تقديم رجال الدين في دراما رمضان 2022.. تشويه أم نقد؟

رباب طلعت

انتهى موسم الدراما الرمضاني 2022، مخلفًا وراءه الكثير من الجدل حول موضوعات مختلفة أهمها الحاصل حول رجال الدين الذين تم تجسيدهم في عدد كبير من الأعمال، حيث كان لافتًا جدًا هذا العام تواجد عدد كبير ومتنوع منهم في أكثر من مسلسل.

نرشح لك: بعد شكاوى التجاهل.. كيف أثر ظهور الـ”جراندات” في دراما رمضان؟

الاتهامات طالت صناع الدراما بتشويه الدين، وعلماء الدين كتعبير أدق أو كما يسميهم البعض (رجال الدين)، فيظهر أحدهم بعمة الشيخ التي تحفظ تحتها بأفكار دينية إما متشدد أو مُجدد بصورة تتعارض مع أساسيات الدين المعروفة، أو دجال، أو إرهابي، وقليلًا منهم معتدلين، مما يثير تساؤلًا هامًا “هل تناول تلك الأنماط من علماء الدين تشويهًا للدين الإسلامي أم أنه رصد للواقع؟”، وفيما يلي نحاول الوصول إلى إجابة:

أنماط رجال الدين في دراما 2022

بالتركيز على دراما رمضان 2022، سنجد أن أحد أبرز معالم هذا الموسم هو تقديم أنماطًا مختلفة ومتنوعة من رجال الدين، فالعمل الأبرز والذي أثيرت حوله الاتهامات بالتشويه المتعمد نظرًا لآراء مؤلفه الكاتب الصحفي إبراهيم عيسى المعادية لفكر رجال الدين في الحقيقة، الأمر الذي جعل الشيخ يحيى الذي قدمه الفنان محمد الشرنوبي في “فاتن أمل حربي” على رأس قائمة الشيوخ المسيئين إلى صورة الإسلام.

ذلك الاتهام كما أشرنا أولًا لأنه أحد شخصيات إبراهيم عيسى، ثانيًا لأنه على عكس المعتاد تمامًا سواء في الحقيقة أو الدراما كان “رومانسي وكيوت”، ويتخطى حدود التفكير والفتاوى المتعارف عليها، ولو كان الأمر يتناول فقط مسألة التجديد، على الأرجح ما كان لاقى كل ذلك الهجوم، لكن إقحام قصة الحب بينه وبين فاتن، أضر بالطرح.

نرشح لك: ماتت فأحيت الفتنة.. من هي “سندس” في “جزيرة غمام”؟

النمط الثاني النقيض تمامًا في نفس العمل “الشيخ الشرير” أو المتشدد كان الشيخ “ظيما” أو “عبد العظيم”، صاحب الفتاوى الجامدة التي لا تنظر إلى التيسير إنما التعسير والتحذير والتهديد بالعذاب والوعيد، ومع ذلك فهو منتفع ويسير طبقًا لأهواء الترند والممول، ويتقبل هدايا من الجمهور بمبالغ كبيرة، ويقود سيارة أحدث موديل، لأنه يقدم للناس ما يريدونه “التشدد” على حد قوله خلال أحداث العمل، كما يحرض على فاتن المرأة المسكينة المطالبة بحقوقها، دون حق فقط لأنها تطالب بتجديد الخطاب الديني، أو البحث عن قوانين بناء على تجديد النظر والفكر في الشريعة والفقه.

نفس التصنيفين تضمنهما مسلسل “جزيرة غمام”، وأضيف عليهما نوعًا ثالث وهو الشيخ “الدجال”، فالشيخ عرفات (أحمد أمين) المجدد هو النظير المتصوف من الشيخ يحيى (الشرنوبي)، فالأخير يطالب بتجديد الخطاب الديني والقوانين القائمة عليه ببعض من التحرر من أساسيات الفقه، والأول يطالب بتنحية الأسس الفقهية وإعمال العقل والاتكال على القلب، وهو الأمر الذي أثار غضب البعض واستحسان آخرين، فهناك من فسر دعوى عرفات بأنها الاهتمام بالجوهر وتنقية القلب وخلافه، وغيرهم استنكروا هدمه للأسس الدينية بلا منطق معتمدًا على فكر المحبة والتصوف، وذلك عكس ما يحارب من أجله محارب (فتحي عبدالوهاب) شديد التعصب في الدين، والذي يرى أن لا قلب ولا مشاعر في إقامة حدود الله على طريقة الشيخ (ظيما)، أما يسري (محمد جمعة) فهو النوع الثالث الذي يدعي المشيخة، وهو دجال يستخدم معرفته بآيات القرآن لعلاج السحر والحسد وإرضاء النساء، نقطة ضعفه دائمًا وأبدًا، حيث يحب صحبتهن والحديث معهن.

ذلك النمط تحديدًا قام عليه عمل كامل وهو “المداح 2″، وعلى الرغم من أن المداح الذي يقدمه حمادة هلال ليس كـ”يسري” في مسألة النساء، ولكنه يخاطب الجن ويشفي من السحر والحسد وغيره، من الأمور الخارجة عن العقل، بل والشريعة نفسها.

