معركة موسى صبري وصلاح عيسى: عن الصحافة والقانون وأشياء أخرى!

طاهر عبد الرحمن

يعتبر باب “الأهبارية” واحدا من أشهر الأبواب التي ظهرت في الصحافة المصرية في النصف الثاني من القرن العشرين، وهو باب كان يكتبه أسبوعيا الكاتب الصحفي والمؤرخ الراحل صلاح عيسى في جريدة الأهالي المعارضة في إصدارها الثاني بداية الثمانينيات، وكما هو واضح من عنوانه فإنه مشتق من كلمات: الأهرام والاخبار والجمهورية.

وكانت فكرة الباب هو الرد على معظم ما يتم نشره في الصحف القومية الثلاث، والمعروفة بصحف الحكومة، خصوصا مقالات الرأي التي كان يكتبها رؤساء تحرير تلك الصحف وكبار كتابها بأسلوب ناقد وساخر ولاذع.

نرشح لك: معركة يوسف إدريس مع “الشباب”!

وكان أكثر من تناولهم صلاح عيسى في بابه بالنقد والسخرية هو الكاتب الصحفي الكبير موسى صبري، رئيس مجلس إدارة مؤسسة أخبار اليوم ورئيس تحرير الأخبار، حيث كان لا يسكت على أي نقد له، ويرد الصاع صاعين، ولذلك كان يخصص مقاله – الذي كان ينشر في يسار الصفحة الأولى للجريدة أكثر من مرة في الأسبوع – للهجوم على “صحيفة الحزب الأحمر” – كما كان يسمي جريدة الأهالي، وفي المقابل كان اسمه – صريحا أو بالتورية – يظهر في باب “الأهبارية” بصفة تكاد أسبوعية.

وكانت معارك الإثنين تدور في معظمها بصفة عامة حول سياسات وعمل الحكومة، أو أي قرار لها وغير ذلك من الأمور العامة، حتى كان عدد يوم 25 يناير من جريدة الأهالي.

بداية المعركة

في ذلك العدد نشرت الصحيفة المعارضة تقريرا، كتبه صحفي شاب اسمه مجدي مهنا (الكاتب الصحفي المعروف فيما بعد) عن تحقيق يجريه مكتب النائب العام بخصوص قضية فساد في شركة النيل العامة للمقاولات، حيث تردد أنها جاملت بعض أبناء المسؤولين في بعض مشاريعها، من بينهم هشام مصطفى خليل، ابن رئيس الوزراء السابق مصطفى خليل، وأيضا زوجة أحد وزراء الإسكان السابقين وزوج ابنتها وهو ابن أحد رؤساء تحرير الصحف القومية، دون ذكر اسميهما صراحة.

نرشح لك: معركة 1964 بين الشعراء.. لوجه الأدب أم السياسة؟

التحقيق – ومهما كانت خطورته – يبدو عاديا للغاية، ومتوقع أن تهتم به وتبرزه صحيفة معارضة، وفي نفس الوقت – ولأهمية الأسماء الواردة فيه – كان لابد لتخلي مسؤوليتها القانونية أن تنشر رد من وردت أسمائهم فيه، عملا بمبدأ حق الرد، وهو ما حدث في العدد التالي، عدد 1 فبراير 1984، حيث نشرت ردا مطولا من هشام مصطفى خليل، على ما جاء بخصوصه في التحقيق.

سطور متعفنة

في ذلك الوقت كان موسى صبري يصاحب الرئيس مبارك في جولة أوروبية وأمريكية طويلة، وبالتالي فإن رده، على ما أثير حول ابنه وحماته، تأخر لأكثر من شهر، على عكس المعتاد منه.

وبحسب طبيعة موسى صبري، وطبيعة منصبه، فإنه لم يكن ليرسل ردا لصحيفة الأهالي لتنشىره، كما فعلت مع هشام مصطفى خليل، وإنما جاء رده في مقاله في الصفحة الأولى بصحيفة الأخبار.

