أحمد خليل.. أن تنتصر للمبادئ في زمن النجومية

“لو كنت اتسألت من 50 سنة إيه هي الحياة كنت قلت هي الأمل والحلم.. لكن دلوقت اكتشفت إنها العطاء، الشغل دلوقت هو اللي بيخليني سعيد وبيرجعني شباب، أصل الحياة بابين بينهم ربع متر.. أنا فتحت باب ومشيت خطوة ودلوقت إيدي على أوكرة الباب التاني”.. بكلمات بسيطة لخّص الفنان الراحل أحمد خليل قصة حياته، موقفه من الحياة ككل، مفاهيمه عنها، تجاربه فيها، حبه لله، للفن، للأمل، للعطاء، لكل شيء مر به، من أين بدأ وإلى أين ينتهي!

(1)

“أنا اتربيت تربية عايز أحافظ عليها مهما كانت الظروف”

البداية كانت في مدينة بلقاس بمحافظة الدقهلية، حيث ولد في يناير 1941 (وليس يوليو كما هو موجود على موقع ويكيبيديا”، تخرج في المعهد العالي للسينما وأكاديمية الفنون عام 1965، وكان الأول على دفعته، ليكرمه الرئيس جمال عبد الناصر في عيد العلم، ثم قابل الفنان كرم مطاوع الذي كان يؤسس وقتها لـ”مسرح الجيب”، فانضم إليه، وقدم 9 مسرحيات في عامين.

لم يرفض والده دخوله المجال الفني في البداية، إلا أنه أراده أن يكون مخرجا لا ممثلا، كي لا يتنازل عن قيمه ومبادئه، فنفّذ وصيّة والده لكن في التمثيل، فبعد أكثر من 50 عاما، قدّم خلالها ما يزيد عن 250 عمل فني بين سينما ومسرح وتليفزيون، أكد خليل دوما أنه لم يقدم ما يخجل منه أبدا، فلم يتلفظ بألفاظ بذيئة أو مشاهد خادشة للحياء أو تصرفات غير لائقة، “كل اللي قدمته راضي عنه.. والعمل اللي ميزودش نجاحي على الأقل مش هيضرني لأني مبعملش حاجة تخالف قيمي ومبادئي”.

(2)

“الحب قبل الزواج ليس مهما ولا أعترف به، فالحب الحقيقى يأتى من حسن العشرة بين الطرفين”

رأى خليل أن الزواج قدر ومكتوب لا مفر منه، “الواحد بيبقا ماشي في الشارع يتكعبل يلاقي واحدة ست تقوله سلامتك فيتجوزها.. لو مكنش اتكعبل مكنتش قالت سلامتك مكنش اتجوزها.. يبقا نصيب ولا مش نصيب!”.. لذلك تكررت زيجاته عدة مرات، كان أبرزها زواجه من الفنانة سهير البابلي، والذي حدث بشكل مفاجئ، إذ التقيا خلال إحدى السهرات التلفزيونية، ومع انتهاء التصوير كانا قد قررا الزواج.

قرار سريع غير مدروس، لذلك كان من الطبيعي أن ينتهي بالانفصال، فقد كان لا يزال في شبابه وطباع أهل الريف التي نشأ عليها في داخله، بينما هي نجمة كبيرة تتأخر في تصوير الأعمال الفنية، ويريدها هو أن تعود للمنزل مبكرا حتى وإن تركت الفن، لديه خطوط حمراء كثيرة، وهي تراها قيودا غير ملائمة… إلى آخره من الأسباب التي جعلتهما لم يستطيعا التكيف سويا، لكنه رغم الانفصال لم يتحدث عنها بالسوء، بل ظل يؤكد حتى وفاته أنها سيدة عظيمة ورائعة.

لكن ما لم تتحمله زوجاته المصريات، استطاعت “هايدي” الألمانية أن تنجح فيه لأكثر من 25 عاما، فبالرغم من أن زواجه منها كان تقليديا إلا أنها استطاعت السيطرة عليه، وتقبل طباعه وانفعالاته، فقد تعرف عليها في البداية حين استضافتها أسرته لعدة أشهر حين جاءت لزيارة مصر، وطلبت منه والدته أن يتزوجها، فوافق، لكن بشرط إخبارها بالخطوط الحمراء في حياته وأن يصارحها بكل ماضيه، ليرى إن كانت ستتقبل ذلك أم لا، فوافقت الفتاة وتم الزواج.

“مشتني على العجين ملخبطهوش، عملت اللي الستات المصريات مقدروش يعملوه معايا، بس مش ذنبي هما اللي طيبين”… ورغم سنوات زواجهما الطويلة لم يتعلم منها اللغة الألمانية، وطلب من أسرته ألا يعلموها اللغة العربية، لكنها تعلمتها، وأنجبت له ابنتين، ودخلت الإسلام بعدها.

