بعد إعادة مونتاج "المال والبنون".. كيف أثرت "نتفليكس" على مخيلة المشاهد العربي؟

رباب طلعت

الانفتاح الكبير الذي أحدثته منصات العرض التدفقي العالمية، على الجنسيات المختلفة من العروض الفنية سواء كانت على مستوى الأفلام أو المسلسلات، مع العدد الضخم المقدم سنويًا عبر المنصة الواحدة، وسع أفاق المشاهد وخياله بشكل ملحوظ، خاصة المشاهد العربي، حيث نجح البعض في إعادة صياغة ومونتاج أعمال عربية شهيرة بمنطلق عالمي.

ولعل المنصة الأشهر، أو الأشيع في الوطن العربي هي “نتفليكس” والتي تلقى أعمالها اهتمامًا كبيرًا من المشاهد العربي بجانب المنصات العربية الموجودة، ما جعلها في صدارة عناوين الأعمال المعاد صياغتها، حيث ظهرت سلسلة من الفيديوهات تحت عنوان “ماذا لو أنتجت “نتفليكس مسلسل كذا”، أو “ماذا لو كان فيلم كذا من إنتاج نتفليكس”، بجانب الظاهرة الأقدم نسبيًا وهي “ماذا لو كان العمل كذا من ترجمة نتفليكس”.

البداية مع الترجمة
منذ عامين وأكثر بقليل، أبدت “نتفليكس” اهتمامًا واضحًا بالأعمال العربية، ليس فقط على مستوى الإنتاج إنما أيضًا بضم عدد من الأعمال “الكلاسيكية” إلى مكتبتها، وكان أبرزها “مسرحيات العيد”، كما يطلق عليها لارتباط عرضها على التلفزيون بالأعياد، ومنها “شاهد ماشفش حاجة”، و”الواد سيد الشغال”، و”ريا وسكينة”، و”مدرسة المشاغبين”، و”العيال كبرت”، وغيرها، مما لقى احتفاء كبير في الوطن العربي كله وليس في مصر فقط، لارتباط الجميع بتلك المسرحيات، ولكن الأمر تحول وقتها لـ”ترند” ليس لعرض الأعمال على منصة عالمية ولكن بسبب الترجمة.

نرشح لك: خريج جيولوجيا ويحلم بهوليوود.. عبد الرحمن كرم الدين يكشف كواليس مونتاج “الكاهن”

ترجمة “نتفليكس” لتلك الأعمال جاءت بطريقة “كوميدية” خاصة لـ”الإفيهات” فالطابع المصري الغالب على تلك “الإفيهات” لم تنجح الترجمة بالعربية الفصحى ولا الإنجليزية في ترجمته، وبالتزامن مع موجة السخرية من الترجمة في 2020، ظهرت فيديوهات على السوشيال ميديا، قدم فيها بعض المشاهدين من الشباب ترجمة قريبة لما قدمته “نتفليكس” على أعمال شهيرة، كان أبرزها فيلم “الكيف”، بطولة الفنان الراحل محمود عبد العزيز، والفنان يحيى الفخراني، نظرًا لصعوبة ترجمة كلمات “عبدالعزيز” الشعبية إلى عربية فصحى.

 

“تريلر” أعمال عربية برؤية “نتفليكس”
تطور الأمر لإعادة إنتاج “تريلر” بعض الأفلام العربية، بصورة كوميدية أيضًا، ومن وجهة نظر المشاهد الذي اعتاد على طريقة “نتفليكس”، المليئة بالغموض والإثارة، وتتخلل المشاهد كلمات وجمل مشوقة للعمل.
اللافت في تلك الفيديوهات أن أكثرها كان لأعمال كوميدية، وقد نجح صناعها في تحويل “التريلر” لشكل مختلف تمامًا لا يدل على أية كوميدية في العمل، بل ظهرت بالفعل كأنها أعمال جريمة أو إثارة وغموض، مثل “غبي منه فيه”، للفنان هاني رمزي، و”أمير البحار” للفنان محمد هنيدي، و”وش إجرام” له أيضًا.

 

الترويج للمثلية من “نتفليكس” للأعمال العربية
الاتهام الأكبر الذي تواجهه “نتفليكس” دائمًا هو الترويج للمثلية، لاهتمام المنصة بتضمين خطوط درامية لشخصيات مثلية في الأعمال، على نحو ملحوظ، حتى وإن لم يكن له ضرورة درامية، وحتى وإن لم تكن بمشاهد (+18) لابد من الإشارة لوجود قصة مثلية في العمل، وذلك الأمر جعل البعض يتخيل لو كانت “نتفليكس” هي المنتجة لأعمال درامية عربية شهيرة مثل “الكبير قوي” من بطولة أحمد مكي، بقص أحد المشاهد، مع الفنان حسام داغر، والإشارة إلى أن المشهد كان يلمح للمثلية.

ووصل الأمر لإعادة مونتاج كاملة لبعض مشاهد أحد أشهر الأعمال العربية “المال والبنون” الذي كان واحدًا من أهم الأعمال الدرامية في عصره، وذلك بتجميع مشاهد في غير سياقها بالطبع مع الفنانين أحمد عبدالعزيز وشريف منير، والإشارة إلى أن “نتفليكس” لو كانت هي من أنتجت العمل لكان اتخذ هذا الشكل، وكانت علاقة الصداقة والمحبة التي جمعت بينهما تدل على المثلية.

فيديو المال والبنون هو الأشهر مؤخرًا، والذي حاز على تفاعل كبير ونشرته الكثير من الصفحات ساخرين من فكرة “نتفليكس” إلا أنه أظهر توسعًا كبيرًا في مخيلة المشاهد العربي، الذي يستطيع “قص ولصق” المشاهد من أعمال قديمة، وإعادة مونتاجها لينتج بها خط درامي مختلف تمامًا.


تلك الظاهرة ليست في مصر فقط، بل انتشرت عربيًا أيضًا، حيث أعاد البعض مونتاج لـ”باب الحارة” أحد أطول المسلسلات السورية وأشهرها، والذي ظل يعرض لسنوات طويلة على قناة mbc، في أجزاء متتالية.


وعلى الرغم من أن كافة تلك الفيديوهات استخدمها أصحابها للسخرية فقط، إلا أنها مؤشر مهم لتغير تلقي المشاهد العربي للأعمال الفنية، حيث لم يعد يشاهدها كما هي فقط، بل أصبح قادرًا على صناعة سيناريو مختلف تمامًا منها، وهو الأمر الذي أثرت به بشكل كبير وجود منصات العرض التدفقي، وكثافة الأعمال التي يشاهدها يوميًا.