كيف عادت شريهان إلى المسرح بعد 30 عامًا من الغياب؟

رباب طلعت

كيف عادت شريهان
حماسة شديدة انتابت جمهور أسطورة الاستعراض في مصر شريهان، منذ الإعلان الأول عن عرض مسرحيتها “كوكو شانيل” على “shahid vip“، والتي تعود بها إلى المسرح بعد غياب طال 30 عامًا، منذ آخر مسرحياتها “شارع محمد علي”، وقد تحولت الحماسة لحنين جارف لسنوات تألقها الفنية، ولاحتفاء بالعودة، وانتظار المزيد من شريهان.

الثلاثون عاما الفاصلة بين “شارع محمد علي”، و”كوكو شانيل” ليست بالهينة، فتلك الفترة الزمنية الكبيرة، غيرت الكثير في شريهان، وفي الجمهور المتلقي، وفي فن المسرح نفسه بنجومه سواء من الفنانين أو الكتاب أو المخرجين، أو حتى النجوم الواقفين خلف الكاميرات والإمكانيات والتقنيات الحديثة، ما خلق تباينًا واضحًا بين العرضين، إلا نقطة التلاقي بينهما كانت شريهان، وحب الجمهور لها، وحفاوتهم بها التي ظهرت في نهاية “كوكو شانيل” والتي تعيد للأذهان نفس احتفائهم بها في نهاية شارع محمد علي.

نرشح لك: رأي محمد حماقي في مسرحية “كوكو شانيل”

 

مسرحية شريهان

“شارع محمد علي” هي واحدة من أبرز ما قدمته شريهان على المسرح، بجانب “عشان خاطر عيونك”، و”سك على بناتك”، وغيرهم من العروض التي شاركت فيها نجومًا كبارًا، ليس فقط لأنها ذات المساحة الأكبر بالنسبة لها، ولكن لأنها آخر أعمالها، وأكثرهم ارتباطًا باسمها، ولعلها المسرحية الوحيدة بخلاف الفوازير التي تُعرف باسم “مسرحية شريهان”، وذلك كناية عن أنها البطلة الأولى للعمل، والتي تدور حولها الأحداث بشكل كبير، بالإضافة للمساحة الكبيرة الممنوحة لها على المسرح لتُظهر للجمهور مواهبها التي لا حصر لها.

تسمية “مسرحية شريهان” تلك تتجلى في “كوكو شانيل” بشكل أكبر، فالعرض كله من الصعب الخروج بجملة واحدة على لسان أحد المشاركين في العرض غير شريهان، فما يمكن اقتباسه منها أو ما رسخ منها في عقلية المشاهد كله كان على لسانها، ما عدا المشهد الوحيد الذي تداوله رواد مواقع التواصل الاجتماعي لآسر ياسين معها أيضًا، عندما سألها كصحفي باباراتزي: “إيه رأيك في الجيب القصير والجينز؟” لتجيب: “مبحبهمش”، وبتلقائية يخبرها: “يمكن عشان كبرتي عليهم”، فتطرده، ولكن انتشار المشهد لم يكن مثل انتشار مقارنتها بين الرجل والمرأة.

اختفاء تأثير الأدوار الثانية حول شريهان كان لافتًا في العرض بشكل كبير، فالجميع يمكن وصفهم بأنهم ضيوف شرف، الحوار كله لنجمة المسرحية، حتى مع أدوار مهمة مثل “سيسيل” المساعدة المخلصة لها والتي قدمتها سمر مرسي، و”مسيو كابيل”، حبيبها الأول والذي كان سببًا في انطلاقتها الأولى في عالم الأزياء وظهور اسم “كوكو شانيل”، وحتى الضابط الألماني الذي جسده أيمن القيسوني، كان الجميع يدورون في فلك شريهان، لم يسطع أحد حولها غيرها.

وعلى العكس تمامًا كان “شارع محمد علي” فلا يمكن لأحد أن ينسى الكثير من المشاهد الكوميدية التي صنعها أبطال العمل بجانب شريهان، وعلى سبيل المثال إلى يومنا هذا يتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي الكوميكس الشهير لوحيد سيف “إيه ده إيه المجتمع ده؟”، و”أبوك بيشرفك”، وغيرهم، كذلك المونولوج الشهير للمنتصر بالله، وغيرها من المشاهد.

 

ولعل ذلك كان مقصودًا من جانب صناع “كوكو شانيل” لإبراز عودة شريهان، التي نجحت بالفعل من خطف القلوب نحوها بشكل كبير، ليس فقط من قِبل محبيها المنتظرين، ممن عاصروا سطوع نجمها الأول في زمن الفوازير، ولكن أيضًا من الأجيال الحديثة التي تعرفت عليها من خلال “كوكو شانيل” فشريهان في العمل كانت ساحرة وصادقة في كل مشهد قدمته، ففي كل جملة كانت تؤكد: “لقد عدت”، عودة ناجحة نريد منها المزيد.