في عدد يوم 21 فبراير 1984 في الأخبار كتب صبري مقالا تحت عنوان: سطور متعفنة، قال فيه إن جريدة الأهالي بنشرها ذلك التقرير لا تهدف الصالح العام وتخالف قواعد النشر في القضايا والجرائم، وأن هدفها هو تشويه صورة الحكومة، خاصة وأنها لمحت إلى ضغوط تجرى على النائب العام لإغلاق التحقيق، وأنها قامت ب”حشر” اسمه في الموضوع دون داع، وأشار إلى سوء نيتها المبينة لأنها لم تنشر قرار النائب العام بحفظ القضية، بعدما تبين عدم ثبوت أدلة الاتهام على المشكو في حقهم.

رد صلاح عيسى

في عدد يوم 29 فبراير خصص صلاح عيسى بابه كاملا للرد على مقال موسى صبري، تحت عن “أبطال الدفاع عن حموات الأبناء”، بدأه بالقول إن الكاتب الكبير كان موفقا جدا في اختيار عنوان مقاله، سطور متعفنة، لأنه – كما كتب عيسى – الوصف الأدق لما كتبه ويكتبه موسى صبري، حيث استغل منصبه كرئيس تحرير صحيفة قومية وخصص مساحة مهمة في الجريدة لأمور شخصية بحتة، وهو الدفاع عن سمعة ابنه وحماته، مُتسترا تحت راية الدفاع عن الحقوق العامة وتجاوزات الصحف المعارضة التي تنتهك ميثاق شرف العمل الصحفي، وكان الأولى به – أو بابنه أو حماته – كتابة رد على ما نشرته الأهالي، كما فعل هشام مصطفى خليل ونشرته، وأما مسألة عدم نشر خبر قرار النائب العام بحفظ القضية فإنه حدث بسبب أن مكتب النائب العام لم يقم بدعوة صحفيي جرائد المعارضة، وبالتالي لم تعرف به الجريدة إلا بعد نشره.


موسى صبري يواصل

كان من الممكن أن ينتهي الأمر عند ذلك الحد، خاصة وأن كل طرف كتب ونشر موقفه ورأيه، لكن موسى صبري ليس من النوع الذي يرضى بمجرد الرد الواحد، ولذلك كتب في عدد يوم 2 مارس، ردا على الرد تحت عنوان: العفن، استكمل فيه ما بدأه في المقال السابق، واعتبر أن رد الأهالي على عدم نشر خبر قرار النائب العام بحفظ القضية ما هو إلا تحايل وتحلل منها لعدم نشر الحقائق، وهو خطأ لا يفوقه إلا خطأ انتهاكها المادة 8 من قانون الصحافة “الذي يحظر على الصحيفة تناول ما تتولاه سلطة التحقيق من قضايا بما يؤثر على صالح التحقيق أو المحاكمة”.

وكان رد صحيفة الأهالي على جزئية المادة التي ذكرها صبري هو أن ذلك معناه ألا تنشر أية صحيفة أي خبر عن أي قضية أو محاكمة، واعتبرت استشهاده بتلك المادة أمر يدعو إلى السخرية، لأن نشر أخبار التحقيقات والمحاكمات من صميم عمل الصحف، طالما لم يصدر قرارا بحظر النشر من النائب العام.

تصعيد الهجوم

بعد عدة أيام نشرت جريدة الأهالي خبرا صغيرا، نقلته عن مجلة عربية تصدر في لندن، وهو تصريح ل”هويدا” ابنة الفنانة اللبنانية المعروفة صباح، قالت فيه إن والدتها تزوجت قبل أيام من صحفي مصري شهير، يرأس تحرير إحدى الصحف القومية، وهو الزوج العاشر في سلسلة أزواج الفنانة.

وبالطبع لم يكن خافيا على أحد من هو الصحفي المعروف، فقصة غرام صباح وموسى صبري معروفة ومشهورة منذ الخمسينيات، وبالطبع لم يكن في مقدور الكاتب الصحفي الكبير أن يكتب مقالا في الأخبار ينفي فيه صحة الخبر أو يهاجم جريدة “الشيوعيين الحمر” – كما كان يسميها – ولذلك خصص معظم مقالاته للهجوم العام على حزب التجمع وجريدته، خاصة مع إعلان الحزب ترحيبه بظهور حزب الوفد الجديد، وتحالفه معه في انتخابات مجلس الشعب في نهاية تلك السنة.