أدباء خارج الترند (4).. محمد توفيق

أحمد أسامة أدباء خارج الترند أدباء خارج الترند أدباء خارج الترند أدباء خارج الترند

تابع القراء والمهتمين بمجال الأدب والثقافة باهتمام شديد نتيجة إعلان القائمة الطويلة للأعمال المرشحة للفوز بالجائزة العالمية للرواية العربية والمتعارف على تسميتها بال “بوكر” وأسفرت عن إعلان 16 عملا أدبيا من ضمنهم 14 عملا يترشح أصحابها للقائمة للمرة الأولى. شملت القائمة اسم رواية “همس العقرب” للكاتب المصري: محمد توفيق، الصادرة عن دار العين للنشر، بغلاف مميز من المصمم: عبد الرحمن الصواف.

يندهش البعض عند معرفة أن الكاتب: محمد توفيق هو أيضا سعادة السفير: محمد توفيق، سفير جمهورية مصر العربية لدى الولايات المتحدة الأمريكية في أكثر فترات التاريخ المصري الحديث توترا واضطرابا بين عامي 2012-2015م، والدبلوماسي صاحب المسيرة الحافلة والمتميزة في العمل الدبلوماسي، والتي بدأت منذ التحاقه بالعمل بوزارة الخارجية عام 1983م، عقب حصوله على بكالوريوس الهندسة المدنية من كلية الهندسة جامعة القاهرة، وتدرج في المناصب الدبلوماسية حتى تقلد منصب سفير مصر في أستراليا في عام 2004م، وسفير مصر في لبنان عام 2011م، كما شارك في عدد من المفاوضات، الاجتماعات والمؤتمرات الدولية في مجالات نزع السلاح، حقوق الإنسان، التجارة والوكالات المتخصصة مثل منظمة العمل الدولية، منظمة الصحة العالمية، منظمة حقوق الملكية الفكرية، والاتحاد الدولي للاتصالات.

نرشح لك: أدباء خارج الترند (3).. مي خالد

يقر السفير محمد توفيق في حوار سابق مع جريدة البوابة نيوز أن الانشغال بالعمل الدبلوماسي لم يمنعه عن الكتابة، بل فقط جعل هناك دائرة محدودة من القراء له انحصرت في بعض النقاد والكتاب، وأفاد أنه يكتب منذ المرحلة الجامعية، لكن خلال عمله الدبلوماسي لم يكن هناك ترويج لما يكتب، فصار معروفًا لدى عدد كبير من الكتاب والنقاد لكن بلا حضور جماهيري، وهو التوازن الذي صنعه للمواءمة بين العمل الدبلوماسي والأدبي.

أيضا يفيد بأنه لم يفكر في التفرغ للأدب لأن احترافه ليست فكرة عملية في مجتمعاتنا، ولأن الاحتراف لا يرتبط بفكرة التكسب وإنما بدرجة التركيز والإبداع، فنجيب محفوظ مثلا لم يتفرغ للأدب إلا في سن متقدمة لكنه كان أديبا محترفا منذ اليوم الأول.

يؤكد السفير توفيق أن العمل الدبلوماسي أثرى رؤاه ومنحه المقدرة على تناول موضوعات كبرى مثل حركة التاريخ بصفة عامة وتأثيرها على الأشخاص وهى رؤية متأثرة بعمله الدبلوماسي، فضلا عن القدرة على الكتابة عن شخوص من ثقافات وأماكن مختلفة حول العالم، مستغلا في ذلك معرفته الواسعة بالأدب الإنجليزي واطلاعه المستمر على كل ما يخص الحركة الثقافية الإنجليزية، وذلك مكنه أيضا من ترجمة أعماله بنفسه من وإلى الإنجليزية لأنه اكتشف أن قيام المؤلف بترجمة أعماله بنفسه يحافظ على روح العمل، أيضا الاطمئنان على سلاسة النص المترجم والحفاظ على روحه في السياق الثقافي للغة الأخرى، كما اكتشف أن الأعمال المترجمة بالإنجليزية تجد صدى واسعا لدى قطاع كبير من الشباب المصري المحبين للقراءة باللغة الإنجليزية.

على الرغم من أن معظم الدبلوماسيين استهوتهم الكتابة عن تجاربهم مع العمل الدبلوماسي، فالسفير توفيق ليس الدبلوماسي الوحيد الذي يهوى الأدب، سبقه السفير عبد الوهاب عزام، الكاتب الشهير يحيى حقي، المفكر حسين أحمد أمين، والسفير السيد أمين شلبي. على اختلاف اهتماماتهم الأدبية فقد انجذب السفير محمد توفيق نحو الرواية والقصة وإن ظلت تجربته في العمل الدبلوماسي تلقي بظلالها بشكل أو بآخر على كتاباته، والتي يظهر عليها اهتماما خاصا بالتاريخ.

عقب انتهاء مهمته الدبلوماسية يرى سعادة السفير أنه حان الوقت للتفرغ للأدب، أيضا منح الوقت الكافي لورشة الكتابة الإبداعية التي يقوم بتنظيمها منذ أكثر من عشرين عاما، والتي بدأت كفكرة عابرة على الانترنت في ذلك الوقت، ومقرها الحالي مكتبة مصر العامة بالجيزة، وانضم لها العديد من الأسماء التي سطع نجمها مؤخرا على الساحة الأدبية المصرية مؤخراـ

نشرت أولى أعماله القصصية بمجلة القصة بعد أن فازت بجائزة نادي القصة عام 1988م، ثم نشر أول أعماله الأدبية مع الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 1995م، مجموعة قصصية بعنوان “الفراشات البيضاء”، أتبعها ب “عجميست” الصادرة عن دار الفكر العربي عام 1996م، ونوفيلا بعنوان “مطلع الفجر” عن دار الفكر العربي عام 1997م، ثم تتابعت أعماله الأدبية مع العديد مع دور النشر المختلفة والمميزة.