(3)

“زمان كنت صعب أوي وغير مرن في التنازل عن أي شيء.. دلوقت بعتبر نفسي انحرفت”

قرر أحمد خليل الاعتزال عام 1974، إذ رأي أنه لا يصلح أن يكون ممثلا، فقد كانت الأجواء العامة عقب تخرجه ووقوع النكسة ثم حرب الاستنزاف ثم أزمات معاهدة السلام وغيرها جعلت الحياة صعبة، والرؤية غير واضحة بالنسبة له، فضلا عن صدمته في أن الفن ليس سهلا مثلما توقع، وأن أصوله الريفية تمنعه من بعض الأمور، فمثلا لم يكن هناك غرف لتبديل الملابس للفنانين، بل كانوا يبدلونها خلف الديكور، وغيره من الأمور التي كان يراها صعبة عليه نفسيا، نظرا لكونه “رجل فلاح” في الأصل.

كان يعتبر أن التقاليد والآداب الفنية انهارت في تلك الفترة، فاعتزل الفن لعدة أشهر، ثم عاد إليه مرة أخرى بعدما حصل على عقد عمل بمؤسسة الخليج للأعمال الفنية بدبي، وقدم عدة أعمال من تأليف الكاتب الكبير الراحل محفوظ عبد الرحمن، وحاول وقتها المخرج عادل صادق إغرائه بزيادة الأجر ليعود للعمل في مصر، ولكنه رفض بشدة، واستمر بالعمل معهم حتى عام 1986، ثم عاد إلى مصر، ولم يفكر في الاعتزال بعدها على الإطلاق.

(4)

كل دور لعبته يحمل جزءًا مني، سواء الفلاح أو البرنس.. كنت صادقا في كل ما قدّمته

قدم خليل مئات الأعمال الفنية، ما بين دراما تليفزيونية وإذاعية وسينما ومسرح، أبرزها “هوانم جاردن سيتي”، و”حديث الصباح والمساء”، و”رد قلبي”، و”ليلة سقوط غرناطة”، و”الفرسان”، و”عنترة”، و”سليمان الحلبي”، و”ناصر 56″، و”المومياء” و”ضد الحكومة”… إلخ.

لاقت بعض الشخصيات التي قدمها نجاحا كبيرا، فمن عطا المراكيبي العاشق المتيم بهدى هانم في “حديث الصباح والمساء”، للشيخ القويسني الضرير الذي يقود الصراع المسلح ضد المستعمر الفرنسي في “الأبطال”، لإسماعيل كمال الأمير الإقطاعي الكبير في “رد قلبي”، لأبوبكر شهاب الأب العادل الداعم لأحفاده بعد انفصال ابنته عن زوجها في “قصة الأمس”، لغيره الكثير والكثير من الأعمال، أثبت أحمد خليل أنه ظل متمسكا بمبادئه التي وعد والده ألا يتخلّى عنها، ولم يقدم ما يندم عليه بأي حال من الأحوال.

 (5)

لا يوجد شيء اسمه دور كبير ودور صغير، أنا بأقيس قيمة الدور بأثره، وهل يشبع احتياجاتى كفنان ولا لأ !

لم يكن العمر عائقا أمام أحمد خليل عن تأدية أي دور، فالرجل أجاد ارتداء أغلب العباءات الفنية بأداء متزن، خاصة أنه أحسن اختيار معظم أدواره حتى وفاته، واحترم المهنة والزملاء ككل، لدرجة أنه كان يفتخر بأنه على مدار مسيرته الفنية بأكملها لم يتأخر ولو مرة واحدة عن أوردر تصوير، ولم يندم على اختياراته أو يقدم عملا يخجل منه، أو تخجل الأذن من الاستماع إليه أو العين عن رؤيته.

المحطة الأبرز في أدواره في السنوات الأخيرة، كانت في رمضان قبل الماضي، حين ظهر  في مسلسل “الفتوة”، في دور المعلم صابر أبو شديد فتوة الجمالية، الرجل الحازم الحاسم القوي أمام العامة، وفي الوقت نفسه الأب الحنون على ابنته بعيدا عن أعينهم، ينتفض من دعوة أحد الفقراء عليه في المسجد، ولا يعلم أن بطش ابنه في الناس سبب كرههم له، لكنه كبر في السن، ولم يعد قادرا على مطالعة شؤونهم وأحوالهم كما كان في السابق.

دور عميق قدمه أحمد خليل بأداء بسيط غير مفتعل، استطاع من خلاله أن يخرج بسلاسة من دور الباشا المثقف، رجل الدين، أو العالم، أو الغني المسيطر، المعروف عنه في أغلب أعماله، ليدخل من جديد في ثوب الحارة الشعبية بعد ما يقرب من 20 عاما على مسلسل “حديث الصباح والمساء”… وكأنه اختصر الزمن والنجاح بينهما.

 

نرشح لك: أحمد خليل: “في حياتي كلها لم أخطئ في اختيار أدواري”