بوجهة نظر كردية.. دجوار إبراهيم يتحدث عن فن الكاريكاتير

هالة أبو شامة

إذا كنت من قارئي الصحف والمجلات، فلا بد أنك صادفت أثناء تصفحك في إحدى المرات رسما كاريكاتيريا، ربما نال إعجابك، أو جذبتك ألوانه، أو تعجبت من جراءة مضمونه تجاه قضية ما.

فذلك النوع من الفن الذي ظهر لأول مرة في القرن الـ 16 الميلادي، يتميز بكونه ساخرا مختصرا قادرا على إيصال فكرة راسمه بمجرد رؤيته سواء على عجالة أو بتمعن وتدقيق.

نرشح لك: 7 شخصيات في نهاية العالم بمسلسل “الجسر”

وحاليا لم يعد نشر الكاريكاتير مقتصرا على المطبوعات كما اعتادنا في السابق، وإنما أصبح من الشائع أيضًا نشره والاستمتاع بمشاهدته من خلال مواقع التواصل الاجتماعي أو المواقع الإلكترونية.

فرغم أن الميمز والكوميكس الساخرة هي أبرز ما يتم تداوله عبر هذه المواقع، إلا أن الرسم الكاريكاتيري ما زال يتميز بجاذبيته الخاصة، وأقرب مثال على ذلك هو الرسم الكاريكاتيري الذي ظهر فيه الفنانين الكبيرين الراحلين سمير غانم وزوجته دلال عبد العزيز، وهما يصعدان سويا إلى السماء، حيث نال شعبية كبيرة وتم تبادله بكثافة بين رواد هذه المواقع، نظرا لبراعة راسمه في التعبير بسلاسة عن قصة الحب التي جمعتهما في حياتهما ووفاتهما.

 

 

تواصل “إعلام دوت كوم” مع رسام الكاريكاتير الكردي ديجوار إبراهيم، صاحب ذلك الرسم، والذي استطاع أن يتخذ من رسوماته منبرا للتعبير عن أبرز القضايا التي طالما كانت تؤرق بال المواطن العربي خاصة قضايا الإرهاب وطرق محاربته.

النشأة والاحتراف

في بداية الحديث، أوضح “ديجوار” أنه كردي سوري، ولد عام 1982، في منطقة عامودا بمحافظة الحسكة بسوريا، التي عاش فيها طفولته وشبابه، حيث درس الفنون التشكيلية لمدة عامين في معهد أدهم إسماعيل بدمشق، موضحا أن محور دراسته كان عن أساسيات الرسم وليس الكاريكاتير، إلا أن حبه لرسوم الأطفال منذ الصغر هو ما دفعه للاتجاه إلى الكاريكاتير، الذي أراد أن يوجه من خلاله رسائل هادفة للمجتمع.

وعن أولى خطواته الاحترافية، قال إنها بدأت عام 2005، من خلال جريدة “تشرين الرسمية”، حيث خُصص له زاوية لنشر رسوماته بصفحة آراء ودراسات حتى أواخر عام 2009، ذلك بجانب مشاركة في العديد من المجلات والجرائد الخاصة في دمشق من بينها مجلة “بقعة ضوء”، وجريدة “الاقتصادي”، بالإضافة لعدة دوريات أخرى.

الثورة السورية

بحلول عام 2011، انطلقت الثورة السورية تزامنا مع ثورات الربيع العربي، والتي بدورها قلبت الأحوال رأسا على عقب، ونظرا لصعوبة الأوضاع حينها؛ قرر الانتقال إلى أربيل بكردستان العراق، التي يقيم فيها حتى الآن.

وأوضح أن إقامته في أربيل، لم تمنعه من ممارسة مهنته التي احترفها عشقا فيها، وإنما استمر في نشر رسوماته من خلال جريدة “خبات” شبه الرسمية، ومجلة “كب” المتخصصة في الرسوم الكاريكاتيرية، مشيرا إلى أنه اتجه بعد ذلك للعمل في وكالة “باس نيوز الإخبارية”، والتي تعد إحدى أقدم الوكالات في أربيل، هذا بخلاف مشاركاته في جريدة “ليفانت اللندنية”، وبعض المواقع الإلكترونية المتنوعة.