اشتهر السفير: محمد توفيق بثلاثية تاريخية نشرها على مدار أربعة عشر عاما، تؤرخ لتاريخ مصر بداية من عهد حكم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، حتى سنوات حرب الخليج الثانية. حملت الروايات عناوين “ليلة في حياة عبدالتواب توتو-طفل شقي اسمه عنتر-فتاة الحلوى”. اعتمدت الجامعة الأمريكية في القاهرة رواية” فتاة الحلوى” في نسختها الإنجليزية ضمن مناهجها المقررة على الطلبة عام 2014-2015م، .Candygirl

يرى السفير: محمد توفيق في حوار سابق أجراه مع جريدة الدستور، أن الرواية ليست بحثا تاريخيا، وإنما رؤية أدبية تستلهم القضايا التاريخية لتسقطها على الواقع المعاصر، فمن المهم أن يحرص الروائي على مصداقية عمله من خلال بحث مضني، وإظهار البعد البشري للأحداث التاريخية، وهي رسالة مهمة سواء من حيث نزع التقديس عن الشخصيات التاريخية، أو إبراز الثمن الذي يتكبده البشر لتحقيق الأمجاد التي يتغنى بها المؤرخون الرسميون، فلا توجد وسيلة متكاملة لكتابة التاريخ، وإنما هي محاولات لرصد الوقائع التاريخية من أكثر من منظور، وأهم ما يبحث عنه في أعماله كيفية تأثر البشر بحركة التاريخ، دون أن يكونوا مدركين بالضرورة للصورة الكبرى ومحركيها، هم فقط ضحاياها ووقودها الذي المشتعل بصورة مستمرة.

“ليلة في حياة عبد التواب توتو” والتي صدرت عام 1996م عن دار الثقافة الجديدة، تبدأ بحادث اغتيال السادات في 6 أكتوبر 1981م، ثم تعود زمنيا لأواخر القرن التاسع عشر من خلال تاريخ أسرة مصرية ممتدة، وتهدف لاستكشاف التحولات التي طرأت على المجتمع وصولا لصعود التيارات المتطرفة وحادث المنصة. أما “طفل شقي اسمه عنتر” والصادرة عن دار ميريت عام 2003م، فتتناول الأشهر الأخيرة من القرن العشرين، وانكسار الأحلام، وهيمنة الانفتاح وسيطرة الأثرياء ورجال الأعمال، انتهاء بحفل رأس السنة الصاخب للألفية الجديدة. في حين تبدأ الرواية الثالثة “فتاة الحلوى” والصادرة عن الدار المصرية اللبنانية عام 2010م، بحادث إعدام صدام حسين يوم العيد في 2007م، وترصد التدخل الأمريكي الغاشم وآثاره على المنطقة، والهيمنة المتزايدة للعالم الافتراضي ومنصات التواصل الاجتماعي على حياة الناس، وكيفية توظيفها لتحقيق أغراض الدول المتقدمة، وذلك على سبيل استشراف مستقبل المنطقة المليء بالاضطرابات.

أما في روايته الأخيرة” همس العقرب” فهي مستوحاة من رحلة صحراوية قام بها أحمد حسنين باشا قبل تقلده منصب رئيس الديوان الملكي المصري والمستكشفة البريطانية روزيتا فوربز إلى واحة الكفرة في الصحراء الليبية عام 1920 – 1921م، وركز في الرواية على تناول علاقة الشرق بالغرب، واستكشاف الأبعاد المختلفة لانبهار النخب في العالم الثالث بثقافة المستعمر وإنجازاته من جهة، ونظرة الغرب الرومانسية نحو الثقافات التقليدية من جهة أخرى. أيضا توضيح الانبهار الشرقي بالغرب له ما يقابله من إدراك النخب نفسها لنوايا المستعمر التي لا تكون بريئة غالبا، واعتزازها في الوقت ذاته بتاريخها وثقافتها، وحرصها على الحفاظ على هويتها الوطنية، فضلا عن استقلال إرادتها السياسية وخياراتها الاقتصادية. تحرص الرواية في هذا الإطار تحديدا على إلقاء الضوء على التناقض النفسي لأفراد هؤلاء الأفراد، والتناقض بين قطاعات مختلفة من الشعوب المستعمرة، والذي ينعكس بالضرورة على المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي، ولا يزال هذا التمزق الفكري مؤثرا حتى بعد تحقيق الاستقلال، لأن علاقة المركز بالأطراف التي شرحها المفكر “سمير أمين” لا تزال الملمح الرئيسي للمجتمع الدولي، على الأقل فيما يتعلق بالمركزية الثقافية والتكنولوجية.

تعد من أشهر أعماله الأدبية أيضا الصادرة باللغة بالانجليزية.Murder in the tower of happiness
محمد توفيق، أديب من طراز فريد، يحمل على عاتقه رسالة مضمونها أن الأمم تتقدم عندما تهتم بتاريخها، جنبا إلى جنب مع الاهتمام أيضا بواقعها الحالي، تدرس المراحل الحرجة والمنعطفات الهامة في تاريخها، تتعلم من أخطائها وتحرص على عدم تكرارها، ذلك هو السبيل الوحيد لتقدم الأمم وتطورها في طريق السعي لمستقبل مزدهر، وضمان حياة أفضل لشعوبها.