"الهنغاري".. أن تكتب للإنسان والإنسانية

يوسف الشريف

منذ أيام تم الإعلان عن الروايات المرشحة للقائمة الطويلة لجائزة “البوكر” للرواية العربية، وحين قرأت من بين أسماء الروايات المرشحة رواية لكاتب جزائري، أردت أن أقتني الرواية لا لشيء إلا لإعجابي بالأدب الجزائري منذ فترة، فالأدب الجزائري أدب قوي وإنساني، يستطيع أن يحاكي الكثير من المعاني الإنسانية والفلسفية كما يحاكي أيضًا معاني سياسية، فمن منا يستطيع أن ينسى رواية “ذاكرة الجسد”، أو رواية “اللاز”، ورواية “ريح الجنوب”، ومؤخرًا رواية “الديوان الإسبرطي” التي فازت بالجائزة نفسها عام 2020.

ولكن رواية “الهنغاري” للإعلامي والشاعر الجزائري رشدي رضوان، والصادرة حديثًا عن دار العين للنشر والتوزيع، هو تأكيد على وجود أدب جزائري جديد قادر على طرح الأسئلة ومحاكاة العالم، بلغة متهادية تأملية وأيضًا لاهثة، وسرد مختلف تشتبك فيه الحكايات كما تشتبك فيه مصائر الشخوص.

 

نرشح لك: تفاصيل مشاركة “المشروع الوطني للقراءة” في معرض الكتاب 2022

الحرب من أين وإلى متى؟

تدور أحداث الرواية في زمن الحرب العالمية الثانية، داخل الرواية أنت ترى حكايات لأشخاص تم الزج بهم في غمار أحداث كبرى ووقائع دموية عنيفة غير إنسانية بالمرة، دون أن يكون لهم أدنى مصلحة، وكأنهم تم القذف بهم في هذا العالم الدموي دون أن يكون لهم اختيار، أو مصلحة، وهذا ما يجعل الكاتب يطرح من الأسئلة في روايته القدر الكبير مما يجعل القارئ يلهث خلف السطور بحثًا عن إجابات لا ترهق القارئ فقط بل أيضًا ترهق الكاتب أيضًا وكأن الكاتب يقوم بعرض ما يؤرقه من أفكار تدور حول مفهوم الحرب والعدالة والسلام على القارئ ليشتبك القارئ معه في معركة فكرية بحثًا عن إجابات هائمة، تجعلنا نعود إلى حكايات لها علاقة بالحروب، وبالقتل وسفك الدماء، والتي ترجع بنا إلى زمن خلق الإنسان نفسه وقصة القتل الأول، ودوافع الشر داخل الإنسان.

ولطالما تم عرض سؤال الحرب، كان لا بد أن يتم عرض سؤال الوطن والهوية، وبداخل الرواية أنت ترى وتشتبك وتبحث عن تعريف حقيقي وصادق عن كلمة الوطن، وعن محاولات التمسك بالهوية الإنسانية التي تكاد أن تذوب في غمار حيوانية وهمجية كثير من البشر، وأيضًا ترى كيف يحاول الاحتلال طمس هوية أي وطن من أجل السيطرة عليه وتطويعه مما يجعلنا نقول هل طمس هوية الوطن تبدأ من طمس هوية الإنسان؟

الإنسانية روابط متجذرة

داخل الرواية يوجد ثلاثة أبطال هم مسعود مسلم الديانة، وجينو مسيحي، ويحيى يهودي. خلق الكاتب أبطاله وجعلهم تمثيل وإسقاط على الديانات السماوية الثلاثة، وعن طريق تلك الشخصيات نستطيع أن نرى أبرز الروابط التي تجمع بين البشر وتوحدهم، والتي إذا حافظ الإنسان عليها لوفر على نفسه الكثير من العناء، ولحقن كثير من إسالة الدماء، دون أن ترى أمة إنها أفضل من غيرها.

الغربة، الوحدة، الحرية، هي كلمات يتم البحث عن معانيها داخل سطور الرواية، وكلمات تؤرق أبطال الرواية، للدرجة التي تجعل أحد أبطال الرواية يتخذ طريق الحرب حل وحيد للوصول للحرية، وكأن بطل الرواية عرف أن الموت يمكن أن يكون الجسر الذي سيخلصه من القيود المختلفة. وأن الموت هو سبيل للحرية، وشكل من أشكالها.

فالحياة نفسها تفقد معناها كلما ازدادت حيوانية الإنسان، عندما يصبح إراقة الدماء شيء هين، وحين ترى أن هناك من يموت ويذبل ويدفع ضرائب لا تخصه فهل ستستطيع أن تحيا؟ لا بد وأن تشك في وجودك، وتستعجب بأنك تحيا وسط كل هذا الخراب ووسط بحور الدماء دون أن يصل الموت اليك.

وأيضًا نرى أبطال الرواية الثلاث هم فنانين، فجينو عازف بيانو، ومسعود لديه شغف بالناي، ويحيى مطرب، وهكذا جمع الفن بين المسلم والمسيحي واليهودي، وجمع بين كونهم يواجهون ويحلمون بحياة أفضل والتعبير عن كل شيء حتى القسوة بالفن.

فلغة الفن هي لغة عالمية يستطيع أن يفهمها الإنسان مهما كانت ديانته أو شكله أو لونه أو حتى لغته، فيمكن أن يشاهد إنسان في الشرق فيلم في السينما أو يستمع إلى أغنية أو يتأمل لوحة، ويصل له نفس الشعور الذي شعر به إنسان آخر يعيش في بقعة أخرى من الأرض، من وقعت عينه على هذا الفن نفسه، فالفن هو الذي يوحد بين المشاعر الإنسانية، والفن يستطيع أن يحاكي الإنسان دون لغة بعينها لأن الفن في جوهره لغة.

الأخلاق شيء آخر يوحد بين البشر، فالقواعد والأسس الأخلاقية لا تخص فئة بعينها من البشر بل تخص كل إنسان، وذلك داخل الرواية أنت لا تملك سوى أن تتعاطف مع الإنسان، هذا الكائن الضعيف الضئيل الذي لا يملك لنفسه شيء وسط عالم ضخم يموج بأحداث وتيارات لا يمكن مقاوماتها، ولذلك أنت تتعاطف مع كل إنسان داخل الرواية مهما كانت تصرفاته، ببساطة لأنه لا يملك رفاهية كثيرًا من الاختيارات.

وبناء على كل ما تم عرضه من أفكار تخص الرواية قد تعرفنا أن الرواية تحاكي الإنسان في كل وأي مكان على الأرض، ولذلك نحى الكاتب الكثير من الجوانب الجغرافية والمكانية، فمثلًا أنت إذا قلت إن فلان بطل الرواية هو فرنسي وليس جزائري أو أن هذا أمريكي أو مصري أو هنغاري أو ما إلى ذلك، لن تشعر بفارق كبير، لأن الإنسان واحد في كل الدنيا يشعر بنفس الشعور في لحظة الألم والحرب، والحب وجميعهم يبحثوا عن شيء واحد ألا وهو الحرية.

إعلام دوت كوم من العرض الخاص لفيلم تماسيح النيل