فيما حقق نمط الشيخ المتشدد (محارب وظيما) انتشارًا أوسع ولكن بتطرف أكبر، كان يميل له “محارب” وتراجع، وهو المتشدد المتكئ على السلاح في إقامة ما يراه هو شرع الله، أو اختصارًا “الإرهابي”، وقد كانت دراما رمضان 2022 مليئة بهم، ابتداءً من “الاختيار 3″ الذي يوثق فترة صعبة في تاريخ مصر، والتي كان سلاح الجماعات الإرهابية موجهًا نحوها، مرورًا بـ”العائدون” الذي تناول خط درامي كامل فيه الحياة في “داعش” ومحاولاتهم الانتقال إلى مصر كنقطة تمركز لهم لإقامة الدولة البديلة لدولتهم التي تحتضر في الرقة، وصولًا إلى “بطلوع الروح”، الذي دارت أحداثه بالكامل في الرقة في فترة سقوط دولة الخلافة.
وإن كان هنا نقطة خلاف على تصنيف الإرهابيين بأنهم علماء دين، إلا أنهم يندرجون اضطرارًا تحته، نظرًا لإيمان البعض بأنهم يقيمون شرع الله، أو أنهم مجرد متشددين أضلوا سبيلهم في إقامة الدولة الإسلامية التي تحتكم إلى القرآن والسنة.

هل يختلف الواقع كثيرا؟

ذلك السؤال الهام يجب طرحه والإجابة عليه لمعرفة ما إذا كانت الدراما تشوه علماء الدين، أم أنها تقدم نماذجًا واقعية، وللإجابة، نحاول إيجاد أشباه للنماذج المذكورة سلفًا، فمثلًا (محارب، وظيما)، كان تشبيههم حاضر على السوشيال ميديا حاضرًا منذ اللحظة الأولى، حتى أنه تم توجيه السؤال للفنان أحمد ماجد الذي قدم شخصية (ظيما) هل كان يجسد دور الشيخ عبد الله رشدي أم لا، فقال لا، ولكن الناس ربطوا بينهم بالفعل، للشبه الكبير بينهما في الطريقة والأفكار المتشددة والجامدة.

أما نمط (عرفات ويحيى) المختلفان ظاهريًا المتطابقان ضمنيًا، سنجد أن أقرب الأمثلة التي يمكن طرحها في الواقع هو المراجع الديني لـ”فاتن أمل حربي”، الدكتور سعد الدين الهلالي، فأفكار يحيى مقاربة حد التطابق مع أفكاره التي يطرحها في المنابر الإعلامية دائمًا، وإن كان يحيى رفض أن يكون شيخ فضائيات، ولكن من الواضح أنه كان يعكس أفكار القائمين على العمل “والهلالي” أحدهم، أما عرفات المجدد الصوفي، فصعب تشبيهه بشخصية بعينها نظرًا لاختلاف الأزمنة، ولعكسه أفكار الكاتب عبدالرحيم علي الصوفية، ولكن عند الاستماع إلى شيوخ الصوفية سنجد منه الكثير من أفكارهم، ولعل أقرب المشاهير الذين يتحدثون بلغة عرفات في المحبة والتسامح هو اليمني الحبيب علي الجفري.

نرشح لك: جسدت “أم آدم” مثل الحية.. أبرز تصريحات سميرة الأسير عن “بطلوع الروح”

فيما النمط الأخير، فمن السهل وجود أشباه له، بالبحث في قنوات جلب الحبيب وبرامج السحر والحسد والعين، وكذلك شيوخ الإرهاب، الذين يعملون على غسيل مخ الشباب، واستدراجهم لأفكار الجهاد والدولة الإسلامية وغيرها.

الأزمة في الدراما أم الواقع؟

بما أننا وجدنا أن أغلب الأنماط المذكورة لها أشباه واقعية، فنستطيع أن ننحي تهمة التشويه جانبًا، لأن الأقرب هنا أن الدراما ترصد، وإن كان هناك نماذجًا جيدة بخلاف ذلك لا يتم تناولها إلا قليلًا مثل الشيخ “الشيخ ريحان” الشيخ المسالم محفظ القرآن ومعلم الأطفال في “فاتن أمل حربي”، وهنا يمكن التخمين بأن مثل أولئك الشيوخ لن يكونوا محل اهتمام لصناع الدراما، نظرًا لأن قصصهم ليس بها أبعادًا كثيرة يمكن بحثها وتناولها.

ولكننا نقف هنا عند تساؤل هام، هل الأزمة فيما تستعرضه الدراما؟ أم في الأنماط الموجودة بالفعل، ويتم تصدير بعضها إعلاميًا ويتم معالجتها في الدراما؟ نترك للقارئ الإجابة.

نرشح لك: دارت فيها أحداث “بطلوع الروح”.. كيف أصبحت الرقة بعد 5 سنوات من سقوط داعش؟