في سياق متصل، أضاف أنه بجانب عمله في الصحف والمواقع والمجلات، فقد أراد أن ينشر ثقافة الكاريكاتير من خلال قناته على موقع “يوتيوب” والتي بدأ بطرح فيديوهات فيها قبل 4 سنوات، حيث أوضح طرق رسمه وأدواته الخاصة.

الرسم بالتابلت

وقال “دجوار” إنه اعتاد في السنوات الأخيرة على أن يستخدم الأجهزة الذكية والتطبيقات الحديث في الرسم، بعيد عن الطريقة التقليدية التي اعتدنا فيها أنا نرى الرسام بصحبة الورقة والريشة، موضحا أن السبب في ذلك هو اتجاه العالم إلى الرقمنة التي أثرت في العديد من المجالات من بينها الرسم الكاريكاتيري، مضيفا أنه أجبر كرسام للكاريكاتير على أن يواكب ذلك الارتقاء من خلال الرسم على التابلت، خاصة وأنه يوفر قدر كبير من الدقة والوقت والجهد حتى أنه يحافظ على النظافة الشخصية للرسامين، وذلك بعكس الطريقة الكلاسيكية التي كانت تجعلهم يعانون بعض الشيء، لافتا إلى أنه يحرص دائما على توضيح أفضل الماركات التي يستخدم منتجاتها في الرسم والتي تتحول إلى دعاية للشركة المنتجة بطبيعة الحال.

وأشار “دجوار” إلى أنه بالرغم من حرصه على تقديم ذلك النوع من المحتوى بشكل دوري، إلا أن ظروف الحياة تمنعه في بعض الأحيان.

 

محاربة الإرهاب

فيما كشف عن سبب اهتمامه بمحاربة قضايا الإرهاب في رسوماته، قائلا إنه بحكم نشأته فهو كردي سوري يعيش في إقليم كردستان العراق، وهذه كلها مناطق تعاني كثيرا من التنظيمات الإرهابية، التي تعتمد على الفكر الجهادي، لذا كان لا بد من مقاومته من خلال فكره واختصاصه كرسام كاريكاتير، رغم أن ذلك عرضه في وقت من الأوقات للتهديد بالقتل، لكن ذلك التهديد زاد من إصراره على المقاومة بالرسم.

وأكد أن اهتمامه بمحاربة التنظيمات الإرهابية في الوطن العربي من خلال الرسم، لم يمنعه من التعبير عن الوضع الكردي، إلا أن هذه النوعية من الأعمال تحديد يتم نشرها في المؤسسات الإعلامية الخاصة بالإقليم وأحيانا يقوم بنشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، معلقا: “رسام الكاريكاتير يجب أن يكون كمرآة تعكس قضايا مجتمعه، والقضايا الإنسانية التي تهم كل المجالات سواء سياسية أو اقتصادية واجتماعية وغيرها، وهذا أمر ضروري لكل تصل أعماله للشارع ويتفاعل معها الناس”.

سر اللون الأحمر

أوضح أن أغلب أعماله سياسية بحكم المؤسسات الإعلامية التي يتعامل معها، مؤكدا على أن لا يمكن أن يتم وصف الرسم الكاريكاتيري على أنه رسم واقعي، لأن الكاريكاتير فكرة يمكن أن تنال إعجاب البعض ورفض البعض الآخر، وبالنسبة للطرف الرافض فإنه لن يعترف به كواقع بالفعل، الرسم في حد ذاته يحمل توجه معين حسب فكر الرسام نفسه والمؤسسة التي يعمل بها.

في نفس السياق، برر استخدامه المتكرر للون الأحمر بشكل بارز في رسوماته قائلا إنه يعبر من خلاله عن كثرة الدم والقتل، نظرا لتعرض المنطقة للحروب، إذ أن كل حدث هو ما يفرض على الفنان اللون الذي لا بد أن يستخدمه.

