ماذا تفعل الصحافة لتجنب أخطاء نشر شائعات وفاة المشاهير؟.. خالد البرماوي يجيب

خالد البرماوي ـ يكتب عن شائعات وفاة المشاهير

هذه النقاط في اتجاه أقرب لمنطقة الحلول، عوضا عن الوقوف عند مرحلة استعراض المشكلة، وذلك من واقع تجارب كثيرة محلية وعالمية، معنية بالتعامل مع ضغوط النشر على المنصات الرقمية. شائعات وفاة المشاهير

1- المفترض أن أي قطعة صحفية تمر بمراحل معالجة/ وبطرق مراجعة وتدقيق محددة سلفا في StyleBook +WorkFlow، كتاب الأسلوب ودورة العمل المتبعة، والأخير بات معني بقواعد وطرق للنشر على القنوات الرقمية المختلفة: موقع، أو شبكات اجتماعية، نيوزليتر. تطبيقات، إلخ ويتضمن (من؟ يفعل ماذا؟ ومتى؟ وكيف؟

نرشح لك: عمرو منير دهب يكتب: المطبخ المصري عبر العصور

شائعات وفاة المشاهير

2- لندخل في صلب الموضوع، ولنأخذ مثال: معالجة المعلومات الواردة عن وفيات المشاهير”المحلية”، لا تقبل إلا نقلا عن مصدر مباشر، وأحيانا مصدرين، وذلك حسب قوة المصدر الأول، وقد يكون حسب طبيعة الشخصية الشهيرة، مع توثيق المعلومة أو طريقة الحصول عليها، ولا مبرر أبدًا لتجهيل المصدر في مثل هذه الحالات، على أن يذكر صراحة في متن وعنوان الخبر، (أقارب الدرجة الأولى، أو مصدر مسؤول ذي صلة، مثل الطبيب المعالج)، مع التشديد على قواعد الإسناد والتنصل، خاصة في الحالات الحرجة.

3- أخبار الوفيات، “تحقق وتدقق” من قبل نائب القسم، ثم رئيس القسم بنفسه قبل الوصول لديسك الأخبار للمراجعة، وعادة مثل هذه الأخبار لا تنشر إلا بعد عين ثانية أو ثالثة للمراجعة، بشكل شخصي اتبعت سابقا استراتيجية Critical Keywords مثال: الكنيسة المصرية، الأزهر الشريف، القوات المسلحة، وفيات المشاهير، إلخ .. وفريق العمل كله مدرب على أن أي محتوي متعلق بهذه الكلمات يمر بمراحل مراجعة معينة من قبل أشخاص/شخص محدد، لتكون لها مسارًا مختلفًا في دورة العمل عن الأخبار العادية. (يمكن ابتكار خاصية Auto Notification ليصل لمجلس التحرير من نظام النشر تنبيه قبل نشر أي محتوى متعلق بكلمات معينة)

4- في أحيانا كثيرة يجب الرجوع لمدير النشر، أو حتى مدير المحتوى أو رئيس التحرير بنفسه، خاصة أن أمور المراجعة باتت أسهل كثيرا من السابق، وأنظمة إدارة النشر CMS باتت أسهل وأبسط، ويمكن أن تتم هذه العملية من خلال جروب على واتس آب لمثل هذه الحالات، نيويورك تايمز لديها تجربة جيدة هنا، عبر إرسال أي محتوي تم حجب مصدره، لمدير التحرير مباشرة، وكذلك فعلت آل بايس الإسبانية بعدها.

5- وماذا عن السرعة؟! منطقي أن تؤدي هذه المراحل المتعددة من التحقق والمراجعة إلي التأخير في النشر، وهذا يكون مقبول في مثل هذه النوعية من الأخبار، التي يتراجع معها عنصر السرعة مقابل تعظيم عناصر الجودة والتحقق والتوثيق، مثل: أخبار الوفيات، والحوادث، والكوارث، والنزاعات الطائفية، وقضايا الشرف، وقضايا الأمن القومي، ويجب أن يحدد ذلك بوضوح وبأمثلة في الأدلة السابقة، مع تدريب مستمر عليها.

6- دور محرر سوشيال ميديا نقطة جوهرية هنا لمعالجة أي خلل معلومات منتظر، في السابق كانت هذه للوظيفة معنية فقط بتسويق المحتوى على الشبكات الاجتماعية، مع وضبط وتطوير بعض المعالجات الشكلية، لكن تطور دوره، بات متداخلا بالتغطية والنشر والتحقق، وذلك حسب تصميم دورة عمل كل غرفة أخبار، لذا يجب أن يتم تدريب هذا الفريق علي القواعد المهنية الصحفية، لكي لا يترك وحيدًا لقواعد سوشيال ميديا وضغطها ولوغريتماتها.

7- بشكل عام قيمة التسارع والسبق في الإعلام الرقمي، لم تعد بنفس الأهمية كما كانت في الإعلام، هل أحد يتذكر أول وسيلة أذاعت خبر ارتفاع أسعار البنزين قبل أيام، أو أول وسيلة وصلت لموقع حادث قطار طوخ، بالطبع، هناك بعض الاستثناءات خاصة في عالم الرياضة والاقتصاد، ولا يجب أن ننسى أن هناك فرق كبير بين (السبق والانفراد والحصري)

8- الأخبار البطيئة Slow News، للتقليل من مثل هذه الأخطاء الناتجة عن التسرع، قامت BBC قبل أربعة أعوام بتعيين فريق معني بالتحقق من نوعية معينة من الأخبار التي بها تنازع، وهذا يعني تغيير استراتيجي في أولويات النشر.

9- أحد الفروق الجوهرية بين صحافة زمان، وصحافة الآن، أن الأولى كانت تركز كل مواردها ومهاراتها وأدواتها على السرعة، وما نجحت رويترز وAFP, AP إلا بعامل السرعة والانتشار، أما الآن فالوصول هو الأصعب، والجودة معيار متقدم، حتي الانتشار باتت أكثر ترشيدًا وذكاءًا، والصحافة كانت معنية بالنقل الأمين والسريع، والأن باتت معنية أكثر بالتحقق والتوثيق، وانتقلت من مرحلة إخبار الجمهور، لمرحلة أعمق وهي إفهام الجمهور، وهذا ما يطلقون عليه Post-truth age”.

10- في النهاية، الأخطاء واردة، وصحافة اليوم معرضة للأخطاء أكثر من أي وقت مضى، ولكن ليست كل الأخطاء سوا، وفي كل الأحوال يجب أن تكون هناك سياسة داخلية واضحة للتعامل مع الاخطاء، بمراحل مختلفة حسب طبيعة الخطأ (الأعتذار، التوضيح، المحاسبة، إصلاح خلل السياسية التحريرية أو دورة العمل، لو كانت هي سبب الخطأ)، ولا يليق بالصحف الكبرى أن ترتكب أخطاء كلاسيكية بنشر خبر وفاة فنانة كبيرة محل اهتمام الرأي العام كله منذ أشهر طويلة، دون تحقق وتوثيق.