سمير غانم .. “أستاذ الضحك” الذي يكره السياسة

أحمد شعبان

يرى كثيرون أن كوميديا سمير غانم، تعتبر خالية من العمق ومناقشة القضايا الكبرى ذات الأبعاد السياسية، ففي الفترة خلال سبعينات وثمانينات القرن الماضي وما تلاها، كان أبناء جيله، أمثال عادل إمام، سعيد صالح، ومحمد صبحي وغيرهم، يقدمون مسرحًا كوميديًا يناقشون فيه قضايا ذات أبعاد مختلفة سياسية أحيانًا وتربوية أحيانًا أخرى؛ إلا أن سمير غانم كان له رأيًا آخر.

كان همّ سمير غانم الأول والأخير هو إضحاك الجمهور، وعهده مع جمهوره هو أن يقول “إيفيه”هنا أو “قلشة” هناك، فينزل على مسامعه صوت ضحكات الجمهور، ليشعر بأنه أدّى ما عليه محاولًا التفريج عن همّ جمهوره.

نرشح لك: موعد ومكان صلاة الجنازة على سمير غانم

في حديثه عن الفنان القدير سمير غانم، خلال إحدى حلقات برنامجه “الموهوبون في الأرض”، يرى الكاتب والسيناريست بلال فضل، أن ابتعاد الفنان القدير عن السياسة يُحسب له لا عليه، حيث كان متصالحًا مع نفسه، ولم يدعي أنه مهتمًا بتقديم أعمال ذات أبعادٍ سياسية، بالرغم من أنه وأبناء جيله نشأوا في فترة كانت الناس مُسيسة بالفطرة، ولكنه اختار أن يقدم الضحكة المجردة وغير المحملة بأي رسائل.

يتفق هذا مع رأي الكاتب والناقد محمود عبد الشكور، الذي اعتبر في تصريحات لـ”إعلام دوت كوم”، أن عدم اتجاه سمير غانم للكوميديا السياسية ليس عيبًا، فهو ليس ضد الكوميديا السياسية، ولكن ربما لم يجد نفسه فيها، مؤكدًا على أن :”الكوميديان مش بالضرورة يعمل كل أنواع الكوميديا، وربما أحس بأنه لن يضيف شيئًا في هذا المجال، وأن هناك من هم أفضل منه في هذا النوع من الكوميديا”.

ويرى “عبد الشكور” أن اتجاه سمير غانم للكوميديا الاجتماعية الخفيفة هو شيء مطلوب أيضًا، فالضحك للضحك مطلوب، ويضيف :”ما اظنش إن احنا عندنا كوميديانات سياسية عظيمة أوي يعني، ممكن يكون في نموذج أو اثنين أو ثلاثة، كمان اللي بيكتبوا النوع ده قليلين جدًا.. ويمكن سمير يكون تنبأ لده مبكرًا، وقال ليه أبقا 20% لو عملت سياسة، في حين إني ممكن أبقا 90% في اتجاه آخر”.

ويعتبر “فضل” أن سمير غانم طل لفترةٍ طويلة “أقل من الاحتفاء به”، ولم يُنظر إليه باحتفاء مثل عادل إمام الذي قدم الكوميديا السياسية، ومحمد صبحي الذي قدم الكوميديا الأخلاقية الوعاظية، وإنما كان يُنظر إليه على أنه “الهلّاس اللي ممكن تضحك ليه لكن لا يتم الاحتفاء به نقديًا وفنيًا”. ومع ذلك ظل “سمير” مخلصًا للكوميدية الهزلية العبثية التي يقدمها، والتي تعتمد على تناقض في موقفٍ ما ليس عميقًا أو مُركبًا، وإنما مشهدًا بسيطًا يعتمد فيه على المبالغة الشكلية والحركات البدنية الهزلية من أجل إضحاك جمهوره.