توقيعين مختلفين

وبجانب اللون الأحمر المتكرر في رسوماته، يتميز أيضًا بكاتبة توقيعه بثلاث لغات على رسوماته، موضحا أنه أجبر على ذلك نظرا إلى صعوبة اسمه وطبيعة عمله التي تتطلب أن يتعامل باللغتين العربية والكردية، لذا فإنه يكتبه في العادة بالعربي “دجوار”، وبالكردي ” دژوار”، هذا بجانب اسمه باللغة الإنجليزية.

وعما إذا كانت فكرة الرسم الكاريكاتيري تصل للجمهور بسهل أكثر من المقالات المكتوبة على سبيل المثال، قال إنه بحكم الواقع الذي نعيشه من تعملق مواقع التواصل الاجتماعي، أصبح للكاريكاتير وقع أكثر من المقالات، إذ أن الفكرة تصل بسرعة من خلاله نظرا لعدم تفرغ البعض لقراءة المقالات التي يمكن أن نصفها بأنها أصبحت نخبوية بعض الشيء، وهذا بخلاف الكاريكاتير الذي تصل فكرته بلمحة بصر.

صعوبات يواجهها رسامي المجتمع الكردي

ولفت إلى أن ثقافة الكاريكاتير تختلف من مجتمع لآخر، فمثلا فإن المجتمع الكردي يعاني من عدم انتشار ثقافة ووعي وقوة الكاريكاتير حتى في كبرى مؤسساته الإعلامية، التي تعتبره بأنه مجرد جمالية وليس كمالية، وهذا ما يؤدي إلى خفض ميزانيته، واصفا ذلك بأنه معاناة حياتية بالنسبة له، فهذا الأمر هو أصعب ما يواجه في إقليم كردستان، متمنيا أن يدرك المسؤولين قيمة الكاريكاتير كما هو في المجتمعات والدور العربية التي يراها من وجهة نظره أفضل من هذه الناحية.

الشأن المصري

هذا ما قاده للحديث عن الشأن المصري، الذي أكد على أن له أعمال خاصة به وعادة ما تلقى تفاعلا كبيرا، مما يسعده كثيرا مؤكدا أن مصر من الدول العزيزة على قلبه، معلقا: “هي أم الدنيا بجد”، لافتا إلى أنه يتابع العديد من رسامي الكاريكاتير المصريين من بينهم الفنان الراحل مصطفى حسين، وأحمد حجازي، وأحمد طوغان، وغيرهم الكثير مؤكدا على  أن مصر ولادة للعديد من المبدعين، إلا أن أعمال الراحل مصطفى حسين، كانت تصله بشكل أسرع، واصفا إياها بأنها كانت أكثر جاذبية بالنسبة له وخطه كان مميزا ورائعا.

شعب فكاهي وقضايا إنسانية

أضاف: “الشعب المصري الشقيق من الشعوب الفكاهية والكوميديا لديهم بالفطرة وهذه من الأسباب التي تجذبني لمتابعة المجتمع المصري في مواقع تواصله وإعلامه وترنداته”، مضيفا: “وأحب الكوميديا المصرية جدا ومنها على سبيل المثال لا الحصر الفنان الكبير عادل إمام والممثل الشاب والمبدع حمدي الميرغني، وبيومي فؤاد، وكريم عبد العزيز، وأحمد السقا، وهنيدي والقائمة تطول مع حفظ الألقاب للمذكورين أكيد لهم كل الاحترام”.

وأشار إلى أن من أبرز الترندات المصرية التي حازت على اهتمامه كان سيدة القطار، والعديد من الترندات الإنسانية الأخرى، التي تدل على الفطرة الإنسانية السليمة للمجتمع المصري.

