أبحاث جديدة حول الزهايمر.. والنساء تتساءل: هل ينحاز العلم للرجال؟

ابتسام كامل

لماذا ينسى الرجل تاريخ ميلاد زوجته؟ ومكان وزمان اللقاء الذي جمعهما، وتاريخ الزفاف، وتواريخ ميلاد الأطفال و..و..! وكم من مشكلة تنفجر حينما ينسىى بعض المهام المنزلية؟ مثل إخراج القمامة، والتأكيد على إغلاق أنوار وأبواب المنزل.. إلخ. وهل للأمر علاقة بأمراض الذاكرة؟ وطول عمر الإنسان وجنسه وذاكرته!

من الطبيعي، أننا جميعا نتعرض للنسيان، وفقدان الذاكرة المؤقت، نتيجة للإجهاد أو الإصابة ببعض الأمراض، ثم يختفي الأمر وتتحسن الأحوال. أما حينما يرتبط النسيان وفقدان الذاكرة بالانخفاض في بعض مهارات التفكير.. وما يتبع ذلك من تصرفات تعيق الحياة.. فلا بد من ربط الأمر بالزهايمر Alzheimer علما بأن أعراض الزهايمر قد تظهر بنسبة ٥-٦%  بين الشباب في عمر ٣٠ -٤٠ سنة، دون سن الخامسة والستين.. باعتباره العمر الذي غالبا ما يظهر فيه الزهايمر، والذي يتطور بعد ذلك لمرض الخرف Dementia.

نرشح لك: الأحفاد يقللون فرص إصابة الأجداد بالزهايمر

الصدمات العاطفية

بالإضافة للتدخين وأمراض القلب، يعتقد أن الإصابة بالأورام والجلطات الدموية أو التهابات الدماغ من أهم مسببات الزهايمر. مما يؤدي لموت بعض خلايا الدماغ، بالإضافة إلى اضطرابات الغدة الدرقية، أو الكلى والكبد، أو إصابة الرأس بالارتجاج، وأيضا نتيجة للصدمات العاطفية، ونتيجة الآثار الجانبية للأدوية، مع عدم تناول ما يكفي من الڤيتامينات والمعادن في الجسم مثل ڤيتامين ب ١٢. ورغم ذلك، فمريض الزهايمر لديه القدرة على ممارسة بعض المهارات والعادات مثل القراءة أو الاستماع إلى الموسيقى، وسرد القصص والذكريات البعيدة، أو القيام ببعض الحرف؛ طالما لم يطل الضرر جزء المخ الذي يتحكم في هذه المواهب.

يفقد مريض الزهايمر ذاكرته القريبة، فينسى الأحداث المحيطة والأشخاص المقربين، ويتذكر الأحداث البعيدة بسهولة، ما يؤكد إصابة الدماغ بالخلل في عمليات التفكير وإصدار الأحكام واتخاذ القرار، بالإضافة لصعوبة ممارسة الأنشطة اليومية مثل طهي الطعام أو ارتداء الملابس والاستحمام. مع حدوث التغيرات المزاجية كالاكتئاب، أو اللامبالاة، أو الانسحاب الاجتماعي، أو التهيج والعدوانية، يصاحبها صعوبة ببعض عادات النوم، والتجول بلا هدف، والأوهام.. و…و! كما يتسبب مرض الزهايمر في إصابة مرضاه الذين تجاوزوا ٧٠ عاما.. بالخرف.

٦ ساعات نوم

ونظرا لتداخل أعراض الإصابة بين الزهايمر والخرف.. يخلط البعض بين المرضين، لكن العلم يرى ضرورة التمييز بينهما لأهمية إدارة العلاج. فالزهايمر- مرض بلا سبب محدد وبلا علاج متاح – ويُعرف بأنه اضطراب عصبي تدريجي متفاقم، يؤدي إلى تقلص وضمور الدماغ وموت خلاياها. مما يتسبب في بطء الذاكرة وضعف الوظيفة الإدراكية وما ينتج عنها الأعراض المصاحبة.

