"واحد في الميه".. أن يرفض المجتمع رغبتك في الحياة

إسراء إبراهيم
واحد في الميه
انتهى عرض حكاية “واحد في الميه”، بالأمس، والتي كانت تُعرض عبر شاشة “cbc”، وهي الحكاية الثالثة من الموسم الثاني من مسلسل “زي القمر”.

حكاية “واحد في الميه” بطولة صابرين ومدحت صالح وعفاف شعيب، تأليف فداء الشندويلي وأحمد شفيق. وتدور حول “أمل” التي تجسدها الفنانة صابرين، والتي تُعاني من مرض وراثي تسبب في فقدانها البصر نهائيا ولكن بصورة تدريجية على مدار حياتها، ورصدت الحكاية جزءا من المشاكل والأزمات التي تواجهها.

نرشح لك: لفتة إنسانية من صناع حكاية “واحد في الميه” لفاقدي البصر

 

الأمل مفتاح الحياة

جسدت صابرين معاناة “أمل” التي وُلدت مصابة بمرض جيني يُفقدها بصرها تدريجيا إلى أن يتلاشى نهائيا، وتواجه مشاكل كثيرة في حياتها نتيجة لتلك المعاناة.

تواجه “أمل” الحياة بالسلاح الذي تحمله كاسما لها، فرغم طلاقها من زوجها بعد فقدان بصرها وولادتها لطفل فقد بصره سريعا نتيجة وراثته للمرض ووفاته، إلا أنها لم تيأس واستمرت في مواجهة الحياة لتعيش حياة طبيعية.

يسلط العمل الضور على بعض مشاكل المكفوفين من خلال شخصية “أمل”، فيرفض المجتمع أن تلحق بوظيفة طبيعية، بالإضافة إلى مشاكل الحياة اليومية من المشي في الشوارع وغيرها، ففي إحدى المشاهد تحاول “أمل” توصيل رسالة لأصحاب المطاعم بأن يراعوا المكفوفين في إعدادهم لمطاعهم فعلى الأقل يضعون لهم قائمة طعام بتسجيل صوتي حتى يستطيعون الحصول على حق بسيط من حقوقهم في الحياة.


تُصر “أمل” بما لديها من طاقة استمدتها من اسمها أن تنجح وتبني حياتها الخاصة، فتنشأ مشروعها الخاص لصناعة السجاد، واستعانت فيه بموظفين من المكفوفين لكي تساعدهم في إيجاد وظيفة كريمة يستمدون منها قوت يومهم، وبتلك النية الطيبة تحصل على مُرادها من النجاح والرزق.

النور مكانه في القلوب

قبل 19 عاما قدم الفنان مدحت صالح أغنية “النور مكانه في القلوب” ضمن أحداث فيلم “أمير الظلام”، الذي رصد من خلاله الفنان عادل إمام جزءا من حياة مكفوفي البصر بصورة كوميدية، لتبقى علامه في تاريخ الفنان الكبير، ويقول في جزء من كلماتها:

النور مكانه في القلوب
احضن خيوط شمس الغروب
يا تكون قد الحياة
يا تعيش وحيد وسط الدروب
اليأس ضعف وخوف جبان
لكن الأمل يفتح بيبان
يا تكون قد الحياة
يا تعيش وحيد وسط الدروب

من المفارقات أن الفنان مدحت صالح هو بطل الحكاية بجانب الفنانة صابرين، ويجسد شخصية طبيب عيون يقع في حب “أمل”، والذي يجري رسالة الدكتوراة الخاصة به على المرض الذي تٌعاني منه “أمل” ويحاول التوصل لعلاج له، رغم أن الأمل يكاد يكون معدوما، ويحاول تجميله بأن هناك أمل “واحد في الميه” فقط لتحقيقه.

تتمسك “أمل” بأمنية “الواحد في الميه” وتحاول مساعدة الطبيب في رسالته، فيقعا الثنائي في الحب ثم يقررا الزواج مع الاتفاق على عدم الإنجاب لأن المرض الذي تُعاني منه “أمل” وراثيا وسينتقل إلى المولود.