سمير غانم ودلال عبد العزيز

وتحدث “دجوار”، عن الرسم الكاريكاتيري الذي رسمه عقب رحيل الفنانة الكبيرة دلال عبد العزيز، والذي انتشر بشكل مكثف عبر مواقع التواصل الاجتماعي وأصبح أحد أهم الرسوم التي عَبرت عن الحب الذي جمع الزوجين، قائلا: “كنت أتابع الفنانين خاصة وأنهم من الأزواج المميزين في الوسط الفني، وهذا الأمر نادرا ما نجده في هذا الوسط، بجانب تاريخهما الحافل بالعديد من الأعمال الهامة”.

تابع: “تأثرت بقصة طريقة رحيل الأستاذ سمير غانم وزوجته التي رحلت بعد فترة قصيرة، حيث كان لا بد أن أتضامن مع هذا الحدث بعمل وأعطيهم قيمة ولو معنوية لابنتيهما إيمي ودنيا لتساهم في تحملهم لهذا الألم.. الله يرحمهم ويحسن إليهم ويصبر ذويهم”.

زيارته لـ مصر

وعما إذا كان قد سبق له زيارة مصر أم لا، فقال: “في عام 2006 سافرت من دمشق إلى ليبيا وكان لا بد من المرور بمصر وبقيت فيها يومين فقط للأسف الشديد وأتمنى أن أزورها بشدة فمصر من الدول الغنية ثقافيا وفنيا وتراثيا وهي حاليا تشهد نهضة مميزة وملفتة للنظر”.

تقاليد كردستانية

من ناحية أخرى، عاد الحديث مجددا إلى المجتمع الكردستاني، حيث قال المجتمع مقسم لأربع دول هي تركيا والعراق وإيران وسوريا، ورغم أن ثقافته كردية إلا أنه يشارك المجتمع إلى حد كبير في عاداته وتقاليده.

صورة توضح الأزياء الكردية.. مصدرها موقع “النهار”

أضاف، أنهم اعتادوا على ارتداء زيهم الخاص في المناسبات، من بينها عيد النوروز الذي يحل في 21 آذار، وهو يوم كردي يحتفل به كل الأكراد حول العالم.

الفن الكردي

ولفت إلى الفن الكردي من صميم ثقافته، إذ يهتمون كثيرا بالغناء والعزف والتمثيل والخط العربي، معلقا: “لدينا أمثلة كبيرة بهذا المجال سمعتهم انتشرت عالميا وهناك العديد من الممثلين السوريين والأتراك والإيرانيين أصولهم كوردية مثل الفنانة منى واصف وعبد الرحمن آل رشي، وفي تركيا الفنان يلماز كوني، والخطاط حامد الآمدي شيخ الخطاطين.. المجتمع الكوردي يحتاج إلى كتب للحديث عن اهتماماته وثقافته”.

فيما أكد أن المجتمع الكردي يميل إلى الغناء والعزف والتمثيل، إلا أن الغناء والعزف من أكثر الفنون انتشارا.

وقال إن الموسيقى الكردية قديمة ولها جذور عميقة، هذا ما ذكره بزمن الفن الجميل في مصر، حيث علق: “اهتم كثيرا بالموسيقى القديمة، ومن بينها موسيقى الزمن الجميل لديكم في مصر، مثل عبد الحليم حافظ، وأم كلثوم، وفنانين كثر لا بد لأي إنسان أن يسمعهم لأن أغانيم تصل للقلوب مباشرة، ولدينا ككرد أسماء مشابهة منهم حسن زيرك ومحمد شيخو أيضا أيقونات بالغناء الكوردي والكثير الكثير أعجز عن ذكرههم هنا”.

واختتم حديثه بالتطرق إلى اللغة، حيث قال: “: بحكم الدراسة بالعربي في سوريا والعراق تأثر المجتمع الكردي باللغة بلا شك ولكنه بقي محافظاً على لغته إلى يومنا الحالي، فالحمد لله هناك الآن مدارس ومعاهد باللغة الكردية وأصبح الوضع أكثر انفتاحا وقبولا من السابق”.