"قودي سيارتي".. رحلة البحث عن الخلاص

نقلا عن نشرة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي

خالد عبد العزيز

في رواية “جنوب الحدود غرب الشمس” للروائي الياباني “هاروكي موراكامي”، يتقابل بطل الرواية مصادفة بمحبوبته التي تعاود الظهور والاختفاء بين الحين والآخر، لتضع البطل في حيرة حياتية قوامها الحزن الشفيف، ذلك الحزن الغريب الذي يُمسك بتلابيب “بطل قصة “قودي سيارتي”، التي يلتقط تفاصليها المخرج وكاتب السيناريو الياباني المرموق “ريوسوكي هاماجوتشي” في فيلمه الأحدث المعنون بنفس الاسم.

فالفيلم يبدو مهموما بالتعبير عن الحزن والألم الإنساني، ومدى قدرة النفس البشرية على مواجهة تلك التحديات الداخلية، التي قد لا تُرى بالعين المجردة، إنما يُستشعر بتفاعلاتها ورواسبها المتكلسة على مدار الزمن، الذي يجعل “ياسوكو” (هيدتوشي نيجايما) الممثل والمخرج المسرحي، حياته سلسلة متصلة من الآلام بعد فقدانه زوجته فجأة.

 رحلة البحث عن الخلاص

نرشح لك: عن دراما رمضان.. حلقة نقاشية لـ إياد نصار وبيتر ميمي بمهرجان القاهرة

 

اختار السيناريو أن تسير أحداثه وفق إيقاع هادئ بطيء للغاية، أشبه بإيقاع الروايات الكلاسيكية التي تنتمي للقرن التاسع عشر، مما يعطي المساحة لفيض المشاعر بالتسرب داخل نفس متفرجه على مهل، وبما يتناسب مع حياة الشخصيات الرئيسية التي تُعاني من شيئاً ما بداخل نفوسهم، قد يكون حزناً براقاً، أو غربة ما تُبعدهم عن العالم المحيط بهم، وتُدخلهم في شرنقة تُغلف حياتهم، وتشوش رؤيتهم تجاه أنفسهم وما حولهم، وكأنهم يرون العالم بعيون مغبشة تملأها الدموع.

يبدأ الفيلم بتمهيد درامي يستغرق ما يقرب من الأربعين دقيقة، كمقدمة المقطوعات الكلاسيكية، نرى فيها حياة البطل مع زوجته “أوتو” (رياكا كيرشيما)، وهما معاً في حياة هادئة قوامها الإنسجام، لا يشوبها سوى خيانات زوجته السرية والمتكررة، التي شقت مواربة السر، وانطلقت للعلن بالنسبة إليه، مما يُحيل حياته إلي جحيم داخلي لا يقو على مواجهته، أو حتى التصريح الهامس به، والسبب حبه اللا محدود لها، مما يجعله يفتح باباً للغفران لا ينغلق أبداً في وجه مذنبته.

يخلق السيناريو نقطة حبكة تندفع منها الأحداث للأمام، حينما يفقد “ياسوكو” زوجته “أوتو” فجأة، إثر موتها المفاجئ، ويضطر للسفر في رحلة عمل، ومن ثم تتحول حياته إلي نغمة حزينة لا تفقد صوتها الشجي، يتصاعد أنينها الخافت ويتحول إلي عواء متصل، يبحث عن شريك، يجده في “وتاري” (توكو ميورا) التي تعمل كسائق خاص لسيارته.

ينسج السيناريو في الحركة الثانية من السرد الأشبه بالمقطوعة الموسيقية، العلاقة بين “ياسوكو” و”وتاري”، في البدء يغلب التشكك من كل طرف تجاه الأخر، كل منهما يرتدي قناع يخفي ما بداخله، فملامحهما يشوبها الوجوم الدائم، الذي لا يكشف عن أية مشاعر أو إنفعالات داخلية، فقد رسم السيناريو شخصيتي كل منهما في تماس مع الأخرى، تتلاقى حياتهما بشكل أو بأخر مع أحزانهما المشوبة بالفقدان، “ياسوكو” الذي فقد زوجته و”وتاري” التي فقدت أمها، كل منهما يرى أنه مسئول بشكل أو بأخر عن تعرجات حياته، “ياسوكو” يشعر بالإخفاق من حياته السابقة، في مقابل إحساس “وتاري” بالذنب تجاه رحيل أمها، كل منهما يحمل مسئولية الفقد على عاتقه، ويبحث عن وسيلة للهروب من ذلك الأسر، مثلما يقول “ياسوكو” لـ”وتاري” في أحد المشاهد، “علينا أن نستمر في الحياة، فأنا على يقين تام بأننا سنكون على ما يرام”، وبالتالي يتضح مغزى العلاقة بينهما ببعدها الرمزي، “وتاري” تقود سيارة “ياسوكو” المحببة، وكأنها تعبر به الجانب الأخر من الحياة.

لا يدور الفيلم حول صراع درامي مألوف، بل يغوص في فلك الداخل، فالصراع هنا نفسي، يُعَبر عنه خارجياً من خلال عمل البطل الإبداعي، حيث يعمل على إخراج مسرحية “الخال فانيا” للكاتب الروسي “تشيكوف”، وهنا يعاود السيناريو ممارسة التناص والتوازي بين الشخصيات، فالتماس بين شخصية “فانيا” وشخصية البطل الحقيقة واضح جلي، فكأن التعبير الدرامي عن الألم التي يحياه بطل المسرحية، ما هو إلا تعبير عن واقع البطل ذاته وما يعانيه، وبالتالي بدا الحوار منسوج بحرفية شديدة، ما تتفوه به شخصية “فانيا” يكاد يلتصق بماضي “ياسوكو”، حيث نراه في أحد المشاهد وهو يؤدي شخصية “فانيا” يصرخ ويبكي من فرط معاناته الداخلية، فالواقع أن خضوعه تحت سطوة شخصية “فانيا” ما هو إلا محاولة سيزيفية للبحث عن خلاصه الروحي وتحرره.

يصل الفيلم في الحركة الثالثة من الأحداث إلي لحظة التنوير أو التحرر، حينما يُجسد “ياسوكو” شخصية “فانيا” وتُخبره إحدى الشخصيات أثناء العرض “علينا ان نستمر بالعيش، حتى لو لم نذق طعم الراحة”، فتلك الحياة التي يُعبر عنها الفيلم بكل ما تحويه من آسى وحزن وقبس من بهجة قد يمر أحياناً، وقد لا يشق غباره ليالي الأرق الطويلة.

رنا رئيس تكشف لإعلام دوت كوم تفاصيل دورها في “موضوع عائلي”