أما الخرف، فهو مرض تدريجي يصيب الدماغ، ويتسبب في ضعف الذاكرة والإدراك، والتفكير. يحدث بسبب تلف بعض الخلايا الدماغية، نتيجة الإصابة ببعض الالتهابات، والڤيروسات كڤيروس نقص المناعة، وأمراض الأوعية الدموية، والضغوظ النفسية، والكآبة، والسكتة الدماغية، وإدمان المخدرات والتدخين وأمراض القلب. وقد يحدث نتيجة العوامل الوراثية للمرض. وبنسبة ٣٠% لمن ينامون أقل من ٦ ساعات يوميا ممن يتراوحون بين ٥٠ -٧٠ سنة. بالإضافة لبعض الأمراض مثل مرض باركنسون وهنتنجتون، ومرض الزهايمر نفسه الذي يتسبب بنسة ٥٠ -٨٠% في الإصابة بالخرف.

وتظهر أعراض الخرف في خلل السلوك والفهم والحساب والحديث، وعدم القدرة على ممارسة الأنشطة اليومية، كما يؤثر في القدرة على ضبط العاطفة والسلوك الاجتماعي! فيكرر المريض نفس الأسئلة، وينسى بعض الكلمات أثناء الحديث، ويصف الأشياء بغيرها كوصف الدولاب بالسرير أو العكس، بالإضافة لنسيان أماكنها، كما يمكن أن يتوه أثناء السير أو القيادة في الشارع.

ومع تقدم الخرف، يزداد النسيان والارتباك، وقد يتطور الأمر ليصبح مرضى الخرف غير قادرين على رعاية أنفسهم. ويبذلون جهدا في تذكر الأشخاص والأماكن. وأحيانا ما يتغير مزاجهم ويتحول سلوكهم إلى اكتئاب وعدوان.

٣٠٠ ألف مصاب في مصر

صنفت منظمة الصحة العالمية الزهايمر والخرف باعتبارهما سابع أهم أسباب الوفاة في العالم! حيث تمثل نسبة الإصابة بالمرض في أي مجتمع ١%  لمن بلغوا ٦٥ عاما، و ٥% لمن في سن الـ ٧٠، و٣٠% لمن بلغوا ٨٥ سنة فاكثر! وفي مصر، أكد الدكتور طارق عكاشة رئيس جمعية الزهايمر أن لدينا أكثر من ٣٠٠ ألف مصاب بهذا المرض، كما بلغ عدد المصابين بالخرف ما بين ٤٠٠ – ٦٠٠ ألف مريض، من حوالي ٥٠ مليون مصاب في العالم، مع ازدياد نسبة الإصابة السنوية بحوالي ٧.٧ مليون حالة جديدة.

يعيش ٧٠% من المرضى في البلدان النامية والمنخفضة والمتوسطة الدخل؛ مما يزيد الاهتمام بالمرض، نظرا لما تتكلفه الدول من مصروفات بلغت ما يزيد عن ٦٠٤ مليار دولار أمريكي، بما يعادل ١% من متوسط الناتج المحلي العالمي لرعاية المرضى، بالإضافة للخسارة الناتجة عن تعطل قدرة المرضى البالغين ٦٠ عاما عن العمل والإنتاج!

الذاكرة وأنوثة المرأة

ويُعتقد أن غياب هرمون الأستروجين لدى النساء المتقدمات في العمر هو الذي يؤدي إلى إطلاق إشارات الموت من أدمغتهن، هو الذي يؤدي لظهور الزهايمر! مثلما يؤدي نقص هرمون الاندروچين المؤثر في البروستاتا.. مع انقطاع النَفَس أثناء النوم، عند الرجال لنفس خطر الإصابة!

ومن ناحية الذاكرة، أظهرت دراسة أمريكية جديدة أنه برغم مشاكل الذاكرة التي تصيب ٧٥% من كبار العمر، إلا أن ذاكرة المرأة تظل أفضل وأقوى من الرجل في جميع مراحل الحياة، منذ الطفولة حتى الشيخوخة. مع استمرار قدرتها على تذكر الأحداث والوجوه وتفاصيل الأشياء! حيث يعمل هرمون الاستروچين على تنشيط الذاكرة بمستقبلات الكورتيزول المسؤول عن تخزين المعلومات! بينما يقوم هرمون التستوستيرون عند الرجال بتعطيل تأثير الكورتيزول!

