لعبة نيوتن: "الشرع" VS القانون

فاطمة خير

“إنتِ مراتي شرعا”
في الحلقة التاسعة عشر من مسلسل “لعبة نيوتن”، لخص الحوار في مشهد جمع “مؤنس” محمد فراج و”هنا” منى زكي، معضلةً كبرى تمثل أحد التحديات الخطيرة أمام قانون أحوال شخصية منصف وواقعي، فالبطلة هَنا (بغض النظر عن اختياراتها ومساراتها، ودون الحكم عليها) وجدت نفسها ضحية تلاعب رجلين بها، باسم “الشرع”، فزوجها “حازم” محمد ممدوح طلقها برسالة صوتية -فويس نوت على الموبايل- ثم “ردها” إلى عصمته برسالة أُخرى!

نرشح لك: دراما الخطاب المباشر ..الضرورات تبيح المحظورات

لم تلفت الرسالة نظر الزوجة فتصورت أنها لا تزال طليقة حازم، وفي الوقت الذي تتعرض فيه لابتزاز غير مباشر من رجل آخر -مؤنس- يوهمها بأنه يقوم برعايتها وحريص عليها، ولأن هذا الرجل مُلتحي لا يفارق سبحته ويغلف حديثه برداء ديني، وثقت به، وصدقت أنها أصبحت حرة من زيجتها، ويحل لها الزواج مرة أُخرى، زواجا “شرعيا” بوجود شهود لا تعرفهم في المركز الإسلامي في البلد البعيد، الذي يُعتبر هذا الزواج مخالفة صريحة لقوانينه التي لا تسمح بالزواج الثاني، لكن لا يهم، فالشيخ “مؤنس” أخبرها أنها ستصبح “حلاله “بعقد الزواج وفقا للشروط الشرعية بغض النظر عن التوثيق!

تستجيب “هَنا” الباحثة عن الحماية في لحظة ضعف، وتعود إلى مصر ليخبرها حازم أنها لا تزال في عصمته فقد قام بردها من خلال رسالة! طبعا وفقا للسياق الدرامي، فقد خدع مؤنس هَنا، فقد أحبها لذا قام بإخفاء خطاب بعثه حازم معه للزوجة.

“الشيخ مؤنس” يتلاعب بالجميع باسم الشرع، يريد أن يقنع حازم أن هَنا لم تعد زوجته، ويقنع هَنا أنها زوجته “شرعا”، وتُصاب هَنا بصدمة أنها أصبحت تجمع بين زوجين، لقد أصبحت زوجة لحازم في مصر قانونيا، وفي أمريكا هي زوجة لحازم أمام حضور المركز الإسلامي، ولا قانونية لزواجها به هناك: عبث مطلق ولا عزاء للقانون!

بمعنى آخر: أصبحت الزوجة “كلمة تجيبها وكلمة توديها”! رجل يخرجها من حياتهما المشتركة بكلمة! ويردها إلى الحياة نفسها بكلمة! وآخر يخدعها في لحظة ضعف تحتاج فيها للحماية، باسم “الشرع”! بل قد خدع زوجها بالفعل بعد أن أقنعه بأن الشرع يعتبر هَنا ليست زوجته وإن لم يصدقه فليسأل أي رجل دين يثق فيه! نحن نتحدث هُنا عن دولة موازية تعبر مفهومها عن الشرع هو الأحق بالتطبيق، ولا وجود للقانون!

يذهب حازم إلى رجل دين، يجعل الأمر متوقفا على نيته الخالصة، وهو ما زاد حيرة حازم، فيطلب منه الشيخ الذهاب إلى دار الإفتاء، لكن في كل الأحوال هي لا تزال زوجته على الورق.

كل ذلك يحدث مع أن المسألة يُمكن حسمها بإطار قانوني واضح لا يقبل اللبس!
في المشهد الذي تعلن فيه هَنا أنها لا تعلم ماذا تفعل؟ وأنها في مصيبة، يقنعها مؤنس: “إنتِ مراتي شرعا”، هذا المشهد “قلب المواجع”.. وكم من مصائب تُرتَكَب باسم “الشرع”.

ما حدث هُنا هو ما يُسمى بـ”الطلاق الشفهي”، وفي دولة يحكمها القانون لا يجوز أن تظل علاقة الزواج محكومة بـ”كلمة” شفاهية، لا يُعقَد الزواج في مصر قانونا بكلمة، وبناءً عليه لا ينبغي الاعتراف بإنهاءه بكلمة، وليس هذا افتئاتا على الدين، ولن نكون أول دولة مسلمة لا تعترف بالطلاق الشفهي.

الزوجة هَنا مفعول بها في الحالتين: رجل يتمسك بزيجته بها وفقا للقانون، وآخر يتمسك بزيجته بها وفقا “للشرع، أما هي فلا رأي لها!

“لعبة نيوتن” مسلسل أحداثه كثيرة ومتقاطعة، وليس هذا الموقف هو المحور الأساسي فيه، لكن الواقع ملئ بقصص شبيهة، واسألوا مكاتب المأذونين، ومحكمة الأسرة، ومكاتب المحامين.

“لعبة نيوتن” ضغط بقوة على جرح في الشكل القانوني لعلاقة الزواج في مصر، ونقطة ضعف لا تليق بالقوانين التي تحكمها في بلد ناهض يتجه نحو الحلول الجذرية لمشكلاته.