“جحا يحكم المدينة”.. السياسة أولًا وأخيرًا

في حوارٍ له مع جريدة الشرق الأوسط اللندنية في عام 2005، أكد سمير غانم على أنه ليس سياسيًا ولا يحب تقديم المسرح السياسي، أضاف :”قدمت المسرح السياسي مرة واحدة في مسرحية وحيد حامد «جحا يحكم المدينة» ولن أعاود تقديمها مرة أخرى لان السياسة لها ناسها، والمسرحية واجهت مشاكل كثيرة جدا مع الرقابة بل وأغلقت لمدة ثلاثة أيام”، تابع :”والى جانب ذلك فأنا شخصيا لا أميل الى المسرح السياسي، وهذا اعتراف مني بذلك.. فقط أميل لعرض المشاكل الاجتماعية والإنسانية لان الناس أصيبوا بالملل من كثرة الحديث

في السياسة وعنها وأصبحوا يبحثون الآن عن الابتسامة التي تنسيهم همومهم”.
ومسرحية “جحا يحكم المدينة” التي عرضت عام 1985، من تأليف وحيد حامد وإخراج شاكر خضير، وشارك فيها أحمد راتب وإسعاد يونس وآخرين. لهذه المسرحية قصة مع الرقابة حكاها “سمير” خلال استضافته ببرنامج “العاشرة مساءًا” منذ ما يقرب من عام، حيث ذكر :”كانت مسرحية سياسية صريحة، والرقابة كانت عندنا كل يوم، كنت بمثل وألاقي بتاع الرقابة قاعد ماسك الإسكريبت ويبصلي ويبص عليه”.

يضيف أنه ذات مرة توقف عن التمثيل وقال للرقيب :”أنت بتقرا إيه قدام الناس، هو سعدتك بتشوف أنا بقرا العربي صح ولا إيه، اقفل ده لأن الناس مبسوطة وبعدين نطلع نتكلم”. وتسبب خروج “سمير” المعتاد عن النص في حيرة الرقيب :”كله كان بره النص، وهو قاعد يبص ويدور، قلتله بتدور على إيه، مش هتلاقيها عندك”.

ويعتبر بلال فضل أن مسرحية “جحا يحكم المدينة”، ساهمت في تكوين “عقدة” الفنان الكبير من السياسة، حيث يوضح :”سمير غانم اتعلم من التجربة والممارسة إنه يبعد عن السياسة، وكانت أقل مسرحياته نجاحًا، ومعلقش مع الجمهور غير الحتت اللي ارتجلها”، ويعتبر أيضًا أن هذا كان سببًا رئسيًا في مقاطعة الكاتب الكبير وحيد حامد للمسرحية، ومقاطعته لكتابة المسرح بشكلٍ عام، “لأنه أدرك أنه مش هيبقا متحكم في اللي يتقال على المسرح”.

2000 جنيه تعويضًا

إلى جانب ما حدث في مسرحية “جحا يحكم المدينة”، هناك قصة أخرى اعتبرها “فضل” سببًا رئيسيًا من أسباب ابتعاد الفنان الكبير عن تناول السياسة في أعماله، حيث يحكي :”سنة 1976 كان سمير بيقدم فوازير رمضان مع جورج سيدهم، بعد وفاة الضيف أحمد، وكان النص فيه كلام عن رئيس وزراء سابق في فترة الثلاثينيات وكان اسمه حسين رشدي باشا، وكان مكتوب في الاسكربت أنه كان بيعقد جلسات مجلس الوزراء في عوامة المطربة منيرة المهدية”، تابع :”جسّد جورج دور رئيس الورزاء، بينما جسد سمير غانم دور المطربة منيرة المهدية، وحدث ولا حرج عن المسخرة اللي حصلت لما سمير مثل دور منيرة المهدية”.

واستطرد :”بعد عرض الفوازير، فوجئوا بقضية مرفوعة عليهم من ابن رئيس الوزراء والذي كان سفيرًا سابقًا، وطالب بتعويض قدره 15 ألف جنيه، ردًا على الإساءة لوالده، ومحكمة جنوب القاهرة حكمت بتغريم “سمير وجورج” مبلغ ألفين جنيه، وهو مبلغ كبير وقتها”.