الفراشة.. لها خُلق الاستعراض

شريهان التي لم يعرف المسرح خلال العقود الخمس السابقة فنانة استعراضية مثلها، تعرضت لانتقادات من البعض بسبب إعلان فودافون في رمضان 2021، لما وصفه البعض بـ”غياب مرونتها المعتادة” خلال الاستعراض الذي قدمته خلال الإعلان، الأمر الذي تؤكد شريهان على عكسه تمامًا باستعراضات “كوكو شانيل”، فلقد كانت أشبه بـ”الفراشة” على الرغم من اختلاف طريقة الرقص عما كانت تقدمه قبل 30 عامًا، إلا أن التسع رقصات التي قدمتها في المسرحية كانت هي البطل الحقيقي في العمل، فلا يمكن الإحساس بالملل أو بالوقت الذي يتجاوز الساعتين، بسبب تلك الرقصات التي تروي بها بطلة العرض قصص الحب والأمل واليأس والنجاح التراجع والعودة وكل ما مرت به كل من “كوكو شانيل”، وشريهان المتشابهتان إلى حد كبير في الشخصية المنفردة والجمال اللافت.

رقصات شريهان في “كوكو شانيل” كانت أكثر “رقة”، و”كلاسيكية” معبرة بشكل كبير عن الأحداث، تروي بها قصص لا تعبر عنها الكلمات، وتحول بداخلها الكثير من المشاعر والذكريات والأمل، أما في “شارع محمد علي” كانت الرقصات شبابية مجنونة مفعمة بالحيوية، وكلا منهما تعبر عن شريهان في مرحلة ما، مرحلة ما قبل الاختفاء الكبير وقت سطوع نجمها في سماء الفن، وتطلعها للمزيد والمزيد، ووقت عودة شمسها مرة أخرى بعد الغياب، وتخطيها للكثير من الصعاب. كيف عادت شريهان 

شريهان في “كوكو شانيل” تروي الكثير عنها، وليس عن الشخصية التي تؤديها في العمل، والأكثر تؤكد على أن مرونتها وموهبتها لم يتأثرا أبدًا بفعل حادث ولا حتى الزمن، فشريهان ستظل هي أسطورة الاستعراض.

شريهان.. العودة

الكثيرون انتظر “كوكو شانيل” بأن يكون نسخة مما قدمته شريهان من قبل سواء الفوازير أو مسرحيات قبل وداعها الأخير للمسرح قبل ثلاثون عامًا، وهو الأمر غير المنطقي تمامًا، فكان يجب على الفنانة أن تعود بمقاييس الزمن، وإلا كانت عودتها شكلت فشلًا كبيرًا لها، فشلًا غير محتملًا لنجمة بقدرها، وكانت تعرضت لكثير من الانتقادات كما حدث لمسرحية “بودي جارد”، للزعيم عادل إمام، والتي عرضت للمرة الأولى في عيد الفطر 2021، والذي تفاعل الجمهور معه بشكل سلبي، نظرًا لأنه لم يلق استحسان جمهور الجيل الحالي -جيل المنصات الرقمية- وهو الأمر الذي لم يحدث وكان مفاجأة، سواء في شكل الديكور، تصميم الرقصات وطريقة تقديمها، الملابس، والحوار، وكافة التفاصيل الإنتاجية المتقنة بشدة، والتي تشبه إلى حد كبير المستوى العالمي لمثل تلك العروض المسرحية الراقصة، ولعل التصوير والديكور كان أقرب للذوق الفرنسي بالفعل، حيث كانت الألوان والإضاءة شبيهة بتصميمات “مولان روج” الملهى الليلي الشهير الذي شكل “مجد فرنسا الفني” على حد وصف النقاد. كيف عادت شريهان 

شريهان التي أشرفت بشكل شخصي على ملابسها وإطلالتها الفنية في العرض، أيضًا نجحت في أن تظهر بشكل معاصر ومُلهم للجيل الحالي، فلا يمكن أنه كان سيقبل بأن تظهر بالملابس الاستعراضية القديمة للفوازير أو “شارع محمد علي” وغيرها، فلقد كانت مناسبة لذلك الزمن ولكن ليس لعام 2021، وقد اختارت شريهان أيضًا ملابس مناسبة إلى حد كبير للمراحل العمرية التي قدمتها خلال العرض لكوكو شانيل، بالإضافة لظهور لمسات كوكو شانيل نفسها في الأزياء والإكسسوارات والمكياج والشعر. كيف عادت شريهان 

شريهان في كوكو شانيل كذلك، لم تختلف فقط في الشكل والملابس، بل بالنضج الكبير الظاهر في أدائها، فقد أعطت شريهان مساحة كبيرة للأداء التمثيلي إلى جانب الاستعراض، على عكس الماضي، كان الاستعراض يغلب على أداء شريهان على خشبة المسرح، فكانت تخطف الأنظار برقصاتها أكثر من تمثيلها، ولكنها حققت توازنًا صعبًا في أول عروض عودتها، مما يعدنا بالكثير في القادم.