ما الذي تحتاجه السوشيال ميديا من وسائل الإعلام التقليدية؟

أسماء مندور

في 10 أكتوبر 1999، نشرت صحيفة لوس أنجلوس تايمز عددًا خاصًا من مجلتها، مخصصًا بالكامل لافتتاح ساحة ستابلز سنتر في وسط مدينة لوس أنجلوس. وعلى ما يبدو، من دون علم هيئة التحرير في التايمز، بما في ذلك الكتّاب والمحررين، أبرمت الصحيفة صفقة مع مالكي الساحة لتقسيم الأرباح من الإعلانات المباعة في العدد.

عندما علم الموظفون بأمر الصفقة تمردوا، ووقع أكثر من 300 صحفي ومحرّر على عريضة تطالب الصحيفة بالاعتذار، وهو ما حدث بالفعل.

نرشح لك: ردود الأفعال حول اعتذار صحيفة “لوس أنجلوس تايمز” عن التقارير العنصرية

 

وفي تقرير مفصل، مكون من 12 جزءًا، أشار الناقد الإعلامي للصحيفة، ديفيد شو، إلى أن الكثيرين في غرفة الأخبار في صحيفة التايمز يرون أن قضية ستابلز هي الوجه الصريح لمعضلة أخلاقية ذات أبعاد مشؤومة، من أجل زيادة الأرباح، وزيادة سعر السهم الذي يهدد بتقويض الجودة الصحفية للجريدة.

النزاهة والسمعة

ذكر شو في تقريره أيضًا أن الصفقة انتهكت أحد أكثر المبادئ قدسية في عالم الصحافة، والذي يشار إليه أحيانًا باسم “جدار الحماية” أو الفصل بين المؤسسة والدولة، بمعنى أنه يجب ألا يكون لمجال الأعمال أي تأثير على القرارات التحريرية.

في الواقع، تغيرت الأمور كثيرًا في العقود التي تلت حادثة ستابلز سنتر، خاصةً عندما أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي منتدى مهيمنًا للخطاب وتوزيع الأخبار، حيث يصر قادة شركات التواصل الاجتماعي على أنهم ليسوا ناشرين، بل مجرد قنوات تكنولوجية للمحتوى الذي ينشره المستخدمون. ومع ذلك، يعلنون بفخر عن الدور الحاسم الذي يلعبونه في الاتصال الحديث والوصول إلى المعلومات.


صياغة فلسفة جديدة

لا يزال يتعين على شركات وسائل التواصل الاجتماعي صياغة فلسفة جديدة حول كيفية موازنة السعي وراء عائدات الإعلانات مع القيم الاجتماعية الأخرى. ولا يبدو أن فيسبوك، على وجه الخصوص، لديه أي نية للالتزام بتلك المعايير، خاصةً بعدما قدمت السلسلة الاستقصائية المثيرة في صحيفة وول ستريت جورنال الأسبوع الماضي أدلة جديدة على ما يحدث خلف الكواليس.

ذكرت المجلة أنه في إحدى الحالات، وجد الباحثون داخل الشركة بعض التغييرات على خوارزمية ترتيب موجز الأخبار التي تم تصميمها لزيادة “التفاعلات الاجتماعية” على المنصة. وعندما تم إدخال تلك التغييرات، أعلن الرئيس التنفيذي مارك زوكربيرج علنًا أنها كانت “الشيء الصحيح” الذي ينبغي فعله، حتى لو اضطر للتضحية بمشاركة المستخدم والوقت الذي يقضيه في التطبيق.

ومع ذلك، وجد الباحثون أن الميزات التي تضمنت تضخيم المشاركات من أجل زيادة التفاعل، انتهى بها الأمر – عن غير قصد – إلى تعزيز المعلومات المضللة والإشاعات والمحتوى العنيف. ووفقًا للوثائق التي استعرضتها المجلة، عندما اقترح أحد موظفي فيسبوك حلاً لتلك المشكلة، رفض زوكربيرج تنفيذه. وجاء تفسير ذلك الرفض بأن زوكربيرج لم يكن يريد التضحية بمشاركة المستخدمين، على عكس ما أعلنه سابقًا.

جدار الحماية

بعبارة أخرى، يحتاج فيسبوك إلى نسخته الخاصة من “جدار الحماية” الخاص بالصحافة. وفي الواقع، الدرس الذي يجب أن تتعلمه شركات وسائل التواصل الاجتماعي من وسائل الإعلام التقليدية أكبر بكثير، فلا يوجد مثلًا قانون فيدرالي ينص على أن أي صحيفة يجب أن تمنع مصالحها الإعلانية من التحكم في قرارات التغطية.

إنها قيمة تبلورت في عشرينيات القرن الماضي، عندما تبنى الصحفيون الأمريكيون التزامًا بتقديم تقارير موضوعية وغير حزبية. وكما يشرح المؤرخ مايكل شودسون في كتابه “اكتشاف الأخبار: تاريخ اجتماعي للصحف الأمريكية”، كانت هذه لحظة أساسية في إضفاء الطابع المهني على الصحافة، حيث أدرك المراسلون والمحررون ما يعنيه الاستقلال عن الدولة والسوق.

ثقافة مهنة

جدار الحماية هو مجرد مثال واحد، حيث يلتزم الصحفيون في منظمات الأخبار ذات السمعة الطيبة بمجموعة واسعة من المعايير والقواعد الأخلاقية التي تطورت على مدار القرن العشرين. فالنزاهة والدقة وفكرة أن تكون “مراقبًا” على سلطة الحكومة، هذه تشكل ثقافة مهنية ضرورية لبيئة عمل ديمقراطية.

لكن الحقيقة البسيطة هي أن اللوائح الحكومية لن تُصلح أبدًا كل الخلل في المحتوى عبر الإنترنت، حيث يكاد يكون من المؤكد أن الحكومة لا تستطيع إجبار فيسبوك وتويتر على إعطاء الأولوية للنقاش المدني وتقليل التعليقات الضارة. ولا يمكنها جعل إنستجرام أو تيك توك يعيدان برمجة خوارزمياتهما لتحسين الصحة العقلية للشابات واحترام الذات، ولا يمكن أن تطلب من يوتيوب إعطاء الأولوية للمواد التنويرية في خوارزمية التوصيات الخاصة به.

إرشادات مهنية

في نفس الشأن، قد يؤدي خلق المزيد من المنافسة من خلال مكافحة الاحتكار إلى تعريض المنصات لمزيد من ضغوط السوق، ولكن حتى لو كانت هناك عشرات الشبكات الاجتماعية الكبرى، فستظل كل واحدة بحاجة إلى التعامل مع معضلات المحتوى التي اُبتلي بها الجيل الحالي.

الخلاصة من ذلك، أنه لا توجد وسيلة لخطاب أكثر صحة عبر الإنترنت، بدون وجود مستوى معين من الإرشادات المهنية المفروضة ذاتيًا في عالم الصحافة.

محمد جمعة يكشف حصريا لإعلام دوت كوم عن مشروع فني جديد يعيد فيه تقديم شخصية عم ضياء