أيمن رجب طاهر.. ابن اللغة العربية البار

أحمد أسامة

في عام 2017 تم الإعلان عن جوائز الدولة التشجيعية، وحازت رواية القحط على الجائزة لفرع الرواية التاريخية، لمؤلفها أيمن رجب طاهر، مدرس اللغة العربية بمحافظة أسيوط. كان الخبر مفاجئا بعض الشيء لرواد مواقع التواصل الاجتماعي والسوشيال ميديا، لعدم معرفتهم بالكاتب أو بالرواية.

ولد في عام 1973م بمحافظة أسيوط، وتخرج من كلية التربية قسم اللغة العربية جامعة أسيوط عام 1996م، ويعمل مدرسا للغة العربية بنفس المحافظة.

نرشح لك: باللهجة المغربية.. تفاصيل ديو أصالة وأسما لمنور

المدهش في الأمر أن أيمن رجب طاهر له باع طويل في مجال الكتابة الأدبية، فحصوله على جائزة الدولة التشجيعية لم يكن من قبيل المصادفة. تنوعت إبداعاته بين الرواية والقصص القصيرة والمسرحية والنقد الأدبي، كما أنه عضو عامل ونشط جدا بنادي القصة بأسيوط، ومحاضر لدى الهيئة العامة لقصور الثقافة، وحازت معظم أعماله على جوائز محلية وإسهامات نقدية عديدة. أيضا يعرف عنه تشجيعه الدائم والمستمر للأقلام الشابة المحلية في محافظة أسيوط، عبر تنظيم ورش التدريب على الكتابة، وتوجيه النصح الدائم لهم.

صدر له التابوت (قصص) 2005م، موت برئ (رواية) 2007م، مدونة الأساطير (قصص) 2007م، شرنقة الجسد (راوية) 2011م، وني .. حكيم الحروب (رواية) 2011م، القحط (رواية) 2013م، من أنتم؟ (قصص) 2013م، إبور .. ناصح الفرعون (رواية) 2013م، بيت الحكمة (مسرحية) 2013م، بنتاور .. الساقي الأمين (رواية) 2014م، تل العقارب (رواية) 2018م، كتاب الموتى (نصوص) 2015م، الهجانة (رواية) 2020م، أنسباي (رواية) 2021م.

يرى الكثير من النقاد أن أيمن رجب طاهر يعتبر تمثيلا حيا للأديب ابن القرية، حيث يرصد أحداثها وشخوصها المغرقين في العادية، يرصد أيضا ما يطرأ عليها من تحولات يومية وتطورات، ويسلط الضوء على الموروثات الشعبية والتقاليد التراثية والأساطير، مع التركيز على الخلفية التاريخية للمكان، فذاكرة الشخوص والمواقف مرتبطة ارتباطا وثيقا بتاريخ المكان وماضيه، وأصبحت تلك هي تيمة أيمن رجب طاهر في أعماله الأخيرة، دراما ِالأشخاص والمواقف وتطور الأحداث، توازيا مع تناول الخط التاريخي، بأسلوب سردي متماسك، ومفردات دقيقة، مناسبة للعصر الذي يخوض فيه، فتتكون لوحة إبداعية، مكتملة العناصر والأسس، وذات روح مصرية خالصة.

في رواية القحط الصادرة عام 2013م ونالت جائزة الدولة التشجيعية عام 2017م، تناول الكاتب الواقعة الشهيرة المعروفة بالشدة المستنصرية، في القرن الخامس الهجري، وتأثير ذلك على النفوس، إلا أنه أكد على أن الشدة زادت من تقارب المصريين، وشد أزر بعضهم البعض، رغم ماخلفته الشدة من خسائر هائلة، في الأرواح، فالشعب المصري كاد أن يفنى من شدة قسوة الآزمة، وانتشار الجوع في جميع الأرجاء. صدرت الرواية في طبعة جديدة ومنمقة عن دار كيان.

وفي مجموعته القصصية (من أنتم) والصادرة عن المركز الأدبي بأسيوط عام 2013م، تناول الكاتب على لسان شخوص صعيدية، الأزمات الحياتية الخاصة بهم، في ظل قيام ثورات الربيع العربي، والسلبيات التي نتجت عنها، وكان لها تأثيرا كبيرا على سير حياة هؤلاء الأشخاص، وتحديد مصائرهم.

أما في رواية الهجانة الصادرة عام 2020م عن دار كيان، تناول الكاتب سياق تاريخي مختلف، وعاد بالزمن لأيام الحرب العالمية الأولى، وألقى الضوء على فرقة الهجانة المصرية، التي شاركت ضمن صفوف الجيش الإنجليزي وقوات الحلفاء، في الدفاع عن فرنسا، أمام زحف القوات الألمانية، وقسوة تجنيدهم الأجباري، والإلقاء بهم في أتون حرب مستعرة، لا تخصهم من قريب أو بعيد.

أما في روايته الأخيرة، أنسباي؛ حكاية أنس بن مصري، والصادرة عن دار كيان عام 2021م، انتقل الكاتب إلى العصر المملوكي وفترة انحسار دولة المماليك أمام المد العثماني، ورصد سلبيات وجرائم الدولة العثمانية في حق مصر والمصريين، والتحول الاجتماعي والتدهور المتسارع الذي تعرض له المجتمع المصري، على يد العثمانيين، والاضطهاد المستمر لكل ماهو مصري في مقابل ارتفاع نغمة الفخر والاعتزاز العثماني، ورصد أدق تفاصيل الحياة اليومية حينذاك، في محاولة منه للتأكيد على أصالة الروح المصرية ومقاومتها لكل من يسعى لمحاولة طمسها وإلغائها.

كعادة أيمن رجب في كل أعماله، تظهر أمام القارئ عناصر تميزه في كتابة الأدب التاريخي، وسرده للتفاصيل دون اللجوء إلى جمل حوارية مطولة، لعرض صورة ما عن زمن وتوقيت معين، ويقدم للقارئ وجبة دسمة، غنية بالتفاصيل والأحداث، بلغة غربية بديعة، تجبرك على رفع القبعة احتراما لمجهوده، وتكريما لأدائه المميز في تمكنه في الكتابة باللغة العربية، وإخلاصه لها، بعيدا عن منصات السوشيال ميديا، ومشجعي مواقع التواصل الاجتماعي، يعمل في صمت، وفيا لقريته، ومكانه في الصعيد، جديرا بلقب ابن اللغة العربية البار.