموها وتوقعاتكم لهذه الحالات الإنسانية التي تناقشوها دراميا، ودور العمل في تسليط الضوء على فكرة أو لمحة، ومشاعركم الإنسانية تجاه ما تؤدونه من وقائع وأحداث وبشر، وما الذي يعنيه ذلك في رؤية كل منكم لمستقبل ما يقدمه من فن وإبداع وما يتمناه من تأثير على الناس.

لا أحب أن أشاهد هذه البرامج التليفزيونية التي تحتفي بأعمال رمضان، وتغرق في تفاصيل مطبخ العمل، دون النظر في القصة ومردودها وانعكاساتها على المجتمع.

الفن بالتأكيد رسالة مثل أي وسيلة تواصل، وطبعا هو ليس للوعظ، لكنه يحمل تأثيرا حقيقيا يتسرب إلى القلوب والعقول ويدفع للتحفيز والتغيير بدرجات متفاوتة.