خوفًا من حدوث صدام مباشر مع السلطة، والرقابة التي دأبت على التدخل والتصدي للأعمال الفنية، تجنب الفنان الكبير سمير غانم تناول السياسة في أعماله. ويروي “فضل” أنه عندما قدم مسرحية “أخويا هايص وأنا لايص”، ومسرحية “فارس وبني خيبان”، كان الفنان الكبير يقوم بتحويل الجمل والعبارات التي تحتوي على كلام سياسة، إلى ضحك وهزل.

مالوش أيديولوجيا

يعتقد “عبد الشكور” أن من أسباب ابتعاد سمير غانم عن الكوميديا السياسية، طبيعة شخصيته، فهو “شخص غير مُسيس، مالوش أيديولوجيا”، ويهتم فقط بالحياة اليومية وتفاصيلها، ربما يستوقفه مشهد هنا أو واقعة هناك. حيث كان يعتبر أن دوره هو إضحاك الناس وليس الحديث في السياسة. ويظهر هذا في الظهور الإعلامي للفنان سمير غانم بعد ثورة يناير، وتحديدًا أيام حكم جماعة الإخوان المسلمين، فمثلًا ظهر ببرنامج “آسفين يا ريس” مع الإعلامي طوني خليفة، وقال :”السياسة لها ناسها، الفنانين ربنا اداهم موهبة عشان يسعدوا الناس”.

لكن “طوني” بدأ يسأله عن رؤساء مصر، وعن رأيه في الأوضاع السياسية وقتها، والملاحظ هنا هو أن تصريحات سمير غانم السياسية لا تنبع من انحيازه لأيديولوجية معينة على حساب أخرى، وكانت دائمًا محملة بإفيهات وضحك، فكما انحاز إلى تقديم المسرح الهزلي من أجل إسعاد جمهوره، كان يؤكد دائمًا على الانحياز للشعب ومطالب الجمهور. فمثلًا قال :”السياسة بُمبة كبيرة، ولو كنت رئيس جمهورية والملايين قالولي ارحل همشي”، وعن رأيه في رؤساء مصر قال :”عبد النتصر رائع، السادات هايل، مبارك جميل، مرسي فلة”.

وفي لقاءه مع باسم يوسف في برنامجه الشهير “البرنامج”، تحدث الفنان الكبير عن أزمة الكوميديا في مصر، وأضاف أنه يعتبر نفسه “خبير المسخرة والهلس”، ثم قام بالتعليق على بعض الأحداث السياسية قائلًا :”المسئولين في البلد والناس الكبار بيقطعوا علينا عيشنا، الوضع اتلخبطت، زمان لما كان يتعرض عليك سيناريو حلو تقعد تضحك وتتكيف، لكن دالوقتي كفاية إنك تقرأ مسودة قانون وأنت تتكيف”.

مفتي ديار الضحك المصرية

ربما كان سبب ابتعاد سمير غانم عن الكوميديا السياسية، هو خوفه من مواجهة نفس مصير الفنان سعيد صالح، الذي تعرض للسجن خلال ثمانينات القرن الماضي وما بعدها “لخروجه عن النص”، فكوميديان بحجم وطبيعة سمير غانم، يعتبر أستاذًا في الارتجال، وأحد كبار المرتجلين في تاريخ المسرح المصري، بحسب تعبير “عبد الشكور”، كان لابد له أن يرتجل، ويغير في النص، لكنه ربما اختار أن ينأى بنفسه عن ملاحقات الرقابة المتعددة. يوضح “عبد الشكور” :”المسألة كانت محفوفة بالمخاطر، في ظل مجتمعات منغلقة في ذلك الفترة في الثمانينات”.

وبعيدًا عن السياسة بكل ما فيها من كآبة، وإيقاع الحياة اليومية بكل ما فيه من رتابة، وجد مستخدمو مواقع التواصل الإجتماعي، أن استعادة “إيفيهات” الفنان الكبير، بكل ما فيها من “هلس عبثي”، على شكل “كوميكس”، وصور وفيديوهات يتم تدوالها، ربما تكون أعمق وأهم من الواقع العبثي الذي نعيش فيه. ولذلك يظل سمير غانم حاضرًا دائمًا وبقوة، فهو “رجل الارتجال الأول”، و”المفتي الفني لديار الضحك المصرية”.