محمود خليل يكتب: «عبدالرحمن».. «قطب».. «ميرابو»!

يُحكى أن «سيد قطب» كان له دور مهم فى التنظير لثورة يوليو 1952، لدرجة أنه لقب بـ«ميرابو الثورة»، وقد كتب ذات يوم مقالاً بعنوان: «أخرسوا هذه الأصوات الدنسة» طلب فيه من الإذاعة المصرية -التى كان يؤهل ليترأسها حينذاك- التوقف عن بث أغانى أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب وفريد الأطرش وليلى مراد وعبدالعزيز محمود ورجاء عبده وفايدة كامل وشهرزاد، ووصفهم بالمخلوقات الشائهة البائسة التى تدنس رجولة الشعب وأنوثته. كان ذلك عام 1952. وفى عام 2014 اتخذ الأستاذ عبدالرحمن رشاد، رئيس الإذاعة المصرية قراراً بمنع بث أغانى «حمزة نمرة»، وبرره كما صرح لوكالة الأناضول بأن حمزة نمرة لا يعترف بثورة 30 يونيو التى خرج فيها جموع المصريين، ويقدم أعمالاً فنية تترحم على ثورة 25 يناير2011، والتى يراها انتهت فى يونيو 2013، لأنها أدت لانقلاب عسكرى وليس إلى ثورة. وفى رواية أخرى نشرها موقع الأهرام، برر القرار بأن «نمرة» ليس مطرباً معتمداً بالإذاعة.

أياً كان السبب، علينا بداية أن نقر بأن من حق الأستاذ عبدالرحمن رشاد أن يتخذ القرار الذى يراه أصلح للخدمة التى تقدمها الإذاعة للمواطنين، من منطلق مسئوليته عن ذلك، لكننى توقفت أمام جملة قالها لوكالة الأناضول قال فيها: «من يعارض النظام الحاكم يعارض بالتبعية إعلام الدولة الرسمى وجموع الشعب». واضح أن رئيس الإذاعة يخلط بين مفهوم الدولة ومفهوم السلطة. الإعلام الرسمى الذى يصفه هو نفسه بإعلام الدولة، من المفترض أن يقدم رسالة قومية تعبر عن أطياف المجتمع المختلفة، وبالتالى فهو ليس إعلام ملاكى للسلطة أو النظام الحاكم، إلا إذا كان «رشاد» يرى أن من يحكمون مصر الآن هم الدولة، وأن أى صوت معارض يتشرنق فى خندق الخيانة!. قد يكون هذا رأيه، وهذا حقه بالطبع لكن عليه أن يعلم أن الإذاعة التى يترأسها ليست إذاعة «عبدالرحمن رشاد»، أو إذاعة «السلطة الحاكمة»، إنها إذاعة مصر والمصريين، ومن الناحية المهنية عليها أن تعبر عن كل وجهات النظر، وليس عن وجهة نظر واحدة، لأنها فى النهاية تقدم خدمة مهنية لصالح المستمع، وليس خدمة دعائية لصالح من يحكم، وبالتالى فهى مطالبة بأن تعكس كل الأصوات والأطياف المؤيدة والمعارضة.

إننى أربأ برئيس الإذاعة أن يفكر بنفس طريقة الإخوان وكاهنهم الأعظم «سيد قطب» الذى طالب، حين دعا إلى منع إذاعة أغانى المطربين المذكورين أعلاه، بـ«تطهير الإذاعة»، منطلقاً من التربية الإخوانية القائمة على الإقصاء، والتعامل الفاشى مع المخالفين فى الرأى، تلك السياسة التى أوردت جماعتهم موارد الهلاك عندما وصلوا إلى الحكم. أنا أفهم أن تكون هناك أسباب موضوعية للاستبعاد، لكن أن يتم الاحتجاج بأن فلاناً أو علاناً من المطربين أو الفنانين مؤيد أو معارض للنظام فهذا ليس بالمنطق. من الصعب أن أقدر أن السلطة الحاكمة ترضى بمثل هذه القرارات، لأنها تضار بها، فلا شىء يضر بسلطة من السلطات، مثل تلك القرارات التى يتخذها مسئولون يرون أنفسهم ملكيين أكثر من الملك، لأن بمثل هؤلاء يهلك الملوك!.

نقلًا عن جريدة “الوطن”