لمذا يستحق "نسر السين" المشاهدة (غير العائلية)؟

دنيا شمعة

 

“نسر السين”.. مسلسل كوميدي قصير تم طرحه على “يوتيوب” منذ حوالي أسبوعين، تدور أحداثه في إطار كوميدي ساخر حول عالم البدايات في صناعة الراب، والتي بدأت في تصدر المشهد الفني في مصر مؤخرا، من خلال شخصية “عمدة” (نسر السين) وأصدقائه من مبتدئي المجال (شلة النسور)، الذين يحاولون مساعدة “عمدة” في الوصول للشهرة.

 

المسلسل تم طرحه بدون أي دعاية سابقة له على السوشيال ميديا، وحظى بنسبة مشاهدة ضعيفة في الأسبوع الأول، لكن بعد طرح الحلقة الثانية من المسلسل، زادت نسب المشاهدة بمعدلات كبيرة لتتخطى الحلقة الأولى 280 ألف مشاهدة، وحظى المسلسل بإشادات كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، بمدى احترافية صنعته على الرغم من وضوح محدودية ميزانيته.

نرشح لك: الأعلى للإعلام يقرر حذف مشاهد زنا المحارم من مسلسل ” دنيا تانية

 

نوعية الدراما الوثائقية الساخرة (mocudrama)، التي قدمها “نسر السين” استطاعت جذب شريحة كبيرة من جمهور الراب، قبل جذب جمهور اليوتيوب العادي، على الرغم من كونه يدور بصورة أساسية حول السخرية من عالم الراب في مصر أو كما يسمونه “السين المصري”، وذلك في رأيي يرجع لواقعية الاسكتشات، لدرجة جعلت صانعي الصورة الوهمية للسين المصري لا يستطيعون إنكارها.

كوميديا الـspoof المتحرفنة

صنف البعض كوميديا هذا المسلسل ضمن كوميديا البارودي، لكن في رأيي هو أقرب لكوميديا الـspoof، وهى الكوميديا التى تقوم قصتها على السخرية الكوميدية من أفلام أخرى، وتقوم قصة العمل وحبكته على السخرية من الأشياء التى شاهدها الجمهور فى الأعمال التى حققت نجاحا جماهيريا، وهو الشيء الذي نجح “نسر السين” به ببراعة، فلم يسخر من فيلم أو مسلسل أو حتى أغنية، لكنه سخر من عالم الراب بأكمله، الذي يقوده مجموعة من الشباب تحت شعار “بننقل كلام الشارع”، لكننا في الحقيقة وبعد سنوات لم نرى ذلك الشارع المصري الذي يستخدم تلك الكلمات بطريقتها المبتذلة إلا بعد انتشار الراب والتراب والمهرجانات وغيرها من الألوان الشبابية من الموسيقى، وهي قضية لن نتتطرق لها هنا، لكن تطرق لها “عمدة” في الحلقة الثانية من المسلسل، في مشهد توزيع شريطه الجديد على المارة بالشوارع بالقوة، ورده على أي انتقاد أو معارضه أو رفض بجملة “كلامنا كلام الشارع”!

كما أن الشخصيات بصفة عامة واقعية بدرجة كبيرة، بداية من “عمدة” الرابر الموهوم وشلته “شلة النسور”، وصولا إلى “تيمو” المازيكاتي الفاشل غريب الأطوار الذي لم يلق نجاحا في أي فريق انضم له، مما اضطره لافتتاح شقة (يدعوها بالاستوديو) لتسجيل أغاني لمجموعة من الموهومين كعمدة وشلته.

والحوار أيضا على الرغم من كونه يحتوي على كمية كبيرة من الألفاظ الخارجة والكلمات العشوائية غير المرتبة والإيحاءات، إلا أنه وللأسف تجسيد ممتاز للغة الجيل الشاب وخصوصا جيل الألفينات، فمن الطبيعي أن يكون لغة مطربي الراب، الذين يقدمون أنفسهم أنهم سفراء لفن هذا الجيل، كما أنه بصراحة هذه الألفاظ زادت من مذاق الكوميديا بمعظم المشاهد، كالمشهد والجملة الأشهر بالمسلسل “أنا خالتي متوفية.. ده disrespect”، والذي كان بالمناسبة أصدق وأفضل تجسيد لتراكات “الدس”، التي وبدون مقدمات أصبحت النتاج الرئيسي لكبار السين المصري، خصوصا خلال آخر عام.

العمل +18 والله !!

كعادة أي عمل له ما له وعليه ما عليه، هناك عدد من الانتقادات طالته بسبب الألفاظ الخارجة بمشاهده، لكن وبمنتهى البساطة والوضوح.. هناك تحذير بحجم الشاشة في بداية كل حلقة يقول: “هذا المحتوى قد لا يتناسب مع بعض الفئات العمرية وليس الهدف منه سوى الضحك والتسلية، ولا يمط بأي صلة بالواقع”، فهو عمل موجه للفئة العمرية +18، كما أنه قادم من عالم الأندرجراوند وموجه لهم أيضا، ولا يحمل في رأيي أي رسالة اجتماعية هامة، تعطي له احتمالية المشاهدة العائلية، بل يعرض حياة تكاد تشبه الأكذوبة أو الحلم، أيهما أقرب، لمجموعة من الشباب موجودين بالفعل بل وبنسبة كبيرة خلال الفترة الأخيرة.

كلها بقت دايرة كده..

واحدة من أهم النقاط التي ناقشها المسلسل، هي الاهتمام بفكرة إظهار أن السين المصري ليس فقط ويجز وأبيوسف ومروان موسى ومروان بابلو وغيرهم من كبار المجال، بل هناك آلاف من أشباه عمدة، قد يقضون حياتهم يحلمون بضربة حظ تجمعهم بواحد من هؤلاء الكبار، وهو الشيء الذي لخصته إحدى جمل حوار الحلقة الرابعة: “هي بتبدأ كده.. انت محتاج تقابل واحد مشهور يزقك وتقفش في الفرصة متسبهاش، وهتوصل”، حتى ولو كانت تلك الفرصة وهمية كمشهد خطف “شبيه ويجز” بالحلقة الرابعة لإقناعه بمشاركة عمدة في تراك جديد، فأغلب جمهور السين المصري قد لخصوه في كباره وحفلاتهم ودساتهم، لكن بالعكس هناك كواليس لهذا المجال ومبتدئيه لا يعلمها الكثيرون، وهو الشيء الذي جسده “نسر السين” بطريقة ساخرة بها شيء من الكوميديا السواداء.

في النهاية.. المسلسل بالتأكيد كان به عيوب كثيرة، لكن قررت التغاضي عنها أو بالأصح عدم ذكرها، لكونه في رأيي محاولة رائدة وجريئة تستحق المشاهدة، في توقيت صعب في المشهد الكوميدي المصري، خصوصا مع اختيار موضوع جرئ عن فئة في قمة ازدهارها ونجاحها حاليا، بالإضافة لكون نجاحه حافزا كبيرا لصانعي المحتوى الحقيقي على يوتيوب، للاستمرار وتحقيق عائد ومكسب من فن حقيقي.

“نسر السين” من إنتاج وسيناريو شركتي schema studios و nocturama films، ومن إخراج كريم الدين الألفي وكريم مرتضى، وبطولة محمد عمدة، أحمد فاضل، أحمد إيهاب، محمد مداح، أحمد بدران، وأحمد هاني إسماعيل.