 

اتهامات مٌعلبة

بعد حمل “أمل” بالخطأ تواجه قائمة الاتهامات المُعلبة التي يواجهها كل من يُعاني من أمراض وراثية تظهر بشكل وضوح على أصحابها، فقد اتهمها زوجها بالأنانية وأنها ستحكم على طفلها بالمعاناة طوال حياته، وهو حق طبيعي أن يرفض أن يٌعاني طفله من مرض يعلمه جيدا خاصة أنه طبيب يقابل عشرات الحالات اليومية الذين يعانون من ذلك المرض، لكن الطريقة لم تكن الأفضل للتعبير عن الرفض والخوف من معاناة طفل سيأتي للحياة.

كانت المشكلة الأكبر التي سلط المسلسل الضوء عليها هي الحكم على الشخص المصاب بمرض ما أن يعيش وحيدا، يُعاني من الوحدة والمرض والخوف دون مراعاة أنه إنسان يحتاج لممارسة حقوقه الطبيعية في الحياة، من زواج وإنجاب وغيرها من المتطلبات، لكن المجتمع دوما له رأي آخر، ولا يحترم مشاعرهم فبدلا من اللوم المستمر لهم على أشياء لم يختاروها ولم يكن لهم يد فيما هم فيه.

تقرر “أمل” الاحتفاظ بطفلها على الرغم من معرفتها بأن الجنين يحمل جين المرض، لكنها خشيت أن تقتل طفلها، كما أنها ترغب بأن تشعر بأمومتها وأن لا تصبح وحيدة طوال حياتها خاصة بعد قرار زوجها بطلاقها، وهو الأمر الذي لا يمكن تحديد أي عاقل يمكن أن يُفكر به، يرفض الأشخاص الأصحاء أن يعاني أطفالهم من أمراض وراثية حال معرفتهم بأنه قد ينتقل إليهم مرض وراثي، لكنهم في نفس الوقت يتخلون عنه عند معاناته وكأن معاناة واحدة لا تكفي فأنت وُلدت مريضا ووالدك أو والدتك لا يرغبون في وجودك في الحياة من الأساس، فتعيش بشعورين كل منهما أمر.

نهاية واقعية

النهاية الواقعية أكثر ما أثار إعجابي في العمل، الحلول الوردية ليست موجودة دائما في الحياة، من يُعاني من مرض واثي قد يولد أبنائه بنفس المرض بنسبة كبيرة جدا.


ولدت “أمل” طفلها وعانى من نفس المرض لكن والده أجرى له عملية بعد عودته من السفر للخارج، واستطاع أن يوقف تدهور حالته وألا يفقد بصره كليا.

تساؤلات مستمرة

تفتح القضايا الإنسانية والقصص التي ترصد معاناة أصحاب الأمراض في المجتمعات التي تراها وصمة عار بابا مستمرا للتساؤلات، متى ينتهي كل هذا البؤس؟! كيف يعيشون حياة طبيعية؟ ولمن رضى من البداية تقبلهم، لماذا يتغير ويتهمهم بالأنانية في أي تصرف يقومون به كشعور إنساني طبيعي؟ كيف سنغير حياة هؤلاء للأفضل ونقلل معاناتهم؟ هل حقا الأفضل لهم أن يعيشوا حياتهم الخاصة بدون أي شخص ويتحملون نتيجة مرضهم الذي لا دخل لهم به وحدهم، أم يمارسون حقهم في الحياة؟ تساؤلات لا تنتهي ولا يوجد لها إجابة واضحة.

لك الحق في رفض حياة لا ترغب بها كأن تعيش مع شخص يُعاني من مرض ما، لكن ليس لك الحق في دخول حياته وإعطائه الآمال الكاذبة ثم تتهمه بالأنانية لأنه قرر أن يعيش كما أعطيته الأمل.