إلى أي مدى يعرف الصحفيون ما يريده الجمهور منهم؟

أسماء مندور

يقول الصحفيون أنهم يمثلون الجمهور، وكاشفوا الفساد، ومؤرخو الأحداث، وحماة حق الجمهور في المعرفة، لذا ليس من المستغرب أن يحاول صناع الأخبار إرضاء الجمهور والالتزام بالقيم التي توجه هذا العمل، لكن هل هذا صحيح؟ وإلى أي مدى يعرف الصحفيون، الذين يعتقدون أنهم يعملون باسم الجمهور، ما يريده الجمهور منهم؟

كان هذا السؤال مزعجًا لسنوات، وبدلاً من محاولة معرفة الإجابة، تدور الصحافة في حلقة مفرغة حول “الثقة” في الأخبار، ويتهم النقاد الصحفيين بالتحيز، وفي المقابل يهز الصحفيون رؤوسهم ويقولون إنهم فقط يقومون بعملهم.

نرشح لك: بسبب تأييدها للقضية الفلسطينية.. طرد صحفية من وكالة أسوشيتدبرس

لتوضيح كل هذا، نشر معهد بوينتر بحث قام به “توم روزنستيل”، أحد أشهر المفكرين فيما يتعلق بمستقبل الأخبار، وزملاؤه في المعهد الأمريكي للصحافة، وشركاؤه في مركز أبحاث الرأي القومي التابع للأسوشيتد برس، ومركز أبحاث الشؤون العامة، يتناول طريقة جديدة في التفكير حول “الثقة” في دراسة صدرت مؤخرًا.

الغريزة الأخلاقية


تناول البحث القيم الأخلاقية للناس، الذي فتح فهماً جديداً لكيفية تفاعل الناس مع القضايا العامة، حيث حدد هذا البحث، المسمى نظرية الأسس الأخلاقية، خمس قيم أخلاقية رئيسية؛ وهي الولاء، والسلطة، والاهتمام بالآخرين، والعدالة والشفافية.

كان لمواقف الناس تجاه الصحافة علاقة بغرائزهم الأخلاقية أكثر من سياستهم، حيث اعترف الكثير من الأشخاص أنهم يمكن أن يكونوا أكثر تعاطفًا مع الصحافة إذا رأوا أن الصحافة تهتم أكثر ببعض الأشياء التي يهتمون بها، وتلتزم بالمعايير الأخلاقية التي يؤمنون بها.

 يجب على الصحفيين أن يُصبحوا أكثر شمولاً عند التفكير في جماهيرهم، وهذا يعني أن تشمل كتابتهم المجتمع بأكمله، مما سيجعل تقاريرهم أكثر شمولاً واكتمالاً. والتوقف عن المبالغة في تبسيط الأحداث، للدرجة التي تجعل الناس يشعرون أنهم لم يعودوا يرون أنفسهم وأفكارهم فيها،  أو الأسوأ من ذلك، أن يشعروا بأنهم ممثلون بشكل غير عادل.

مزيد من الحلول

الفكرة الأساسية هي أنه عندما يفكر المراسل والمحرر في تناول حدث ما، يجب عليه أولاً إعداد قائمة بجميع الأشخاص الذين قد يتأثرون بالقضايا في القصة، أو الذين قد يكون لهم مصلحة في موضوعها، حينئذٍ، ستصبح أي قصة أكثر إثارة للاهتمام، والصورة أكثر اكتمالًا، إذا بدأ الصحفي بسؤال من يتأثر بالقصة، بدلاً مِن “مَن الذي أحدث ضجةً حولها”. الميزة في هذه الفكرة، أنها تنقل المراسلين إلى ما وراء تحيزاتهم المباشرة، ما يهتمون به، إلى ما قد يهتم به الجمهور.

يحتاج الصحفيون أيضًا إلى المزيد من الحلول في الصحافة بدلاً من مجرد تسليط الضوء على المشكلات، وذلك لجعل الموضوعات التي تتناولها الصحافة أكثر اكتمالاً ودقة، حيث تواجه الصحافة القائمة على الحقائق مشكلة في الوقت الحالي، ولا سيما محليًا، في المساعدة في حل مشكلات المجتمعات المحلية، إذ ليس عليها فقط أن تعكس حياة الأشخاص الذين من المفترض أن تخدمهم، بل عليها أيضًا أن “تجيب على أسئلتهم”.

حلقة وصل

من المهم أيضًا توصيل صوت الناس إلى الجهات المسؤولة، حيث يُعد تسليط الضوء على الخطأ في المجتمع طريقة جيدة لحل مشاكله، وليس فقط تسليط الضوء على الإيجابيات، لأن المجتمع يعمل بشكل أفضل كلما تم الإعلان عن المزيد من الأشياء في العلن والشفافية، ولكي يحدث ذلك، يحتاج الصحفيون إلى تجنب الخطأ المتمثل في الخلط بين نواياهم الحسنة حول خدمة الجمهور والقيام بعملهم بشفافية وموضوعية.

الصفحة الأولى أو نشرة الأخبار أو الصفحة الرئيسية، هؤلاء ليسوا مجرد مجموعات من القصص، وإنما هم شكل من أشكال رسم الخرائط الاجتماعية، فإذا لم ينقل الصحفيون الأخبار بكل دقة ومصداقية وموضوعية، فإنهم يمثلون تشويهًا للتاريخ والأحداث، وخريطة غير مكتملة ليست مفيدة تمامًا للناس، ولا تبدو حقيقية بالنسبة لهم.

يحتاج الجميع إلى رؤية أنفسهم ومخاوفهم وأسئلتهم وإجابات مفيدة في الأخبار، فإذا لم يفعل الصحفيون ذلك، فستصبح الصحافة مجرد تحصيل حاصل.