ما يؤكد أن هرمونات الذكورة والأنوثة تلعب دورا في التأثير على ذاكرة الجنسين، لصالح المرأة! وهو ما أشارت إليه الدراسة العلمية التي قام بها الدكتور النرويجي چوستين هولمان، مؤكدا على ما تمتع النساء بذاكرة تفوق ذاكرة الرجال الذين ينسون سواء كانوا في الثلاثين أو الستين من العمر! ذلك الاكتشاف الذي يبرر -أخيرا- اتهام الرجال بالنسيان ويخفف عنهم الأعباء الاجتماعية، لكنه يحذرهم من خطر الإصابة بالخرف أو الزهايمر!

بل وتؤكد الدراسات أن تفوق ذاكرة النساء يعود لسبب الإصابة المبكرة للرجال بأمراض القلب والأوعية الدموية مثل ارتفاع ضغط الدم الذي يؤثر على مشاكل الذاكرة. ورغم هذا، لا أحد يعلم كيف ولماذا يظل معدل إصابة النساء بالزهايمر أعلى من الرجال؟ في أمريكا -مثلا- ٥ مليون مريض بالزهايمر، ٣.٢ مليون منهم النساء. مثلما تصاب امرأة من كل ٥ نساء بالزهايمر في سن 65 عاما، مقارنة بإصابة واحدة من كل ١١ بالرجال! ورغم هذا، يعترف د.چوستين أن الفروق بين الجنسين في الذاكرة لاتزال غير واضحة، حيث لم يتمكن العلم – بعد- من إيجاد تفسير لهذا اللغز! خاصة وأن الدراسات تنفي وجود فروق في مستوى بروتينات دماغ النساء والرجال، فيما عدا تأثير نقص هرمون الاستروچين الذي يسبب الاكتئاب عند النساء!

القهوة .. وعقار أدوكانوماب

بينما ظهرت بعض الجهود للإجابة عن ذلك، مثل دراسة الدكتور چوستين.. وبحث الدكتورة الأمريكية “ريبيكا نيبل ” بعنوان “يُعتبر تحديد الجنس أمرًا مهمًّا في الإصابة بألزهايمر”.. الذي كشفت فيه مفاجأة علمية حينما اعترفت بنقص معرفة العلماء عن أسرار اختلاف العوامل المؤثرة بين الجنسين في الإصابة بالزهايمر، مع تأكيدها لوجود تلميحات محيرة في الكتابات العلمية حول تلك العوامل، كما أشارت لعدم وجود فروق بين البيانات المتعلقة بخطر الإصابة بالمرض في الجنسين! بينما أوردت دراسة “أدمغة النساء” التي قامت بها جامعة زيورخ؛ لضرورة تحليل جميع ما نشر من مواد ومعلومات عن الزهايمر في العقود الماضية، في إشارة لحاجة العلماء إلى تغيير اختبارات التشخيص لتعكس الاختلافات النفسية العصبية الحالية بين الجنسين! ومدى حاجة العلم للتوصل إلى حلول وطرق جديدة لتحسين العلاج!

الخلاصة، هي أنه بالرغم من تأكيد الدراسات النوعية والجنسية على نشاط أدمغة النساء؛ الذي يحافظ عليهن من التدهورات التي تؤدي للزهايمر. بالإضافة لما أثبته العلم حول دور الهرمونات الجنسية في الإصابة بالمرض. والدراسات التي تؤكد أن قوة ذاكرة المرأة تفوق ذاكرة الرجل، ورغم هذا لا أحد يعلم كيف ولماذا يظل معدل إصابة النساء بالزهايمر أكثر من الرجال؟! ولماذا ارتاح العلماء في الوصول لهذه النتيجة دون بحث واستقصاء لنفيها أو تأكيدها! فهل ينحاز العلم للرجال؟

الخبر السار.. هو ظهور دراسة حديثة تؤكد أن شرب فنجانين قهوة جيدة التحميص تؤدي إلى انخفاض الإصابة بالزهايمر! بالإضافة لظهور عقار جديد أطلق عليه”أدوكانوماب”.. أجازت أمريكا والاتحاد الأوروبي استخدامه مؤخرا! والمتوقع أن يكافح هذا العقار الجزء الضار في الدماغ. أملا في معالجة فقدان الذاكرة المرتبط بالمرض! لئلا تزداد حالة المريض تدهورا! ولا زال البحث جاريا لكشف غموض السر حول تمتع النساء بذاكرة أقوى مع ارتفاع معدلات إصابتهن بالزهايمر.