نسل الأغراب.. المبالغة أفسدت كل شئ

طاهر عبد الرحمن

أظن – وبقية الظن ليست إثما لأن بعضه فقط هو الإثم – أن المخرج محمد سامي عندما جلس ليكتب قصة مسلسله، نسل الأغراب، الذي يعرض حاليا في السباق الرمضاني تصور أنها تحتوي على كل العناصر والعوامل، أو “الخلطة” كما يقولون، التي ستحقق له نجاحا مضمونا، وبالطبع لم يتخيل أن العناصر والعوامل والخلطة ستكون عاملا سلبيا مؤثرا على مسلسله.

ومن البداية نقول إن سبب نجاح أو فشل أي عمل فني يكون لعدة أسباب منفصلة أو مجتمعة، موزعة على المؤلف والمخرج والممثلين، وفي حالتنا هذه فإن المخرج محمد سامي هو المسئول عن كل شيء يخص هذا العمل، فهو – كما يعرف الجميع – المتحكم الرئيسي في كل صغيرة وكبيرة فيه، بدءا من القصة والسيناريو والحوار، الذي هو كاتبهم، وانتهاءً بالتتر الذي اختار له تامر حسني مستبعدا المطربة أنغام، التي لم يعجبه طريقة غنائها.

نرشح لك: “غفران” يأمر بقتل “فاطمة” في الحلقة الـ 23 من “نسل الأغراب”

 

الخبر المثالي.. المسلسل المثالي

حكى الأستاذ محمد حسنين هيكل ذات مرة أنه حضر دورة تدريبية في جامعة كولومبيا عن الصحافة، وذات يوم قال المحاضر إنه ومجموعة من أساتذة الجامعة توصلوا إلى صيغة سحرية لكتابة الخبر المثالي، حيث يجب أن يحتوي أي خبر على مجموعة من العناصر الضرورية كي تجذب القارىء وهي: شيء من الملَكية وشيء من الدين وشيء من الجنس وشيء من الجريمة، وأعلن ذلك المحاضر لطلبته أنه وضع خبرا مثاليا حيث قال: “الملكة صاحت، يا إلهي، إن الأميرة حامل، فمن فعلها؟”

لا نعرف إن كان محمد سامي قد قرأ ما كتبه هيكل عن نظرية الخبر المثالي أم لا، ولكنه بالتأكيد يعرف أن هناك نظرية أخرى مماثلة في صناعة المسلسلات الدرامية، ولا نقول الأعمال الفنية.

هذه النظرية تتلخص في أن أي مسلسل لكي ينجح ويحظى بنسبة مشاهدة عالية يجب أن يحتوي على: شيء الملكية (ثراء مبالغ فيه) وشيء من الصراع أوالجريمة (كالثأر مثلا) وشيء من الإثارة (عنصر نسائي يدور حوله ومن أجله الصراع) وشيء من “الصعيد” (باعتباره عالما مثاليا يحتوي كل العناصر السابقة وزيادة)

ولعل المتابع لكثير من الأعمال الدرامية التي قُدمت في السنوات الأخيرة يستطيع أن يعرف أن تلك النظرية لا تخيب غالبا، بل تلقى نجاحا جماهيريا كبيرا.

المبالغة التي أفسدت كل شيء

كتب إذن محمد سامي قصة وسيناريو وحوار مسلسله عملا بتلك النظرية – الخلطة – السحرية المضمونة، واختار اثنين من أشهر وأنجح الممثلين في الوسط لبطولته، أحمد السقا وأمير كرارة، مشاركة مع زوجته الفنانة الجميلة مي عمر، ضمانا أكيدا – بالزيادة – لنجاحه.

لكن على ما يبدو فإن حرصه على تقديم عمل درامي يكتسح كل الأعمال المعروضة دفعه إلى أن يبالغ في كل شيء في المسلسل: من القصة إلى الصورة مرورا بأداء الممثلين.

في أي عمل من هذا النوع سبق تقديمه فإن المؤلف والمخرج يحرصان دائما على وجود خطوط فاصلة تجذب المشاهد: مثل الخير والشر، الجمال والقبح، الشرف والوضاعة، الحب والكره، العادات والتقاليد القديمة ومتطلبات العصر وغيرها، وكل ذلك في إطار درامي وقصة إنسانية لها بداية ويمكن بسهولة توقع نهايتها، وهو للأسف غير موجود بالمرة في مسلسل نسل الأغراب.

في مسلسل نسل الأغراب نحن أمام قصة صراع دموي طويل بين عساف وغفران شمل كل شيء، وهو صراع غير مفهومة أسبابه، (هل نقول غير مبررة؟)، ومع أنهما أولاد عمومة إلا أن فكرة التصالح غير واردة بالمرة، هنا نجد المبالغة الكبرى في قصة المسلسل، بمعنى أن فكرة العداوة والخصام بين أولاد العم أو الخال (أو حتى الإخوة) واردة طبعا، ولكن مهما حدث لا تصل إلى تلك الدرجة، كما أنه – في الصعيد وهو مجتمع قائم على هيبة العائلة أو القبيلة – لا يقبل أحد بنشر “غسيل عائلته الوسخ” أمام الناس مهما كانت الأسباب، وكل المشاكل والعداوات يتم حلها أو حصرها في نطاق العائلة/القبيلة.

انتظار ما لا يأتي

من المشاهد الأولى في مسلسل نسل الأغراب وحتى مشارف نهاية حلقاته حتى الآن، يلحظ المتابع البطء الشديد في الأحداث، وهو البطء الذي يبدو متعمدا من المؤلف (والمخرج) وذلك لتأجيل الوصول إلى لحظة الانفجار المتوقعة بين طرفي الصراع، وأيضا كنوع من التشويق للمشاهد، وهكذا فإنه ليس مستغربا أن تعاد حكاية القصة مرة أو مرتين على لسان جميع الممثلين في كل حلقة، ولو أن ذلك حدث بطريقة “الفلاش باك”، أو بحسب موقع كل طرف فيها لأمكن فهم مبرراته الدرامية، لكن أن يحدث هكذا بطريق الحوار المباشر بين أي شخصين في العمل فهو أمر غير مفهوم.

هناك أيضا ذلك الإطار الضيق الذي وضع فيه المؤلف نفسه وأبطاله فيه، فهم جميعا يتحركون في نطاق العائلة التي تعيش على ضفتي النهر، وليس القرية أو المركز أو المدينة، وهو ما أدى إلى استبعاد أي تجمع بشري آخر غير “الأغراب”، ما عدا طبعا ما يسمون ب”غجر زلط”، ووجودهم هنا لمجرد أنهم أخوال أحد طرفي النزاع.

هذا التفريغ البشري ليس له أي مبرر درامي على الإطلاق سوى أن المؤلف – مع رغبته في تركيز القصة على عائلة الغريب – نسى وجود الآخرين، حتى ممثل القانون، الذي هو بالضرورة محايد و”غريب” عن البلد، لكنه في المسلسل “واحد من العائلة”، ومع أنه يحاول طول الوقت تطبيق العدالة وتحقيقها إلا أنه بشكل أو بآخر متورط في الصراع.

وربما من حسن الحظ أنه في عالم صناعة الدراما – والفن – كما في عالم الصحافة والإعلام نظريات أخرى غير تلك التي رآها محاضر جامعة كولومبيا، أو تلك التي يراها المخرج (والمؤلف) محمد سامي!